رئيس جامعة حلوان يحسم الجدل: لا صحة لتعيين سامح حسين    «وزير الري»: الدولة المصرية تبذل جهودًا كبيرة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة    وزارة التضامن تقر قيد 4 جمعيات في محافظتي أسوان والقاهرة    عاجل| مصرتدخل سباق المعادن النادرة    أسعار الخضراوات والفاكهة اليوم الثلاثاء 2 ديسمبر 2025    بسبب الشبورة المائية وأعمال الصيانة، ارتفاع تأخيرات القطارات على خط بورسعيد    سعر الريال القطرى اليوم الثلاثاء 2 ديسمبر 2025 فى بداية التعاملات    وزير الزراعة ومحافظ الوادي الجديد يبحثان تعزيز الاستثمار في مجال الإنتاج الحيواني    أسعار الحديد والأسمنت اليوم الثلاثاء 2 ديسمبر 2025    3 قرارات جديدة لوزارة التضامن لإزالة تعديات على أملاك بنك ناصر الاجتماعى    سعر صرف الدولار في البنوك المصرية ببداية تعاملات الثلاثاء    منظمة الصندوق المركزي الإسرائيلي أسخى ممول أمريكي للاستيطان بالأراضي المحتلة    استشهاد فلسطيني برصاص الاحتلال الإسرائيلي في مدينة الخليل    قوات الاحتلال تنسف منزلي أسيرين فلسطينيين في نابلس وطوباس    قوات الاحتلال تتوغل فى ريف القنيطرة بسوريا وتفجر سرية عسكرية مهجورة    واشنطن لا ترى ضرورة لحضور روبيو اجتماع وزراء خارجية الناتو    وسط موجة من عمليات الخطف الجماعى.. استقالة وزير الدفاع النيجيرى    منتخب مصر يواجه الكويت في بداية مشواره بكأس العرب 2025.. اليوم    مشاهدة مجانية.. القنوات الناقلة لكأس العرب 2025 ومباراة مصر والكويت    محامي رمضان صبحي: الأهلي وبيراميدز لم يتواصلا معي.. وهاني أبوريدة عرض المساعدة    مواعيد مباريات اليوم الثلاثاء 2 ديسمبر 2025 والقنوات الناقلة    سيد منير حكمًا لمواجهة بيراميدز وكهرباء الإسماعيلية    5 ديسمبر، موعد محاكمة 3 عاطلين بتهمة حيازة أسلحة نارية وبيضاء في الأزبكية    أمطار متفاوتة الشدة.. الأرصاد تكشف تقاصيل طقس اليوم    إصابة 5 أشخاص في حادث تصادم ميكروباص وميني باص بالطريق الزراعي بطوخ    ضبط مواد مخدرة وأسلحة نارية وتحرير 1480 مخالفة مرورية بكفر الشيخ    في اليوم الخامس من البحث.. العثور على جثمان الشاب الغارق في بحر سنتريس بالمنوفية    صحتك في خطوتك| فوائد المشي لإنقاص الوزن    وزير الصحة يبحث مع محافظ البحيرة إنجاز المشروعات الصحية والتوسع في الخدمات    بدء تصويت الجالية المصرية في الأردن لليوم الثاني بالمرحلة الأولى    من أوجاع الحرب إلى أفراح كأس العرب.. فلسطين تنتصر وغزة تحتفل.. فيديو    طقس اليوم: معتدل نهارا مائل للبرودة ليلا.. والعظمى بالقاهرة 23    محافظ البحر الأحمر ووزيرا الثقافة والعمل يفتتحون قصر ثقافة الغردقة وتشغيله للسائحين لأول مرة    البديل الألماني يطرد عضوا من كتلة محلية بعد إلقائه خطابا بأسلوب يشبه أسلوب هتلر    الحكم بحبس المخرج الإيراني جعفر بناهي لمدة عام    أدعية الفجر.. اللهم اكتب لنا رزقًا يغنينا عن سؤال غيرك    ما حكم الصلاة في البيوت حال المطر؟ .. الإفتاء تجيب    بنصف مليار دولار وإلغاء أكثر من 18% من الوظائف، جوتيريش يقترح خفض ميزانية الأمم المتحدة    أصل الحكاية | «تابوت عاشيت» تحفة جنائزية من الدولة الوسطى تكشف ملامح الفن الملكي المبكر    المخرج أحمد فؤاد: افتتاحية مسرحية أم كلثوم بالذكاء الاصطناعي.. والغناء كله كان لايف    أصل الحكاية | أوزير وعقيدة التجدد.. رمز الخصوبة في الفن الجنائزي المصري    سر جوف الليل... لماذا يكون الدعاء فيه مستجاب؟    حرب الوعي.. كيف يواجه المجتمع فوضى الشائعات الصحية على السوشيال ميديا؟    لغز صاحب "القناع الأسود" في قضية مدرسة سيدز الدولية وجهود أمنية مكثفة لضبطه    لغز مقتل قاضي الرمل: هل انتحر حقاً المستشار سمير بدر أم أُسدل الستار على ضغوط خفية؟    رئيس قضايا الدولة يؤكد تعزيز العمل القانوني والقضائي العربي المشترك | صور    شيري عادل تكشف كواليس تعاونها مع أحمد الفيشاوي في فيلم حين يكتب الحب    كيف تكشف المحتوى الصحي المضلل علي منصات السوشيال ميديا؟    