ضبط شخصين وسيدة بحوزتهم بطاقات شخصية ودعاية انتخابية بإيتاي البارود    بانوراما مصغرة ل«المتحف المصري الكبير» بإحدى مدارس كفر الزيات    توقيع بروتوكول تعاون مشترك بين وزارة الخارجية ومحافظة كفرالشيخ لإتاحة خدمات التصديقات داخل المحافظة| صور    لجنة السيارات ترفع مذكرة بمقترحاتها حول قرار نقل المعارض خارج الكتلة السكنية    بوتين: ينبغي توسيع إمكانيات استخدام العملات الوطنية للتسويات في مجموعة «بريكس»    محافظ الدقهلية يقدم العزاء في وفاة الحاجة «سبيلة» بميت العامل بمركز أجا| صور    انطلاق مباراة سوريا وقطر في كأس العرب    تحرير 72 مخالفة تموينية في 7 مدن بالقليوبية وضبط توابل وأعشاب منتهية الصلاحية    أول ظهور ل أروى جودة بعد شهر العسل في افتتاح مهرجان البحر الأحمر السينمائي 2025    حفل جوائز التميز الصحفى الإثنين |تكريم «الأخبار» عن تغطية افتتاح المتحف الكبير    هنو يكرم خالد جلال «صانع النجوم»    خالد الجندي يكشف الحكمة من تناثر القصص القرآني داخل السور وعدم جمعها في موضع واحد(فيديو)    منظار جراحة المسالك البولية والجراحة العامة الأحدث عالميًا بمستشفى العريش العام    كيف تحمين طفلك من برد الشتاء ومشاكل الحساسية؟    وزارة الشباب والرياضة تنهى تقاريرها عن وفاة السباح يوسف محمد    عزاء سعيد عبد الواحد مرشح انتخابات النواب عن إمبابة غدا فى منطقته    65 دقيقة.. حامد حمدان بصاروخية لا تصد ولا ترد يقلص النتيجة . فلسطين 1-2 تونس    الأزهر العالمي للفتوى: البَشِعَة جريمة إنسانية وصورة من الدجل والكهانة    دير شبيجل: ماكرون حذر زيلينسكي وميرتس من خيانة أمريكية    مجلس الزمالك فى اجتماع مفتوح لإنقاذ النادى من أزماته الحالية    تأثير الموسيقى.. كيف تغير المزاج وتزيد التركيز؟    وفاة معلم أثناء طابور الصباح في القاهرة    بيان من نادي كهرباء الإسماعيلية بسبب الشائعات بين المرشحين على مواقع التواصل    دار الإفتاء عن البشعة : ليس لها أصل فى الشرع والتعامل بها حرام ولا يجوز شرعا    الكرملين: الهند شريك رئيسي لروسيا.. والعلاقات بين البلدين متعددة الأوجه    إجراءات التقديم لامتحان الشهادة الإعدادية 2026    ياسمين الخيام تكشف التفاصيل الكاملة لوصية والدها بشأن أعمال الخير    تحويلات مرورية في القاهرة.. تعرف عليها    نائب رئيس الوزراء: القيادة السياسية تضع الملف الصحي على رأس الأولويات الوطنية    السفيرة الأمريكية بالقاهرة: نسعى لدعم وتوسيع الشراكة الاستراتيجية مع مصر    «التجاري الدولي» يحصد جائزة بنك العام في مصر من مؤسسة The Banker    الإمارات تطلق مصنع متطور للمولدات الصديقة للبيئة ينضم إلى القطاع الصناعي في الشارقة    البورصة تسجل مستوى تاريخي جديد مقتربة من 41500 نقطة بختام الأسبوع    العمل" تُوفر 10 وظائف للشباب في" الصناعات البلاستيكية الدقيقة بالجيزة    الاحتلال الإسرائيلي يعلن مقتل ياسر أبو شباب على يد مسلحين فى غزة    كرة طائرة - تواجد الصفقات الجديدة وغياب مريم مصطفى في قائمة سيدات الزمالك بمونديال الأندية    الداخلية تضبط شخصا يوزع أموالا على الناخبين بطهطا    وفاة الشاعر والإذاعي فوزي خضر وتشييع جثمانه اليوم بعد