التعليم والتنظيم يتفقان على إنشاء قوائم انتظار للناجحين غير المعينين في المسابقات    وزارة العمل: 3 فرص عمل في لبنان بمجالات الزراعة    الثلاثاء 15 يوليو 2025.. تباين أسعار صرف الدولار أمام الجنيه خلال تعاملات اليوم    توقيع بروتوكول لاستقبال طلاب معهد الكوزن المصري الياباني بالعاشر من رمضان بدعم من الوكالة اليابانية للتعاون الدولي جايكا    تحصين 25603 ضد مرض الحمى القلاعية والوادي المتصدع في الدقهلية    بعد انسحاب حزبين.. قادة أحزاب الحريديم قد يدعمون مشاريع للإطاحة بالحكومة    قوات الاحتلال تعتقل أكثر من 32 فلسطينيا من الضفة الغربية    جالطة سراي يرفض شروط نابولي في صفقة أوسيمين والمفاوضات مستمرة    حملات الداخلية تضبط 108 قطع سلاح ناري خلال يوم    أمطار رعدية وموجة حارة.. الأرصاد تحذر من طقس الأيام المقبلة    «مش كل الناس بتحب البحر».. أبراج تعاني من الضغط النفسي في المصيف    محافظ القليوبية يدشن مبادرة 100 يوم صحة    "الصحة": بدء تدريب العاملين المدنيين بوزارة الداخلية على استخدام أجهزة إزالة الرجفان القلبي (AED)    أمين الفتوى: المصريون توارثوا حكمة "اطلع شيء لله وقت الشدة".. والصدقة قد تكون بالمشاعر لا المال    الزمالك يقترب من التعاقد مع محمد إسماعيل لاعب زد.. اعرف التفاصيل    «التعليم» و«التنظيم والإدارة» يتفقان على الاستعانة ب«المعلمين الناجحين» غير المعينين بالمسابقات (تفاصيل)    أمير كرارة وأبطال فيلم الشاطر يحتفلون بالعرض الخاص فى 6 أكتوبر.. اليوم    الاتحاد الأوروبي يبحث فرض عقوبات جديدة على روسيا    "لمساعدة رونالدو".. جيسوس يتحدث عن سبب موافقته على تدريب النصر السعودي    المهرجان القومي للمسرح يكشف ملامح دورته ال18 في مؤتمر صحفي .. اليوم    الدفاع الروسية: إسقاط 55 طائرة مسيرة أوكرانية خلال الليل    انطلاق منتدى مصر للتعدين بالقاهرة اليوم    مصرع وإصابة 5 أفراد من أسرة واحدة في حادث مروع    "تكريم وتمكين".. ملتقى بجامعة قناة السويس لربط الإبداع الأكاديمي بفرص التوظيف    إعلام إسرائيلي: الجيش غارق في وحل غزة وقيادته تخشى مواجهة المستوى السياسي    أبرزهن هذا الثلاثي، نجمات ظهرن في بروموهات ألبوم تامر حسني الجديد    بإقبال كبير.. قصور الثقافة تطلق برنامج "مصر جميلة" لدعم الموهوبين بشمال سيناء    وزير الدفاع الألماني: يُجرَى الإعداد لتسليم نظامي باتريوت لأوكرانيا    وزارة الدفاع الأمريكية تمنح شركات ذكاء اصطناعي رائدة عقودا بقيمة 200 مليون دولار    شوبير: رغبة أحمد عبد القادر الأولى هي اللعب للزمالك    الإصابات بالسعال الديكي في اليابان تتجاوز 43 ألف حالة خلال 2025    رئيس «قناة السويس» يبحث مع السفير الإيفواري التعاون في تطوير الموانئ والتدريب    تنسيق الثانوية 2025 للناجحين في الشهادة الإعدادية.. رابط التقديم والحد الأدنى للمحافظات    جامعة القاهرة: سلسلة اجتماعات نوعية بشأن ترتيبات المؤتمر الدولي للذكاء الاصطناعي    الصحة الأمريكية: تفشي مرض الحصبة لا يعتبر حالة طوارئ وطنية في الوقت الحالي    شعبة الأدوية تطالب بزيادة أسعار 1000 صنف دوائي وتوضح الأسباب    بدء إصلاح سنترال رمسيس جزئيًا.. وشكاوى من استمرار انقطاع الخدمة    القانون يحدد شروط وإجراءات التنقيب في المناجم.. إليك التفاصيل    مياه أسيوط: الانتهاء من إصلاح تسريب خط المياه الرئيسي وضخ المياه تدريجيًا    الحكم محمد الحنفي يعلن اعتزاله    صفقة