اشتغل بجميع مستويات العمل العام طوال 40 عاما.. وترك بصمات عميقة في القانون والشريعة حارب محاكمة الخيال في «أولاد حارتنا»: «أدرأ بشهادتي سوء فهم الذين يتعجلون الأحكام ويتسرعون في الاتهام»
بعد مشوار طويل مع التماس العلم في شتى الدروب، طالبًا ومعلّمًا وداعية إلى الوسطية والاستنارة، ودّع المفكر المصري الكبير أحمد كمال أبو المجد (1930 – 2019) حياتنا الفانية، مساء أمس (الأربعاء) وووري جثمان الثرى عصر اليوم، تاركًا ميراثًا من المؤلفات القانونية والفكرية، يشهد بأصالة تجربته وعمقها في ميادين شائكة شيقة، مثل الحوار الفكري والشريعة الإسلامية وواقع مجتمعنا العربي. لم ينفصل أبو المجد عن واقعه السياسي، فإلى جانب عمله الأكاديمي كأستاذ للقانون وممارسته العملية للمحاماة والتحكيم، أسهم بشكل فعال في إقامة منظمة الشباب في عهد الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر والتنظير لها، فخرج من عباءة التنظيم العديد من أبرز الكوادر السياسية والثقافية المصرية. تخرج أبو المجد، المولود في 28 يونيو عام 1930 بأسيوط (جنوب الصعيد)، في كلية الحقوق بجامعة القاهرة عام 1950، وحاز شهادة الدبلوم العام في القانون عام 1951، ودبلوم الشريعة الإسلامية عام 1952، ونال شهادة الدكتورة في القانون من جامعة القاهرة عام 1958، والماجستير في القانون المقارن، من جامعة ميتشجان بالولاياتالمتحدةالأمريكية عام 1959. عمل مدرسا للقانون العام، فأستاذا مساعدا، ثم أستاذ ورئيس لقسم القانون العام بكلية الحقوق جامعة القاهرة، ثم تولى عمادة كلية الحقوق والشريعة بجامعة الكويت في الفترة ما بين 1976 و1979. وتقلد أبو المجد العديد من المناصب، خلال مسيرته المهنية، منها: المستشار الثقافي لمصر في الولاياتالمتحدةالأمريكية في الفترة من عام 1966 1971، ووزيرا للشباب بين عامي 1973 و1974، ووزيرا للإعلام من 25 أبريل 1974 حتى 17 أغسطس 1975. كما عمل مستشارا للشؤون القانونية والدستورية لولي العهد ورئيس مجلس الوزراء الكويتي من عام 1979 وحتى 1985. وعمل أبو المجد كمحكم دولي، وترافع أمام المحاكم المصرية كمحام بالاستئناف والنقض ومجلس الدولة والمحكمة الإدارية العليا والمحكمة الدستورية العليا، وترأس اللجنة القانون لنظر المنازعات بين وكالة غوث اللاجئين بالأمم المتحدة والعاملين بها من عام 1982 وحتى 1985. وترأس بالتناوب، اللجنة القانونية للتظلمات ببنك التنمية الأفريقي من عام 1991 حتى 1998، وعمل كقاض ورئيس المحكمة الإدارية للبنك الدولي بواشنطن في الفترة من عام 1980 وحتى عام 2002. كما ترأس مجلس إدارة شركة المصريين في الخارج للاستثمار والتنمية في مصر، وكان نائبا لرئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان المصري من عام 2003 وحتى 2011. شغل أبو المجد عضوية مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف، والجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والتشريع، والمجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية بالمملكة الأردنية الهاشمية، وعضو الأكاديمية الملكية المغربية بالرباط، وعضو لجنة العشرين التي نظمها الأمين العام للأمم المتحدة لوضع تقرير شامل عن "حوار الحضارات عام 2001"، ومفوض شؤون حوار الحضارات بالجامعة العربية، وعضو المنظمة العربية لحقوق الإنسان في مصر، وعضو المجلس القومي للمرأة، وعضو مجلس الأمناء لمكتبة الإسكندرية. ومن أبرز مؤلفاته: الرقابة على دستورية القوانين في الولاياتالمتحدة ومصر 1960، والرقابة القضائية على أعمال الإدارة 1964، والنظام الدستورى لدولة الإمارات العربية المتحدة 1978، ودراسات في المجتمع العربي 1962، وحوار لا مواجهة 1988، ورؤية إسلامية معاصرة 1991، والشريعة الإسلامية ودورها في تنظيم المعاملات التجارية الدولية الحديثة 1991. كانت طلاقته في الحديث بالإنجليزية والفرنسية، بالإضافة إلى لغته الأم العربية (اللغة الأم)، بوابته لبناء ثقافة موسوعية في ميادين شتى، وكان في طليعة المدافعين عن أدب نجيب محفوظ، حين طالته سهام الغلو والتطرف، فكتب شهادة باتت لصيقة عن رواية أديب نوبل الأشهر «أولاد حارتنا»، نقرأ منها: «أرجو أن أدرأ بها ( بشهادته) عن كتابات نجيب محفوظ سوء فهم الذين يتعجلون الأحكام ويتسرعون في الاتهام، وينسون أن الإسلام نفسه أدرج كثيراً من الظنون السيئة فيما دعا الى اجتنابه من آثام، كما أدرأ عن تلك الكتابات الصنيع القبيح الذي يصر به بعض الكتّاب على أن يقرأوا في أدب نجيب محفوظ ما يدور في رؤوسهم هم من أفكار، وما يتمنون أن يجدوه في تلك الكتابات، مانحين أنفسهم قوامة لا يملكها أحد على أحد، فضلاً عن أن يملكها أحد منهم على كاتب له في دنيا الكتابة والأدب ما لنجيب محفوظ من القدم الثابتة، والتجربة الغنية، والموهبة الفذة النادرة التي أنعم بها عليه الله». بين القانون والفكر الإسلامي والثقافة، مضى أبو المجد حاملًا قلمه بحثًا عن طريق تهتدي فيه الأمة إلى صوابها، أو بالأحرى؛ أقرب إلى الصواب، وفقاً لأفكاره التي طالما ابتعدت عن الاستقطاب والتطرف بحثاً عن مساحات وسطى للحوار والالتقاء. أقرأ أيضا: ضد التطرف ومحاكمة الخيال.. شهادة أحمد كمال أبو المجد على «أولاد حارتنا»
وزراء وشخصيات عامة يشيعون أحمد كمال أبو المجد إلى مثواه الأخير مسيرة أبو المجد لتجديد الفكر الإسلامي والخطاب الديني: لا أمل إلا إذا أعيد العقل من جديد إلى عرشه اقرأ ما كتبه الراحل أحمد كمال أبو المجد عن «تجديد الفكر الإسلامي» منذ 17 عاما