تمشى فى الشارع باحثا عن مكان ما لتناول وجبة غدائك، تمسك بتليفونك المحمول، تشغل الكاميرا، وتنظر إلى الشارع عبر الشاشة فتجد على الشاشة تفاصيل عن الأماكن التى حولك، وتجد عليها علامات توضح لك أقرب المطاعم والمقاهى إليك. تنعطف جانبا، فتتغير العلامات كلما مشيت، تضغط على إحدى علامات المطاعم، فتستطيع فورا قراءة آراء الناس فى هذا المطعم وأسعار الوجبات فيه..!! ربما تعتقد أن هذا المشهد السابق ينتمى فى رأيك إلى أحد أفلام الخيال العلمى، ولكنه الواقع الذى بدأ بالحدوث فعلا فى التليفونات المحمولة الذكية، عبر برامج وتطبيقات خاصة للواقع التفاعلى مجانية أو بأسعار رخيصة، تلك التطبيقات تستفيد من خواص التليفون مثل الكاميرا وخاصية تحديد الموقع الجغرافى GPS والبوصلة، وكذلك إمكانيات التليفون للاتصال بالإنترنت عبر الشبكات اللاسلكية، حيث يمكنها استخلاص بيانات محلية عن كل ما يحيط بك. هذا مثلا يعنى أنه يمكنك معرفة ما إذا كانت هناك شقق خالية فى المبنى الذى تمشى بجانبه، أو أنك تستطيع مشاهدة صور التقطها آخرون فى هذه الحديقة التى تجلس بها الآن، أو أن تجد أقرب محطة أتوبيس أو غرفة فى فندق، كل هذا بمجرد أن تمسك تليفونك فى يديك وتنظر إلى العالم عبر شاشته. إن إمكانية دمج العالم الواقعى بالعالم الافتراضى قد بدأت لتوها، فمثلا كانت أولى التليفونات العاملة بنظام تشغيل جوجل أندرويد والتى تدعم مثل تلك التطبيقات ظهرت فى الأسواق العام الماضى فقط، وكذلك آى فون التليفون الشهير من شركة آبل بات صديقا لتقنيات الواقع التفاعلى بإضافة خاصية البوصلة فى أحدث موديلاته 3GS. وفى الوقت الذى تتطور فيه كل التقنيات السابقة فى التليفونات المحمولة الذكية، فقد نتمكن قريبا من قضاء وقت أكثر داخل عوالم افتراضية متطورة، تعتمد على معلومات وبيانات يتم جمعها من الإنترنت عن كل شىء موجود حولك من أماكن الخروج إلى ألعاب الفيديو. إحدى أهم الشركات التى تعمل من أجل تحويل هذه الإمكانية إلى حقيقة فعلية، مقرها فى مدينة أمستردام الهولندية واسمها «لايار» Layar، والتى أطلقت مؤخرا متصفح إنترنت يعمل مع نظام تشغيل جوجل أندرويد، والفكرة أنك تبحث عن الأشياء على جوجل ولكن تظهر النتائج حسب المكان الذى توجد به، والذى يمكن تحديده عن طريق تقنية GPS. وتهدف لايار إلى صناعة ما يسمى بخبرة (الاكتشاف مصادفة) والتى تتيح لك اكتشاف أشياء جديدة عن كل ما حولك. الشركة تعمل أيضا على خاصية ثلاثية الأبعاد ستطلقها الشهر القادم، والتى ستجعل الأشكال الافتراضية تظهر (على) الأماكن الواقعية. فيمكنك على سبيل المثال وضع صورة قلب افتراضية على مكان منزل خطيبتك فى عيد الحب، وسيكون بإمكانها رؤية ذلك عبر نفس البرنامج على تليفونها. وتجربة أخرى فى موقع Yelp الشهير الذى يتيح للزبائن كتابة آرائهم وتقييماتهم للمطاعم والمتاجر وكل شىء فى المدينة، فعبر عام كامل أتاح موقع Yelp تطبيقا لتليفونات آى فون تستخدم تقنية GPS لتأتى لك بنتائج بحث محلية للمدن التى يدعمها الموقع فى الولاياتالمتحدة، ثم قام الموقع بتطوير هذا التطبيق مستفيدا من خاصية البوصلة فى آى فون لإظهار البيانات مباشرة على صور الأماكن من حولنا. التطبيق المسمى Monocle يعمل إذا قمت بهز التليفون لثلاث مرات، ويمكنه عن طريق كاميرا التليفون إظهار علامات صغيرة على أماكن المطاعم تحمل أسماءها، بعدها عنك وتقييم قراء الموقع لها، وبلمسة واحدة من أصبعك على علامة أى موقع سيظهر لك المزيد من المعلومات المفيدة عن المكان. والحقيقة أنه توجد عدة عوائق تعطل انتشار مثل تلك التطبيقات، أولها أن التليفونات المحمولة الذكية تحتاج للتحسن، بأن يكون بها كاميرات أفضل وقدرات رسومية أعلى وتقنيات تحديد مواقع دقيقة، كما أن استخدام تقنية GPS مثلا لأوقات طويلة تستهلك بطاريات معظم التليفونات بسرعة. ونشر تلك التقنيات يحتاج أيضا لمحتوى محلى قوى، يأتى من مواقع الإنترنت سواء التى يقوم عليها محترفون أو التى تعتمد فى محتواها على مساهمات مستخدمى الإنترنت وخبراتهم الشخصية والحياتية بالصور وملفات الفيديو والتجارب المكتوبة، فبدون محتوى غنى يسهم الناس فى تراكمه لن يكون هناك قيمة للتقنية. من ناحية أخرى، فإن المطورين ومراقبى الصناعة متفائلون، ويرون أن السنوات القليلة القادمة ستشهد أكثر مما نتوقع من ألعاب فيديو تعتمد على الواقع التفاعلى، إلى خدمات الإرشاد التى يمكن للتليفون المحمول فيها إدراك اللوحات وسحب ملفات فيديو تريك الفنان وهو يعمل عليها. أتعرفون؟ إنها مسألة وقت.