فى كتابه «فقه السيرة» يحاول مؤلفه الشيخ محمد الغزالى، تقديم صورة صادقة عن سيرة الرسول الكريم محمد، مجتهدا فى إبراز الحكم والتفاسير لما يقع من حوادث، مستفيدا من السير التى كتبها القدامى والمحدثون. على وجه حسن يحاول الغزالى الاستفادة مما كتبه المحدثون والأقدمون، والمزج بين المنهجين والطريقتين على الاختلافات بينهما، فالأقدمون يعتمدون على حشو الآثار وتمحيص الأسانيد وتسجيل ما دق وجل من الوقائع والشئون، فيما يميل المحدثون إلى التعليل والموازنة وربط الحوادث فى سياق متماسك. يستحضر الغزالى مقصده من الكاتب، بأن تكون السيرة شيئا ينمِّى الإيمان، ويزكى الخلق، ويهلب الكفاح ويغرى باعتناق الحق والوفاء له، كاتبا السيرة ومستعرضا المواقف والأحداث، كما يكتب جندى عن قائده، أو تابع عن سيده، أو تلميذ عن أستاذه. الكتاب الذى صدرت طبعته التاسعة عن دار الشروق عام 2017 ويقع فى 370 صفحة تقريبا، راجع أحاديثه الشيخ محمد ناصرالدين الألبانى. تحت عنوان منزلة السنة من الكتاب الكريم، يتحدث الغزالى أن «القرآن روح الإسلام ومادته، وفى آياته المحكمة شرع دستوره وبسطت دعوته، والرجل الذى اصطفاه الله لإبلاغ آياته وحمل رسالاته، الرسول الكريم كان قرآنا حيا يسعى بين الناس كان مثالا لما صوره القرآن من إيمان وإخبات، فكان قوله وفعله وتقريره وأخلاقه وأحكامه ونواحى حياته، كلها تعد ركنا فى الدين شريعة للمؤمنين. فالقرآن هو قانون الإسلام، والسنة هى تطبيقه، والمسلم مكلف باحترام القانون نفسه، وقد أعطى الله نبيه حق الاتباع فيما يأمر به وينهى عنه لأنه فى ذلك لا يصدر عن نفسه، بل عن توجيه ربه، فطاعته هى طاعة لله، وليست خضوعا أعمى لواحد من الناس، قال تعالى «من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا». ويشرح الغزالى، إن السير فى ركاب المرسلين هو الخير كله، ومن ثم كانت سنة محمد صلى الله عليه وسلم، مصدرا لشريعته مع الكتاب الذى شرفه الله به، وجمهور المسلمين على هذا الفهم، فالمسلمون لم يؤذوا من الأحاديث الموضوعة قدر ما أوذوا من الأحاديث التى أسيء فهمها واضطربت أوضاعها، حتى جاء أخيرا من ينظر إلى تلك السنن جمعاء نظرة ريبة واتهام ويتمنى لو تخلص المسلمون منها. يقع أصحاب هذه النظرة فى خطأ من ناحيتين: إهمال الحقيقة التاريخية أولا، فإن الدنيا لم تعرف بشرا أحصيت آثاره ونقدت بحذر ومحصت بدقة كما حدث فى آثار النبى الكريم، والناحية الأخرى أن فى السنة كنوزا من الحكمة العالية لو نسب بعضها إلى أحد من الناس لكان من عظماء المصلحين. الاشتغال بالسنة يجب أن يحظر على من لم يستجمع الشروط التى تجعل مثل هذا الانشغال مفيدا للإسلام والمسلمين، وعلى رأسها، دراسة علوم القرآن باعتباره الدستور الأصيل للإسلام وهو الذى يحدد بدقة تامة واجبات المسلم وحقوقه، كذلك فهم ما يرد من السنن على وجه الحق، لأن السنة بليت من قديم بمن يحفظ منها الكثير ولا يعى إلا اليسير. ويورد الغزالى عددا من الأمثلة التى تكشف ما أصاب الأمم من عقم وضياع نتيجة فهمها الخاطئ لأثر وارد، بأن كثيرا من المسلمين يحكمون على المرأة ألا ترى أحدا ولا يراها أحد، حيث تصبح النسوة فى الطرقات يرتدين خياما مغلقة طامسة، قبل أن يورد من صحيح البخارى عددا من السنن التى رواها البخارى فى صحيحه مثل «باب غزو النساء وقتالهن مع الرجال» وباب «غزو المرأة فى البحر» وباب «حمل النساء القرب إلى الناس فى الغزو» وباب «مداواة النساء الجرحى فى الغزو»، مبينا أن سبب الانحراف هو هجر القرآن إلى الأحاديث، وهجر الأحاديث إلى أقوال الأئمة، وهجر أقوال الأئمة إلى المقلدين، وهجر المقلدين وتزمتهم إلى الجهال وتخبطهم.