أكد عدد من أعضاء مجلس النواب اللبناني أن "اللقاء الوطني" الذي ترأسه الرئيس اللبناني ميشال عون في وقت سابق من اليوم للبحث في ملفات الاقتصاد والاستقرار والسلم الأهلي، قد تضرر جراء الانقسامات السياسية الحادة في البلاد، محذرين من تداعيات ومخاطر تراجع الأوضاع المالية والاقتصادية والنقدية على واقع المجتمع اللبناني. وأشار أعضاء المجلس النيابي اللبناني - في تصريحات خاصة لوكالة أنباء الشرق الأوسط - إلى أن الاستقرار المجتمعي هو أساس الاستقرار الأمني، وأن الوضع العام في البلاد يتطلب سرعة إجراء الإصلاحات الجدية منعا لانزلاق البلاد نحو انفجار مجتمعي. واعتبر النائب نُهاد المشنوق وزير الداخلية الأسبق، أن الاجتماع الرئاسي عُقد "في غير زمانه ومكانه" حيث غابت عنه إمكانية التفاهم والتوافق، كما أن الوضع الاقتصادي والذي يمثل صدارة الأولويات في البلاد، لم يُطرح بشكل تفصيلي جاد خلال الاجتماع الذي خلا تماما من أي خطة استراتيجية للمعالجة. وأضاف أن الاجتماع لم يخرج بثمة جديد يوحي بقرارات جدية وجريئة في سبيل معالجة الوضع النقدي، فضلا عن تجاهل مسألة رئيسية تتعلق ب "حصار لبنان" وهي سلاح حزب الله. وقال: "أي حديث سياسي أو نقدي أو اقتصادي دون مناقشة جدية ومسئولة لاستراتيجية دفاعية للبلاد، يتم فيها التفاهم العملي على مسألة السلاح بين حزب الله والدولة اللبنانية، هو أمر خارج سياق التطور في لبنان والمنطقة ككل، وخارج سياق القدرة على إعادة الصلة بالعالم الخارجي والمحيط العربي والخليجي". وانتقد المشنوق الحكومة الحالية في ظل عدم إقدامها على إجراء أي إصلاح اقتصادي يتسم بالجدية. متابعا: "الحكومة بعد 4 شهور لم تستطع إجراء تعيين للهيئة المنظمة المستقلة المنوط بها إدارة قطاع الكهرباء، لاسيما بعد الخراب الذي وقع خلال ال 10 سنوات الماضية والذي كبد لبنان قرابة 45 مليار دولار". واعتبر أن "المجموعة السياسية" الممثلة داخل الحكومة، لن تكون قادرة على اتخاذ خيارات استراتيجية، لاسيما وأنها لم تستطع اتخاذ قرارات إصلاحية طبيعية في ملفات تتسبب بخسائر مالية فادحة، وهي إصلاحات مطلوبة داخليا ودوليا.. مؤكدا أن الاجتماع الرئاسي جاء فارغا من مضمونه وقدراته وأصيب ب "الفراغ الحكومي" الذي لطالما شهده لبنان. من جانبه، قال النائب آلان عون عن التيار الوطني الحر، إن الاجتماع كان يستهدف إعطاء إشارة إيجابية للوحدة الوطنية لدى الشارع اللبناني، منعا لاندلاع أي فتنة قد تندلع جراء الانقسامات التي تحدث على خلفية مظاهرات واحتجاجات شعبية يشهدها لبنان في المرحلة الراهنة، ولو كانت بخلفية معيشية، مشيرا إلى أن الاحتجاجات تنزلق في بعض الأحيان لما هو أخطر من الطابع المعيشي والاجتماعي لها. وأضاف: "كان من المفروض أن نخلق شبكة أمان وطنية لحماية لبنان من الانزلاق إلى فتنة في هذه المرحلة الدقيقة. الصورة والحوار الجامع خلال اللقاء الوطني كان المفروض أن يتولى تلك المهمة". وأعرب عون عن أسفه كون الانقسامات السياسية قد حالت دون مشاركة عدد من القوى السياسية الأساسية في لبنان بالاجتماع الرئاسي. متابعا: "هذا شيء مؤسف وأرجو أن تكون ظروف اللقاء والحوار أقوى