صلاة العصر    لجان لفحص شكوى أهالي قرية بالشرقية من وجود تماسيح    رغم إصابته في أحداث 7 أكتوبر.. نتنياهو يدافع عن قرار تعيين سكرتيره العسكري رئيسا للموساد    رئيس الوزراء يصدر 10 قرارات جديدة اليوم    أبو الغيط: جائزة التميز الحكومي رافعة أساسية للتطوير وتحسين جودة حياة المواطن العربي    في غياب الدوليين.. الأهلي يبدأ استعداداته لمواجهة إنبي بكأس العاصمة    الطقس غدا.. تغيرات مفاجئة وتحذير من شبورة كثيفة وأمطار ونشاط رياح وأتربة    القاهرة الإخبارية: انتظام التصويت بدائرة الرمل في الإسكندرية.. والشباب يتصدرون    بعد حصوله على جائزتين بمهرجان القاهرة.. فيلم ضايل عنا عرض يستكمل عروضه ما بين روما وقرطاج    «الأوقاف»: تعديل القيمة الايجارية لأملاك الوقف    إخماد حريق داخل شقة سكنية فى أوسيم دون إصابات    "تعليم القاهرة" تدعو الطلاب لضرورة الاستفادة من المنصة اليابانية    موعد صلاة الظهر..... مواقيت الصلاه اليوم الخميس 4ديسمبر 2025 فى المنيا    وزير الزراعة يدلي بصوته في جولة إعادة انتخابات مجلس النواب بدائرة الرمل    محكمة جنح أول الإسماعيلية تؤجل نظر محاكمة والد المتهم بجريمة المنشار    الحقيقة الكاملة حول واقعة وفاة لاعب الزهور| واتحاد السباحة يعلن تحمل المسئولية    الصحة: مباحثات مصرية عراقية لتعزيز التعاون في مبادرة الألف يوم الذهبية وتطوير الرعاية الأولية    اليوم الثاني للتصويت بالبحيرة.. إقبال لافت من الناخبين منذ فتح اللجان    استقرار أسعار الذهب اليوم الخميس.. والجنيه يسجل 45440 جنيهًا    دولة التلاوة.. المتحدة والأوقاف    كأس إيطاليا – إنتر ونابولي وأتالانتا إلى ربع النهائي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من ينتجون ومن يأخذون في الاقتصاد
نشر في الشروق الجديد يوم 15 - 01 - 2019

شهد عام 2015 زيادات قوية في دخول قيادات البنوك الخاصة في مصر وصلت إلى 13 في المائة في بعضها، بينما أوقف تحديد الحد الأقصى للأجر (قبل إلغائه لاحقاً) نمو دخول قيادات البنوك العامة لتتوقف عند 42 ألف جنيه شهرياً. وبلغ متوسط دخول العشرين مديراً الأعلى في بنك فيصل الإسلامي (الأعلى بحسب المسح الذي أجرته جريدة المال)، حوالي 165 ألف جنيه شهرياً، والمتوسط هنا قد يعني وجود مديرين يتقاضون أعلى من هذا الرقم من بينهم ووجود من يتقاضون أقل. في عام 2015 ذاته، كان إنفاق 1600 جنيه شهرياً يقفز بالمواطن المصري إلى مصاف العشرة في المائة الأعلى دخلاً في البلاد، بينما كان حوالي 9 ملايين مصري ينفقون 300 جنيهاً فأقل شهرياً، بحسب أرقام مسح الدخل والإنفاق الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء.
هذا التفاوت الجبار لا يقتصر على مصر وعادة ما يتم تبريره بالأرباح التي يحققها القطاع، والتي تزيد في مصر وفي العالم كله، ومعها تزيد رواتب ودخول العاملين به، بالذات لمن يقبعون على قمته. في مصر مثلاً، حققت البنوك العاملة في البلاد أرباحاً تقدر بحوالي 48.5 مليار جنيه في التسع شهور من يناير حتى سبتمبر 2018، بلغ نصيب العاملين فيها منها حوالي 4.85 مليار جنيه. بالطبع، يرجح أن أنصبة القيادات العليا منها فاق بشدة أنصبة الموظفين الصغار.

