لا يخلو بيت عربي، ولا مكتبة في أغلب دول العالم من أحد مؤلفات رائد التنوير والتجديد في الأدب العربي طه حسين، الذي استطاع بشجاعه ومثابرة هزيمة عمى البصر الذي عانى منه، وأيضا عمى البصيرة الذي عانت من الأمة العربية طويلا، واستطاع بثقافته وإطلاعة إخراج العقول العربية من أثر الجهل والتخلف. في ذكرى وفاته في مثل هذا اليوم 27 أكتوبر عام 1973، تلقي«الشروق» بعض الضوء على مسيرته: ولد عميد الأدب العربي طه حسين، ابن الصعيد في قرية تابعة لمركز مغاغا محافظة المنيا، في 15 نوفمبر 1889. • ذاق طه حسين مرارة فقدان البصر وهو طفلًا لم يبلغ الرابعة من عمره، بسبب الجهل السائد في تلك الفترة؛ فقد أصيبت عيناه بمرض الرمد، وبدلًا من الذهاب به إلى الطبيب، عالجه «الحلاق» بدواء أفقده بصره للأبد. • لم يقف فقدان البصر حائلًا أمام تلقي طه حسين للعلم، حيث أرسله والده إلى كُتاب القرية ليتعلم فيه اللغة العربية، وأساسيات الحساب، وقد حفظ القرآن كاملا وهو في سن صغيرة. • جاهد صاحب «الأيام» من أجل الدراسة بالجامعة المصرية، وكان من أوائل المنتسبين لها في بدايتها عام 1908، وحصل على الدكتوراه عام 1914 في دراسة عن الشاعر «أبي العلاء المعري»، سافر بعد ذلك إلى فرنسا وهناك تعرف على الفرنسية «سوزان بريسو» وتزوجا، وكان أول المصريين الحاصلين على الدكتوراه من جامعة السوربون عام1918. • تعرض مؤلف «في الشعر الجاهلي» ورائد التنوير في مصر، لحملات هجوم، وخاض الكثير من المعارك بسبب أراءه التحررية، ودعوته لتغليب صوت الفكر والعلم فوق الأصوات المنادية للجهل، مما أدى إلى فصله من التدريس بالجامعة المصرية1933. • عمل مؤلف «المعذبون في الأرض» في الحقل الصحفي بإشرافه على جريدة «كوكب الشرق»، وتحرير«جريدة الوادي»، لكنه لم يكمل الطريق وعاد مرة أخرى للجامعة، وعمل أستاذاً للأدب، حتى أصبح عميداً لكلية الآداب، وفي عام 19، 50شغل منصب وزير المعارف في الحكومة المصرية، وأثناء منصبه أبدع أشعاره «التعليم كالماء الذي نشربه، والهواء الذي نتنفسه»، وحارب الأمية وجعل التعليم الأساسي متاحا للجميع. • خاض صاحب«حديث الأربعاء» الكثير من المعارك السياسية والأدبية، وأثار الكثير من الجدل، حول أراءه حول الإستبداد السياسي، وأراءه التنويرية حول الدين الإسلامي، والتي أتت من خلال فهمه العميق ودراسته المتعمقة للدين، والمؤلفات التي تحدثت عن الدين الإسلامي، وأيضا إطلاعه على الثقافات الأخرى. • أنتج صاحب «دعاء الكروان» نوعًا فريدًا من الأدب العربي، الذي اعتمد على التحليل العميق والتفسير التحليلي، واستخدام ألفاظ غامضه، يستطيع من خلالها تمرير أفكاره من رقابة الدولة، وإن لم يستطيع ذلك في بعض الأوقات، ولكنه حارب الفساد والطغيان، وأيضا نجح في أثر قلوب وعقول قراءه ومحبيه. • تمكن «عميد الأدب العربي»، من تشكيل وعي أجيال متتالية من خلال مقولاته الخالدة ونذكر بعضا منها: • هذه هى الحياة أنك تتنازل عن متعك الواحدة بعد الأخرى حتى لا يبقى منها شئ وعندئد تعلم أنه قد حان وقت الرحيل. • السعادة هى ذلك الإحساس الغريب الذى يراودنا حينما تشغلنا ظروف الحياة عن أن نكون أشقياء. • إياك و الرضى عن نفسك فإنه يضطرك إلى الخمول، و إياك والعجب فإنه يورطك في الحمق، و إياك و الغرور فإنه يظهر للناس نقائصك. •الأمة الذليلة لا يمكن أن يكون لها شعر راق إلا فى فن التضرع والإستعطاف. • نفوس البشر كالمعادن منها ما يعلوه الصدأ ومنها لا يجد الصدأ إليه سبيلا. • أبدع طه حسين الكثير من الموروث الفكري والثقافي في مختلف صنوف الأدب وأشكاله ولا يسعنا هنا سوى أن نذكر بعض من أعماله، منها «على هامش السيرة، الفتنة الكبرى عثمان، الفتنة الكبرى على وبنوه، حديث المساء، مع أبي العلاء في سجنه، من لغو الصيف، حافظ وشوقي، قادة الفكر، الحب الضائع، شجرة البؤس، جنة الشوك، بين بين، صوت باريس، والوعد الحق» وفارق محارب الجمود والظلام الدنيا في أكتوبر1973، تاركا للإنسانية تراث إمتد أثره ليعبر حدود اللغة من خلال الترجمة للعديد من اللغات ليغزو عقول الكثير من سكان الكرة الأرضية.