في المرحلة المقبلة، لأن لبنان بلد محكوم بتفاهمات وتوافق أكبر من أي انقسام وسجالات ومعارك". وشدد على أن إمكانية التلاقي والحوار بين القوى السياسية يجب أن تظل متوفرة دون عوائق من أي نوع، وأنه لا يجب أن يكون هناك أي حاجز سياسي أو غيره يحول دون التلاقي بين القوى السياسية". وأقر النائب آلان عون أن "اللقاء الوطني" الذي عُقد اليوم قد تضرر بقدر ما، جراء الانقسام السياسي في البلاد، مشيرا إلى أن هذا الانقسام مشروع، غير أن المرحلة الدقيقة التي يشهدها لبنان تتطلب إعادة خلق مُناخ يسمح للبنانيين بالالتقاء، باعتبار أن التحديات الاقتصادية كبيرة الأمر الذي قد ينتج عنه إمكانية للانزلاق مجددا نحو صدامات. وأشار إلى أن لبنان قد يتجه إلى المزيد من الاضطرابات الاجتماعية والمعيشية بحكم انهيار سعر صرف الليرة مقابل الدولار الأمريكي، وتراجع الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، الأمر الذي يتطلب مزيدا من الاحتياط وخلق شبكة أمان وطنية واجتماعية لمنع الانزلاق والانفجار. من جهته، قال النائب محمد خواجه عن حركة أمل، إنه كان يأمل أن يشهد الاجتماع الرئاسي حضور جميع القوى السياسية التي دُعيت للحضور، حيث كان سيعطي دفعة معنوية للشارع اللبناني في ظل الظروف الاقتصادية والمالية والنقدية الراهنة شديدة الصعوبة. وأثنى خواجه على تأكيد "اللقاء الوطني" على الثوابت الوطنية اللبنانية المتعلقة بحماية الاستقرار والسلم الأهلي، باعتبار أن اهتزازهما يفاقم المشاكل في البلاد ولا يحلها. وأضاف: "الاستقرار الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والمعيشي، هو أساس أي استقرار في البلد، فلا يوجد استقرار أمني مجرد بحد ذاته. الاستقرار الأمني يحتاج إلى تحصين اجتماعي ومعيشي أكثر بكثير من الشق الأمني، واللبنانيون لم يعودوا يهتمون بالأحزاب السياسية والخطابات، ولهذا أنا لا أخشى الفتنة المذهبية فهي تراجعت، ولكنني أخاف من الفتن الاجتماعية وهي الأصعب في هذه المرحلة". وأوضح أن استمرار التدهور المالي والاقتصادي، من شأنه أن يذهب بالبلاد إلى موضع أكثر خطرا، باعتبار أن المواطنين ينزلون إلى الشوارع حينما يتضررون بشكل مباشر في احتياجاتهم الأساسية المرتبطة بالمعيشة، وأن معالجة هذه الأمور لا تتم بالتمنيات وإنما بتوفير متطلبات المواطنين. وأشار إلى أن التدهور الذي يمر به لبنان مرجعه الاعتماد الكلي لمدة تقارب 30 سنة على الاقتصاد الريعي والخدمات على حساب الصناعة والزراعة وعدم توفير الدولة الرعاية اللازمة للقطاعات الإنتاجية، الأمر الذي أوجد فاتورة استيراد بلغت نحو 20 مليار دولار مقابل تصدير لا يتجاوز في أفضل الأحوال 5ر3 مليار دولار سنويا. وشدد على أن اللبنانيين يحتاجون إلى إجراءات عملية سريعة لضبط سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل الليرة اللبنانية، ومعالجة أزمة قطاع الكهرباء المزمنة، وغيرها من الأزمات التي تعصف بلبنان وتستنزف ماليته العامة واقتصاده. من ناحيته، أكد النائب الدكتور محمد الحجار عن تيار المستقبل، أن لبنان يحتاج إلى معالجة جدية للوضع الاقتصادي والمعيشي، معتبر أن الاجتماع