يبدو الأمر منطقياً للغاية: مؤسسات ناجحة تتحمل المخاطر وتحقق أرباحاً، ومديرون منتجون يقودونها لذلك فيأخذون مكافأتهم "العادلة" على حسن أدائهم. تتساءل الاقتصادية الإيطالية ماريانا مازوكاتو في أحدث كتبها الصادر في 2018، والذي ترشح للقائمة القصيرة لجريدة الفاينانشيال تايمز، "لكن ماذا لو أن هذه التوصيفات ببساطة قصص فحسب؟ خطاب يتم صياغته من أجل تبرير التفاوتات في الدخل والثروة، رواية تكافئ بشكل هائل القلة القادرة على إقناع الحكومات والمجتمع بأنها تستحق هذه المكافآت الكبيرة بينما على بقيتنا أن يقتاتوا بالبقايا؟".
في عالم تتصاعد فيه اللامساواة في الدخل والثروة، وتزيد فيه أهمية الأنشطة المالية على حساب الاقتصاد الحقيقي في الصناعة والزراعة، تعيد مازوكاتو في كتابها الاعتبار لسؤال القيمة في الاقتصاد.. من يخلقها وكيف تتوزع، من يدورها ويحركها من قطاع لآخر ومن يعيشون بشكل طفيلي على عمل الآخرين (كأصحاب الأراضي من الأرستقراطية وقتها)، وهي الأسئلة المركزية التي ركز عليها الاقتصاديون الرواد كآدم سميث وديفيد ريكاردو وكارل ماركس. تشتبك الأكاديمية، التي تُدَرِّس اقتصاديات الابتكار والقيمة العاملة في لندن، مع هذا السؤال في عالمنا المعاصر: من ينتج ومن يحصد؟ وعواقب ذلك. مازوكاتو الحائزة على جوائز عدة من ضمنها جائزة ليونتيف لتوسيعها آفاق الفكر الاقتصادي، والمستشارة حاليا لعدد من الحكومات، كانت قد أثارت ضجة كبيرة قبل أعوام بعد إصدارها كتابها السابق عن الدور الريادي للدولة في الابتكار، والذي تكشف فيه مساهمة المال العام الكبيرة في الابتكارات التكنولوجية، التي تسمح لشركات مثل أبل بتحقيق مليارات الدولارات من الأرباح.

في 2009، بعد عام واحد من مساهمة مؤسسات كمؤسسته في اندلاع الأزمة المالية، قال لويد بلانكفاين رئيس بنك جولدمان ساكس إن موظفيه هم من بين الأكثر إنتاجية في العالم. (كانت الحكومة قد اضطرت للتدخل بضخ مليارات الدولارات لدعم جولدمان ساكس وغيره من أموال دافعي الضرائب، بينما تخلصت الشركة من 3 آلاف موظف خلال عامين). تتحدى مازوكاتو فكرة الإنتاجية المرتفعة التي يتحدث عنها رئيس جولدمان ساكس، الذي ارتفعت مكافآته هو ونظرائه برغم كل شيء. وهي فكرة لا تقتصر على القطاع المالي. "يسمونها خلق القيمة لكنها في الحقيقة العكس، محض استخلاص للقيمة". يشير الكتاب هنا إلى أن القطاع المالي لم يكن يعد قطاعاً منتجاً في الاقتصاد في الحسابات القومية والناتج المحلي الإجمالي حتى عام 1970، بل كانت أهميته تنبع فحسب من تسهيله لعملية تراكم رأس المال ونقل الثروة الموجودة بالفعل، لا خلق ثروة جديدة. ثم تسلل القطاع المالي لحساب الناتج المحلي كناتج وسيط، أولاً كخدمة تساهم في تشغيل الصناعات الأخرى، الخالقة حقاً للقيمة، ثم تغير الوضع محاسبياً بالتزامن مع تغير السياسات بتقليص القيود على أنشطته والكم الذي يستطيع إقراضه والنقود التي يخلقها.. إلخ. "هذه التعديلات غيرت جذرياً كيف يتصرف القطاع وزادت من نفوذه على الاقتصاد الحقيقي".
تجول مازوكاتو في كتابها بين قطاعات الأدوية والمال والتكنولوجيا وفي نظريات الاقتصاد المختلفة المتعلقة بالقيمة تاريخياً كي تثبت مقولتها الرئيسية بأن هذه القطاعات تستخلص القيمة في الاقتصاد وتتلقى عوائد مبالغ فيها بشدة عوضاً عن خلق القيمة.
