فى صمت «معيب» مرت ذكرى محاولة الاغتيال التى تعرض لها الكاتب الكبير نجيب محفوظ، ففى أكتوبر من عام 1994 تلقفت الصحف ووكالات الأنباء خبر طعن نجيب محفوظ فى عنقه فى محاولة فاشلة لاغتياله. توالت تفاصيل الخبر «المروّع» ليتجسد شخص المتورط فى هذه الجريمة، وهو شاب ينتمى إلى جماعة متطرفة قرر أن يضع بيده نهاية حياة أديب نوبل الذى، على حد اعتقاده خرج عن الملة ونزل منزل الكفار. هذه الاتهامات «التكفيرية» لم تجد طريقا للتعبير عن نفسها سوى بحد السكين، إلا أن نجاة محفوظ من بطشها ومعاقبة المتورطين فى تلك الجريمة لم يطو هذه الصفحة الدامية، فلم يكن نجيب محفوظ شخصا عاديا، وكان وقت الحادث قد مرت نحو سبع سنوات على تتويج الأكاديمية السويدية له بمنحه جائزة نوبل للآداب، التى ضاعفت من شهرة هذا الرجل على مستوى العالم، وجعلت خبر تعرضه لحادث اغتيال خبرا عالميا، أصبح فيما بعد شاهدا أرشيفيا يستند إليه عند فتح ملف حرية الإبداع للمداولة، وحجر زاوية رئيسى فى الحديث عن سيرة أديب نوبل الحياتية بعد وفاته، فسبق أن وصفت صحيفة «الجارديان» البريطانية محطة الاغتيال بقولها «حياة محفوظ كانت فريدة خالية من أى تحولات درامية، إذا ما استثنينا محاولة الاغتيال، التى تعرض لها عام 1994 التى نجا منها». العمل الذى كان وراء محاولة الاغتيال كان هو رواية «أولاد حارتنا» وكم كانت صدمة الرأى العام قاسية، بعد اعتراف الجانى أمام هيئة المحكمة أنه لم يقرأ هذه الرواية موضوع الخلاف، التى انتقل فيها نجيب محفوظ من الواقعية الاجتماعية إلى الكتابة الرمزية معبرا فيها عن الواقع المصرى فى ظل انتقاده لبعض ممارسات الثورة وتذكيرا لقادتها بغاية الثورة الأساسية. بعد محاولة الاغتيال تلك قال نجيب محفوظ بهدوئه المعتاد إنه غير حاقد على من حاول قتله، وإنه كان يتمنى لو أنه لم يُعدم، وعلى الرغم من أن حياة محفوظ امتدت إلى 12 عاما بعد هذه المحاولة الفاشلة إلا أن هذا الحادث الذى أصاب أعصاب الرقبة تسبب له فى شلل بيده اليمنى، وهى الإعاقة التى استكمل بها محفوظ الكتابة وإن لم يستطع أن يدونها بيده كسابق عهده فلجأ إلى إملاء أفكاره ليكتبها له أحد أصحابه، إلى جانب ما عاناه من تدهور فى الإبصار وقدرته على السمع. بعد وفاة محفوظ عام 2006 فاجأت الجماعة الإسلامية الجميع على موقعها على الإنترنت ببيان لها تعلن فيه تبرئتها من محاولة اغتيال أديب نوبل الراحل، ووصفت الخلاف معه بأنه كان مجرد «خلاف فكرى»، وتابعت أن محفوظ دافع فى كتاباته فى تسعينيات القرن الماضى عن الحركة الإسلامية، وأن محاولة الاعتداء على الأديب الكبير نجيب محفوظ، لم تكن تمثل خطا عاما فى الجماعة، باعتبار أن الخلافات الفكرية إنما هى محل الجدل والحوار، وليس القتل والاغتيال، وأن ما وقع للأديب الكبير كان عملا فرديا، قام به بعض المنتمين إلى الجماعة والمطاردين آنذاك، وأنهم لو كانوا قد رجعوا إليهم لنهوهم أشد النهى عن هذا العمل، الذى تعتبره الجماعة خطأ فى حق المفكر الوحيد فى التسعينيات، الذى كان يطالب بحقها فى الوجود الشرعى، واستمر البيان فى رثاء محفوظ باعتباره الأب الروحى للرواية العربية، ولفتت «رغم أن الراحل نجيب محفوظ كتب «أولاد حارتنا» فإنه مما يحمد للكاتب الكبير، أنه رفض نشرها وطبعها إلا إذا وافق عليها الأزهر الشريف». هذا البيان لاقى ردود أفعال واسعة من جانب المراقبين والنقاد الذين انقسموا حوله، فيما كان الخط السائد آنذاك هو استنكار هذا البيان الذى جاء متأخرا 12 عاما تقريبا، وهو ما عبر عنه الناقد سمير فريد فى إحدى مقالته فى ذكرى محفوظ بقوله: «الآن لا يملك المتطرفون الحق الأخلاقى أو القانونى فى إصدار البيان الذى يعتذرون فيه عن محاولة الاغتيال بعد وفاة الرجل، فلماذا لم يصدروه فى حياته؟».