الرئاسي لم يخرج عن سياق "الكلام المنمق" دون أي تطبيق لأي إجراءات إصلاحية تصحيحية على أرض الواقع. وشدد الحجار على أن تحصين السلم والاستقرار في لبنان، يقتضي المضي قدما نحو تنفيذ الإصلاحات، وأن هذا الأمر لم يحدث ثمة تقدم فيه حتى الآن من قبل السلطة اللبنانية الحاكمة ممثلة في رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة. وقال: "الإصلاحات هي المدخل الحقيقي لأي أمل لخروج لبنان من أزمته، وتجربتنا مع العهد الرئاسي في هذا الصدد كانت سيئة. نسمع الكثير من الكلام ولم نر شيئا على أرض الواقع، وهنا أُذكّر بمجموعة الإصلاحات التي كانت قد أقرت في آخر جلسة لحكومة رئيس الوزراء سعد الحريري في شهر أكتوبر الماضي.. حينها قال الحريري إن تلك الإصلاحات التي أقرتها الحكومة ما كان لها أن تبصر النور سوى بضغط الاحتجاجات الشعبية، وأنه ظل يلح عليها لمدة سنتين ولكنه كان يُجابه بالرفض والتعنت، ولو كانت هذه الإصلاحات قد أقرت في السابق لما وصلنا إلى حالة التدهور الراهنة". وأضاف: "هذه التجربة السيئة وغير المشجعة مع العهد الرئاسي، لاسيما بالتعامل مع اللقاءات التي كانت تُنظم من قبل، هي التي جعلت الرؤساء السابقين للحكومات يعلنون عدم المشاركة ومقاطعة اللقاء الوطني، كرسالة اعتراض على أسلوب التعامل من قبل سلطة الرئاسة، وقلنا إن معالجة الوضع الحالي في لبنان تتطلب مقاربة من نوع مختلف، تأخذ بعين الاعتبار أسباب الأزمة والحلول المناسبة". وأشار إلى أن تطرق البيان الختامي ل "اللقاء الوطني" لصندوق النقد الدولي ومساعدته للبنان، يجب أن يواكبه جهد فعلي للوصول إلى حلول وإنجاح المفاوضات مع الصندوق. متابعا: "من يوجد لديه مصدر مالي آخر وسيولة للاقتصاد اللبناني فليفصح عنها. نحن ذهبنا إلى صندوق النقد الدولي نظرا لعدم وجود خيار مالي آخر، ومع هذا فإن العهد الرئاسي والحكومة لم يوفرا المُناخ الملائم لإنجاح المفاوضات مع الصندوق، والدليل السجالات بين رئيس الحكومة ومصرف لبنان المركزي على الأرقام المالية". واعتبر أن إقدام الحكومة الحالية على وضع خطة الإنقاذ المالي والاقتصادي، دون تشاور مع جهات أساسية معنية مثل مصرف لبنان المركزي وجمعية مصارف لبنان، يدل على "نمط تفكير إلغائي يقوم على الاستئثار بالسلطة من قبل سلطة الحكم الموجودة حاليا". وقال: "كل العالم يقول إن لبنان لن يمكنه الاستفادة من أي مساعدة خارجية إلا إذا نفذ إصلاحات حقيقة، وأولى أولويات هذه الإصلاحات هي موضوع الكهرباء الذي يتسبب في إهدار كبير في المال العام". جدير بالذكر أن "اللقاء الوطني" الذي ترأسه في وقت سابق من اليوم الرئيس اللبناني ميشال عون بهدف مناقشة تطورات الأوضاع الاقتصادية والبحث في أحداث الاضطرابات الأخيرة التي شهدها لبنان وانطوت على مساس بالسلم الأهلى والاستقرار، قد عقد في ظل غياب شبه كامل لأركان المعارضة وبعض القوى السياسية المشاركة في تشكيل الحكومة الحالية، حيث قاطعه الرؤساء السابقون للحكومات سعد الحريري وفؤاد السنيورة ونجيب ميقاتي وتمام سلام، وحزب القوات اللبنانية، وحزب الكتائب اللبنانية، وتيار المردة، والرئيسين السابقين أمين الجميل وإميل لحود.