رئيس الطائفة الإنجيلية يشارك فى حفل تخرج الكلية المعمدانية    سعر كرتونة البيض اليوم.. الأبيض يسجل 150 جنيها    طريقة سلخ الخروف تزامنا مع قدوم عيد الأضحى.. اتبع هذه الخطوات    «اتحاد الصناعات» يبحث مع الغرف التجارية سبل تمكين المرأة اقتصاديا    حزب الله: استهدفنا ثكنة راميم التابعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي بالأسلحة الصاروخية    التجارة البحرية البريطانية: سلطات عسكرية أجلت طاقم سفينة تعرضت لحادث جنوب غربي الحديدة    بملابس الإحرام.. الرئيس السيسي يصل جدة لأداء مناسك الحج (فيديو)    وزير النقل السعودي: 32 تقنية حديثة و47 ألف موظف و27 ألف حافلة لخدمة ضيوف الرحمن    أمريكا تعلن تقديم 315 مليون دولار مساعدات إنسانية للسودان    خبير تحكيمي يكشف عن خطأ فادح في مباراة الزمالك وسيراميكا كليوباترا    بالأسماء.. تشافي طلب طرد 5 لاعبين من برشلونة قبل رحيله    حقيقة موافقة ناتشو على عرض الاتحاد السعودي    «الإفتاء» تحذر من فيديو مزيف بالذكاء الاصطناعي يروج لتطبيق مشبوه    قصور الثقافة: لدينا 20 قاعة لسينما الشعب في 18 محافظة تعرض الأفلام الجديدة    لبلبة: دوري في فيلم عصابة الماكس لا يشبهني.. والأحداث مليئة بالمفاجآت    الأول مكرر على الثانوية بالكويت: الأخذ بالأسباب وتنظيم الوقت من عوامل النجاح    حكم صيام عرفة يوم السبت.. أدلة شرعية تحسم الجدل    وكيل صحة الشرقية يتابع خطة رفع درجة الاستعداد بمستشفى القنايات قبل العيد    طريقة عمل الطحال زي المحلات.. «وصفة على قد الإيد»    وزير الإسكان: إيقاف وإزالة عدة مخالفات بناء بمدن 6 أكتوبر والشروق والشيخ زايد وبني سويف الجديدة    ويزو: 'ممنوع الأكل في لوكيشن شريف عرفة بس أنا كنت مبسوطة'    نقيب الإعلاميين يهنئ السيسي بحلول عيد الأضحى    فيديو.. المفتي يوضح فضل العبادة في العشر الأوائل من ذي الحجة    عاجل| القطاع العائلي في مصر يستحوذ على 58% من إجمالي الودائع غير الحكومية بالعملات الأجنبية في البنوك    رابط التسجيل في منحة العمالة الغير منتظمة 2024 عبر موقع وزارة القوى العاملة    أمن القليوبية يكشف تفاصيل جديدة في واقعة قتل طفل القناطر على يد زوجة أبيه    الثانوية العامة 2024.. خبيرة تربوية: التغذية الصحية تساعد الطالب على الاستذكار والتحصيل    بيربوك: يجب على الاتحاد الأوروبي الحفاظ على ضغط العقوبات على روسيا    مودريتش يخالف رأي مبابي    اليسار الفرنسي يكشف عن خطة للتخلص من إصلاحات ماكرون وتحدي الاتحاد الأوروبي    الصحة الفلسطينية: 5 إصابات برصاص الاحتلال من مخيم الأمعري بينها 3 بحالة خطيرة    قد تسبب أمراض القلب، ما هي أضرار المشروبات الغازية على الجسم؟    موعد صلاة عيد الأضحى في مصر 2024    الأزهر: يجب استخدام عوازل لمنع الاختلاط في صلاة العيد    الفيلم الوثائقي أيام الله الحج: بعض الأنبياء حجوا لمكة قبل بناء الكعبة    كيف تساعد مريض الزهايمر للحفاظ على نظام غذائي صحي؟    بعد العرض البلجيكي.. آخر تطورات صفقة انتقال بلعيد إلى الأهلي (خاص)    قصف مستمر وانتشار للأمراض الخطيرة.. تطورات الأوضاع في قطاع غزة    برامج وحفلات وأفلام ومسرحيات.. خريطة سهرات عيد الأضحى على «الفضائيات» (تقرير)    «التنسيقية».. مصنع السياسة الوطنية    «صيام»: نطبق استراتيجية متكاملة لتعريف المواطنين بمشروع الضبعة النووي| فيديو    بالرقم القومي.. نتيجة مسابقة مصلحة الشهر العقاري    هل صيام يوم عرفة يكفر ذنوب عامين؟.. توضح مهم من مفتي الجمهورية    «الإسكان»: إجراء التجارب النهائية لتشغيل محطة الرميلة 4 شرق مطروح لتحلية المياه    محافظ المنوفية: 647 مليون جنيه حجم استثمارات الدولة في قطاع التعليم قبل الجامعي    المشاط تبحث تعزيز التعاون المشترك مع الوكالة