جديدة لزعيم الفلاحين.. المحلة يتعاقد مع لاعب كاميروني    بيراميدز يستفسر عن ثنائي الزمالك.. ويرفض التفريط في نجمه للأبيض (تفاصيل)    أكلت بغيظ وبكيت.. خالد سليم: تعرضت للتنمر من أصدقائي بعد زيادة وزني    أحمد وفيق: عملت في الإضاءة والديكور وتمصير النصوص المسرحية قبل احترافي الإخراج    مدحت العدل يتصدر مواقع التواصل الاجتماعي بعد تصريحه حول حجاب حفيدة أم كلثوم    عمال الجيزة: مشاركتنا في انتخابات الشيوخ ستعكس وعيًا ديمقراطيًا ومسؤولية وطنية    أستاذ فقه بالأزهر: أعظم صدقة عند الله هو ما تنفقه على أهلك    ممثل أمريكا لدى الناتو: ترامب يرى فرصة اقتصادية في تصنيع أسلحة لكييف بتمويل أوروبي    خبير يحذر من مغامرة إثيوبية تشكل خطورة على سد النهضة (التفاصيل)    مستشار وزير التموين: توقعات بوصول أوقية الذهب ل 4500 دولار    نتيجة الثانوية الأزهرية 2025.. اَخر تطورات عملية التصحيح ورابط الاستعلام الرسمي    محامي المُعتدى عليه بواقعة شهاب سائق التوك توك: الطفل اعترف بالواقعة وهدفنا الردع وتقويم سلوكه    «واشنطن» تُصعّد لهجة الانتقادات ضد «موسكو».. وتستعد لتزويد «كييف» بأسلحة هجومية    السيطرة على حريق في مخلفات غزل ونسيج بالغربية    «أحلى صفقة في حياتي».. أول تعليق من سيد مرعي بعد انتقال نجله إلى الأهلي    أمين الفتوى: صلاة المرأة في الأماكن العامة ليست باطلة (فيديو)    المنقلبون على أعقابهم!    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 15-7-2025 في محافظة قنا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العازفة
نشر في الشروق الجديد يوم 15 - 10 - 2009

أخذت حلقات الدخان تتصاعد من الِشيَش التى تقبض على مباسمها شفاه نساء كثيرات ورجال، ومضت ترسم فى الهواء أشكالا عبثية لفَت ركاب المركب المتهادية فوق نيل القاهرة بغلالة رمادية رقيقة. أما هى، فلولا برودة الليل التى تلفح من تسول له نفسه الصعود إلى أعلى المركب ما أجبرها شىء على البقاء فى السفح المغلق.
منطق غريب أن يخيروا الراكب بين دخان الشيشة ولسعة البرد، لكن لا بأس ساعة وتعدى.. قالت لنفسها. هى تمقت هذه العادة المنتشرة فى بر مصر، ولا تعرف أجاءتنا من المشرق العربى أم من شبه الجزيرة؟ المهم أنها جاءت وصارت من متممات المزاج ومجسدات التناقض فى سلوكنا. أما المزاج فهو معروف، وأما التناقض فلأن من يحرم التدخين قد يحلل الشيشة، ولأن المجتمع الذى لا يرتاح للسيجارة فى يد المرأة تأقلم بسرعة مدهشة مع مشهد المرأة المُشيشة. استطاعت الشيشة أن تعبر حاجز الجنس، كما سبق لها أن عبرت حواجز السن والطبقة.
ولأنه لا مهرب لها من الرحلة ولا حيلة لها فيها، جالت ببصرها داخل المركب تتلهى عن شعورها بالاختناق أو تحاول. كان كل من فى المركب يحمل معنى القطيعة عن جندول محمد عبدالوهاب وعلى محمود طه، وهذا طبيعى فالمركب غير الجندول، والأهم أننا لم نعد فى زمن على محمود طه. كانت جدران المركب المطلية بطلاء أزرق مقشور تعلوها لوحات فقيرة الإبداع تحاول أن تكرس فى نفوس الركاب أن المياه تحيط بهم من يمين وشمال، فهى دائما لبحار وشلالات وصخور. على مقربة من الدَرج المُفضى إلى أعلى المركب كان هناك ميكروفون وآلة قانون، تذكرت لحظتها أنها قرأت فى ذيل قائمة الطعام جملة تفيد بأن عزفا موسيقيا يتخلل الرحلة النيلية، فلماذا لا تظهر الفِرقة إذن لتبدد إحساسها بالملل وتشغلها عن مطاردة دوائر الدخان؟ بدأ أعضاء الفرقة يتوافدون.