يضرب الكتاب مثلاً بشركة جلياد للأدوية التي سَعَّرَت دواء هارفوني لفيروس سي في 2014 بحوالي 95 ألف دولار لكورس علاجي مدته 3 شهور. كان تبرير الشركة وقتها أن تقاضي هذا الثمن يوازي القيمة التي يتسبب الدواء في تجنبها من تكاليف المرض لو لم يتم علاجه، وهو ما تسميه صناعة الأدوية "التسعير المبني على القيمة". ترد مازوكاتو على ذلك بعديد من الدراسات التي تؤكد عدم وجود أي علاقة بين سعر أدوية السرطان وغيرها وبين المنافع التي توفرها، التي هي أقل بما لا يقاس من السعر حتى بمنطق تكاليف المرض. "في الحقيقة فإن نسبة كبيرة من تكاليف الرعاية الصحية في العالم الغربي لا علاقة لها بالرعاية الصحية: ببساطة هي قيمة استخلاص القيمة التي تقوم به صناعة الأدوية".
لكن الأمر لا يتوقف عند زيف رواية الكفاءة والإنتاجية كمبرر لكل هذه العوائد الهائلة. فالطريقة التي تشتغل بها قطاعات استخلاص القيمة، عبر الاستثمار في الأوراق المالية والمشتقات وإعادة شراء الأسهم، وهي أنشطة ريعية، ينطبق عليها وصف الاقتصادي الأشهر جون ماينارد كينز للمستثمرين فيه: "مستثمر عاطل يعتمد على ملكيته لرأس المال مستغلاً قيمة ندرته". في المقابل، بينما شهد الاقتصاد الأمريكي، مثلاً، زيادة في الإنتاجية بين 1975 و2015 بأكثر من ستين في المائة، تجمدت الأجور الحقيقية لمعظم الأمريكيين أو حتى انخفضت في الفترة ذاتها.
مازوكاتو تقول إن سيطرة منطق التمويل وروايته الكاذبة عن خلق القيمة لا يتعلق فقط بحجم القطاع المالي وكيف فاق نموه الاقتصاد غير المالي، وباللامساواة في الدخل والثروة، وإنما أيضاً بآثاره على سلوك باقي الاقتصاد، الذي تم أمولة وتوريق أجزاء كبيرة منه. تركز النشاط في القطاعات التي تحرك القيمة وتستخلصها على حساب القطاعات التي تخلقها.
"بينما يتم خلق الثروة عبر جهد جماعي، فإن عدم التوازن الهائل في توزيع ثمار النمو الاقتصادي عادة ما كان نتيجة لاستخلاص القيمة الذي وسعت العولمة بشدة من نطاقه". تقول مازوكاتو إن هذا وضع يقود الرأسمالية العالمية لأزمة وراء أزمة، وإن إعادة الاعتبار للقطاعات التي تخلق القيمة ومواجهة الاحتكارات وتدخل الدولة لدعم الأنشطة المنتجة والتنازل عن سياسات التقشف هي شروط ضرورية لاستعادة "رأسمالية تعمل من أجل الجميع". إلا أن الكتاب لا يشرح كيف يمكن للدولة، وهي الآن ساحة لسيطرة هذه القطاعات المالية والاحتكارية عبر لوبيهات المصالح، خاصة وأنها تمثل أكبر مقرضيها عبر أذون وسندات الخزانة، أن تتحدى مصالحها وتواجهها، ناهينا عن أن يتبرع هؤلاء المستفيدون بالتنازل عن حصة من عوائدهم.

"من يروي الحكاية يحكم العالم"، تستشهد مازوكاتو بمقولة الفيلسوف الإغريقي أفلاطون في الإشارة للرواية التي تبرر للطفيليين من صائدي الريع جوائزهم على حساب الناس. وكتابها يتحدى هذه الرواية ويكشف تهافتها.


ماريانا مازوكاتو، قيمة كل شيء: من يخلقون ومن يأخذون في الاقتصاد العالمي، لندن، دار النشر: بنجوين: 2018، 384 صفحة.

Mariana Mazzucato, The Value of Everything: Making and Taking in the Global Economy, London, Penguin, 2018, 384 Pages.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.