الإسبانية للتعاون الدولي    وزير الري يوجه برفع درجة الاستعداد وتفعيل غرف الطوارئ بالمحافظات خلال العيد    «هيئة الدواء»: 4 خدمات إلكترونية للإبلاغ عن نواقص الأدوية والمخالفات الصيدلية    نقل شعائر صلاة الجمعة من مسجد الكبير بالمحلة    لاعب بيراميدز ينفى بكائه بعد التسجيل في مرمى سموحة    فرج عامر: أوافق على مقترح الدوري البلجيكي.. ولا أستطيع الحديث عن عبد القادر وخالد عبد الفتاح    القاهرة الإخبارية تنقل صورة حية لطواف الحجاج حول الكعبة.. فيديو    إصابة شخص صدمته سيارة أثناء عبوره للطريق فى الهرم    ماس كهربائي كلمة السر في اشتعال حريق بغية حمام في أوسيم    حاتم صلاح: فكرة عصابة الماكس جذبتني منذ اللحظة الأولى    إنبي: العروض الخارجية تحدد موقفنا من انتقال محمد حمدي للأهلي أو الزمالك    حظك اليوم وتوقعات برجك 14 يونيو 2024.. «تحذير للأسد ونصائح مهمّة للحمل»    كتل هوائية ساخنة تضرب البلاد.. بيان مهم من الأرصاد بشأن حالة الطقس اليوم الجمعة (تفاصيل)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الكوارث غير الطبيعية
نشر في الشروق الجديد يوم 05 - 11 - 2019

تعرضت القاهرة وعدة مناطق أخرى يوم الثلاثاء، 22 أكتوبر 2019، لموجة من الأمطار الخاطفة أدت إلى سيول نتج عنها وفاة عشرة أشخاص وإصابة 22 آخرين وانهيار منازل وشلل مرورى وغرق المطار وانهيار فى الطريق الإقليمى الدائرى وتعطيل المدارس والأعمال، وقد علق آلاف بمن فيهم أطفال المدارس والمرضى فى الشوارع حتى الفجر. حدث هذا فى العاصمة التى تحظى بأكبر قدر من اهتمام الحكومة وخشيتها من أزماتها، ورغم ذلك، ورغم تصريحات المسئولين بإتمام استعدادات مواجهة الأمطار، فقد غرقت القاهرة حرفيا فى أقل من ساعتين.
لم تكن هذه الأمطار مفاجئة فى الواقع، فقد نبهت إليها هيئات الأرصاد المحلية والعالمية، كما أنها ليست المرة الأولى التى تتعرض فيها منطقة ما إلى أمطار «مفاجئة» فتغرق الشوارع وتنهار البيوت ويلقى الأشخاص حتفهم، فقد حدث مثلها فى العام الماضى فى القاهرة الجديدة، وفى 2016 فى محافظات الوجه القبلى والبحر الأحمر وفى 2015 فى الإسكندرية والبحيرة، وغيرها.
بنفس القدر لم يكن مفاجئا أيضا فشل الجهات المسئولة فى مواجهة هذه الأمطار ولا إصرارها على تكرار التبريرات نفسها، فالأمطار مفاجئة أو كثافتها استثنائية أو البنية التحتية غير مجهزة أو أننا فقراء لا نستطيع تحسينها أو أن هذا يحدث فى كل الدول… وهكذا فلا يوجد شىء كان يمكن عمله، ولا مسئول بعينه مسئولا، ولا حل سوى التسليم بقضاء الله وقدره وانتظار الكارثة القادمة واعتياد تقبل خسائرها.
***
فما الذى حدث؟ ما تعرضت له القاهرة كان موجة من «الطقس المتطرف» معتدلة الشدة، لحسن الحظ، فقد هطل المطر بمعدل 15 ملليمتر فى الساعة لمدة ساعة ونصف دون رياح عنيفة. وموجات الطقس المتطرف من ظواهر التغير المناخى، والتى قد تأتى فى شكل أمطار وسيول، أو موجات شديدة الحرارة أو البرودة أو الجفاف أو العواصف الرملية وهى مرشحة للزيادة فى الشدة والتكرار فمصر من ضمن أكثر الدول عرضة لمخاطر التغير المناخى، والطقس المتطرف ليس
أسوأ هذه المخاطر، بل هناك مخاطر أصعب كثيرا ولا نستطيع فى مواجهتها أن نعتمد على حسن الحظ أو الإصرار على أنها غير معتادة.
لقد أدت التغيرات المناخية بالفعل إلى ارتفاع سطح البحر المتوسط وتآكل ساحل الدلتا، وقد تغمر المياه مناطق مثل رأس البر وجمصة والبحيرات الشمالية خلال ثلاثين عاما، ومن المقدر بحلول نهاية القرن أن يؤدى ارتفاع سطح البحر إلى غرق ثلث الدلتا، وأن يؤدى فقدان المياه العذبة وخسارة الأرض المزروعة ومصائد الأسماك وتملح التربة والمياه الجوفية إلى التأثير على حياة الملايين وخسائر اقتصادية تقدر بنحو 200 إلى 350 مليار جنيه مصرى حسب البنك الدولى.