كانت الفرقة تتكون من ثلاثة أشخاص، رجلان وامرأة تأبط أحدهم عودا وحمل الآخر دفا واستقرت المرأة أمام آلة القانون، وعلى الفور ملأت أرجاء المكان دندنات تجريبية خافتة فى انتظار صافرة البداية، تساءلت فى سرها: ترى من يعطى إشارة البدء؟ كانت المرأة فى العقد الرابع من عمرها شعرها الرمادى معقوص إلى الخلف بغير اهتمام، على وجهها أقل القليل من مساحيق التجميل، وفوق أنفها نظارة سميكة سوداء الإطار تدل على ضعف إبصارها. من اللحظة الأولى التى اتخذت فيها العازفة مقعدها أمام القانون أخذت تسدل جيبتها أسفل ركبتها بطول شبرٍ أو يزيد، وبشكل عام كانت هيئتها وقورة ومتواضعة، ترى ما الذى أدخل هذه المرأة عالم الفن والموسيقى؟
الموهبة أم الحاجة المادية أم المصادفة؟... جذبت العازفة اهتمام صاحبتنا من الوهلة الأولى وامتد حبل الود بينهما على غاربه من دون سبب واضح.
بدأت الفرقة عزفها فأخذت صاحبتنا من المكان ومن فيه، كان اختيار المقطوعات الموسيقية يدل على شىء مختلف يهدهد السمع ويصفّى الروح ويجدد الذكرى.
عزفت الفرقة أغانى الفن والنيل نجاشى وفى الليل لما خِلى. وعلى الرغم من المتعة الكبيرة فى الإصغاء إلى العازفين الثلاثة، إلا أنها منحازة على الأرجح حين تقول إن نغمات المرأة العازفة كانت هى الأطرب فى أذنيها. أو لعل الأمر يختلط فى حكمها فلا تعرف على وجه الدقة هل هى أحبت العازفة من باب الحب لآلة القانون، أم أن روعة العزف هى مبرر حبها لعازفة القانون. الأرجح أن السببين يجتمعان، حتى إذا انفردت المرأة بعزف المقدمة الموسيقية لرائعة أم كلثوم هجرتك أحست صاحبتنا بالتوحد التام مع العازفة وهى تلمس فى رفق المحب أوتار القانون بإبرتين فضيتين تلمعان فى سبابتيها اليمنى واليسرى. الآن عرفت أن العازفة ما مشت فى طريق الفن إلا عن هوى.
فجأة انقطع انسجامها مع اللحن بفعل حركة غير عادية بين أعضاء الفرقة الموسيقية، واقتحمت نغمة نشاز لأول مرة فى هذه الليلة عزف فنانة القانون. انتبهت صاحبتنا، فوجدت العازفة تركز بصرها على أرضية المركب بحثا عن شىء مفقود، لكن لا الضوء الخافت ولا ضعف النظر كانا يسعفانها فى العثور على ضالتها. ترى عن أى شىء تبحث المرأة؟
انتقل اضطراب أعضاء الفرقة إلى صاحبتنا وارتفع منسوب فضولها إلى أقصاه. لاحظت أن المرأة تعزف بسبابة واحدة، فقدت إذن الإبرة الأخرى من السبابة اليمنى وارتبك العزف. مسكينة هذه المرأة لا شك أن ألف خاطر وخاطر يشتعل بها رأسها: إحراجها أمام ركاب المركب، خوفها على لقمة العيش، َعطلة آخر الليل، أجرة التاكسى، مصير الإبرة نفسها. عندما توقف عزف هجرتك أو كاد، علا ضجيج الركاب فلا شك أنهم أدركوا أن فى الأمر مشكلة وإن لم يعرفوا بالضرورة طبيعتها، تمتمت فى غيظ لماذا لا تكتفى الفرقة بآلتين اثنتين وتنهى الموقف برمته؟ قليل من الناس يُحسن التفكير فى وقت الأزمات وهى منهم على أى حال.
بشىء من التردد انحنى حامل الدُف على أرضية المركب ودقق النظر فيها والتقط منها شيئا، كان على طرف لسانها أن تذهب إليه وتسأله: وجدتها؟ لكن انفراج أسارير العازفة الوقورة أهداها إجابة سؤال لم تسأله، تحسست العازفة جيبتها بحركة لا شعورية وتسلمت عهدتها فعادت تلمع فى يمناها الإبرة الفضية من جديد، فتحت بعزفها الشجى منفذا صغيرا لهواء نقى يغالب طبقات الدخان الخانق، وإن لم يعد يفصل المركب عن مرساه إلا أمتار.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.