من ضمن مخاطر التغير المناخى أيضا انخفاض إنتاجية الفدان من القمح والذرة والحمضيات بين 10 إلى 20 فى المائة بسبب الحرارة ونقص المياه والأمراض إضافة إلى خسائر الثروة الحيوانية بسبب نقص الغذاء والحر والأمراض مثل الحمى القلاعية. يؤثر كل هذا على توفر الطعام، ناهيك عن نقص المياه ويزيد من الإفقار والهجرة والنزاعات. وهناك بقية فى قائمة أخطار التغير المناخى القاسية ولكن «المعلومة» منذ سنوات طويلة والمعروفة سواء عالميا أو وطنيا.
يصعب أن يدَعى المسئولون تفاجئهم بهذه الأخطار، فمصر منضمة إلى جميع الاتفاقيات المتعلقة بالمناخ، كما أنها ممثلة فى المجلس الدولى للتغير المناخى، وتشارك بفاعلية فى جميع الاجتماعات الدولية، وتقدم تقارير دورية إلى هيئات الأمم المتحدة المعنية بمتابعة الاتفاقيات، كما أن لديها لجنة قومية عليا للتغير المناخى وإدارة مركزية للتغير المناخى ومراكز البحوث والرصد فى عدد من الوزارات، كما شاركت مع هيئات دولية فى وضع عديد من الدراسات والاستراتيجيات والسياسات والتوصيات والبرامج وحصلت على منح وقروض ومساعدات تقنية لمواجهة مخاطر التغير المناخى.
ولكن، كأن هذا يحدث فى عالم موازٍ خيالى غير قادر على التأثير فى العالم الواقعى المأساوى، فنجد أنفسنا نغرق فى موجة معتدلة الشدة من الطقس السيئ، فما هو الحال فى مواجهة الأخطار الأشد وطأة للتغير المناخى.
***
يقاس خطر التعرض لتغيير المناخ ليس فقط بعوامل طبيعية، ولكن أيضا بعوامل اجتماعية وسياسية تحدد قدرة المجتمعات على إدارة الخطر بإجراءات تستهدف الوقاية منه وحماية الأرواح والممتلكات حين وقوعه ثم التعافى من خسائره، وترتبط هذه القدرة بإعادة تقييم وتعميم المنظور البيئى فى السياسات والخطط والبرامج وتطبيقاتها.
فمثلا لمواجهة أخطار السيول القادمة يجب إعادة تقييم أمور، مثل أهمية توجيه الإنفاق الحكومى على تحسين شبكات الصرف الصحى التى لا تكاد تغطى القاهرة، وفائدة إتمام معالجة مياه الصرف الصحى والاستفادة منها، وأهمية البحث عن حلول تقنية، أقل تكلفة من بناء شبكة كاملة للأمطار فى القاهرة وتسمح كذلك بالاستفادة من هذه المياه، وإعادة تقييم السياسات السكانية التى تشجع البناء العشوائى الذى يرهق المرافق وتستفيد منه شبكات المضاربة فى العقارات، وإذا كانت القاهرة قديمة وفقيرة فيجب تقييم بناء شبكات الأمطار فى المدن الجديدة الغنية وحماية مخرات السيول والمواقع الحيوية مثل المطار ومحطات الكهرباء، وضرورة تحسين مواصفات رصف الشوارع العادية أصلا بشكل مائل ودون مطبات وحفر، ومعرفة أسباب فشل مقاومة الفساد المستشرى فى مشروعات البنية التحتية ومعالجتها، وضرورة تحقيق مشاركة السكان والتواصل معهم وإعلامهم بخطط الطوارئ، والتأكد طبعا من وجود خطط جيدة للطوارئ.
وعلى نطاق أوسع، تقييم خطط مواجهة غرق الدلتا ونقص إنتاجية المحاصيل، وتقييم جدوى استزراع أراضٍ جديدة فى ظروف نقص المياه مقارنة بتحسين طرق الرى والإنتاجية فى الأراضى القديمة، وتقييم خطط مواجهة فقر المياه وموجات الهجرة الداخلية والعبء الصحى ومدى فاعلية هذه الخطط… ويمكن وضع قائمة طويلة من السياسات والخطط المطلوب وضعها وتقييمها لمواجهة مخاطر التغيرات المناخية.
تكشف مواجهة أخطار التغير المناخى الفشل المتراكم فى الإدارة والسياسات والاستراتيجيات البالية وغياب التنسيق وإهمال البعد البيئى والاجتماعى فى المشروعات وضعف البحث العلمى والتطور التقنى والفساد وضعف المشاركة المجتمعية والشفافية، وهى متطلبات تحسين قدرة المجتمعات على مواجهة الأخطار.
موجة أمطار الثلاثاء لم تكن كارثة طبيعية، لكن الفشل فى مواجهتها هو ما جعل نتائجها كارثية، تتعرض بلاد كثيرة فى العالم لأخطار السيول وموجات الطقس المتطرف، لكن النتائج تختلف من بلد إلى آخر حسب هذه القدرة على التكيف، وإذا كان لا حيلة لنا فى تغيير عوامل الخطر الطبيعية فإن لنا كل الحيلة فى تحسين قدرتنا على مواجهتها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.