بالأدلة العلمية.. الزجاجات البلاستيك لا تسبب السرطان والصحة تؤكد سلامة المياه المعبأة    أول ظهور لأرملة الراحل إسماعيل الليثى بعد تحطم سيارتها على تليفزيون اليوم السابع    تقرير الطب الشرعي يفجر مفاجآت: تورط 7 متهمين في تحرش بأطفال مدرسة سيدز    جيمي فاردي يسقط بولونيا على ملعبه في الدوري الإيطالي    شاهد، مكالمة الشرع ل بعثة منتخب سوريا بعد الفوز على تونس بكأس العرب    مدرب منتخب الناشئين: مندوب برشلونة فاوض حمزة عبد الكريم.. واكتشفنا 9 لاعبين تم تسنينهم    بيان جديد من المدرسة الدولية صاحبة واقعة اتهام عامل بالتعدي على تلاميذ KG1    أقوى 5 أعشاب طبيعية لرفع المناعة عند الأطفال    موعد صلاة العشاء.... مواقيت الصلاه اليوم الإثنين 1ديسمبر 2025 فى المنيا    انطلاق المؤتمر التحضيري للمسابقة العالمية للقرآن الكريم بحضور وزير الأوقاف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العرب و(فراغ القوة)
نشر في الشروق الجديد يوم 11 - 10 - 2009

تعيش المنطقة العربية منذ عدة عقود فى حالة انعدام الوزن على المستويين الإقليمى والدولى، وأصبحت معها أرض العرب أرضا مستباحة، ويتسع نطاق تدويل قضاياها، ووصل الأمر إلى حد إقدام الولايات المتحدة السماح لإسرائيل على استخدام القوة المسلحة مرتين خلال عقد واحد، فى محاولة لتفكيك المنطقة العربية لإعادة تركيبها (العراق 2003 ولبنان 2006 وغزة 2008).. ألم تبشرنا كوندوليزا رايس بمخاض شرق أوسط جديد؟ وقد تمكنت المقاومة من إفشال هذه المخططات مرحليا.
وما كان يمكن للولايات المتحدة وإسرائيل التعبير عن هذه الخطط بهذه الوقاحة والشروع فى تنفيذها بهذه الجرأة، وإسقاط أى خطوط حمر فى التعامل مع المنطقة العربية وشعوبها لولا غياب البعد القومى العربى والطوفان السياسى الذى عصف بروابط التضامن العربية، ومتاهة الخلافات العربية العربية المزمنة، والتى جعلت منطقتنا تشهد حروبا باردة عربية عربية، مما أدى لاختلال التوازنات الإقليمية لغير صالح الأمة العربية.
ولقد شهدت المنطقة العربية وعلى مدى عدة عقود ذبولا للقيم والمبادئ القومية، وأصبحت الأمة العربية معها أمة بلا بوصلة سياسية توجهها فى ظل غياب مرجعيات الاستناد القومية، أمة مستسلمة ومستباحة تعانى من أزمة الثقة فى الذات العربية ككيان جماعى، أمة لا تمتلك مشروعا قوميا سياسيا مشتركا، يبلور رؤيتها لمستقبل المنطقة وقضاياها. وتزايد بالمقابل اعتماد العرب على الأجنبى من أجل توفير حماية أمنية زائفة، بعد أن راجت تجارة التهديد والحماية فى منطقتنا.
ومازالت حملات التضليل تتواصل فى التعامل مع قضايانا القومية وفى مقدمتها القضية الفلسطينية. فالفلسطينيون على أعتاب مفاوضات مع إسرائيل وهم أضعف الأطراف العربية، ويفتقدون الاحتضان العربى القومى الحقيقى والقوى لقضيتهم، ثم نلومهم على التنازلات، فى الوقت الذى ترفض فيه إسرائيل وقف بناء المستعمرات، ومازال حصار سكان غزه متواصلا منذ أكثر من عشر شهور. وما زالت الدول العربية تعلق الآمال على واشنطن التى تتعرض لضغوط قوية ومتواصلة من إسرائيل واللوبى الإسرائيلى، فى غياب ضغط عربى مواز وفعال رغم امتلاكنا لعناصره. ولن تدخل واشنطن تغييرا جوهريا على سياستها تجاه هذه القضية طالما ظلت مصالحها فى المنطقة العربية فى مأمن.
ومن ناحية أخرى كيف نتوقع تغييرا من الجانب الإسرائيلى؟ ألم نسقط حق المقاومة والمقاطعة من حساباتنا، وهى الآليات الوحيدة القادرة على كبح المخططات التوسعية الإسرائيلية وجعل إسرائيل تدفع ثمن عدوانها المتواصل. إن إسرائيل تريد سلاما بشروطها، أى استسلاما عربيا كاملا لمطالبها، مستعينة فى فرض ذلك بالدعم الأمريكى غير المحدود، وباستخدام القوة العسكرية المفرطة ضد العرب، على أساس قناعة عرقية سائدة لدى الإسرائيليين مؤداها أن العرب لا يفهمون إلا لغة القوة.
ورغم هذه المهانة والتحديات انساق العرب وراء مقولة روج لها أعداؤهم وهى أن سر تخلفهم هو تمسكهم بالقومية العربية والعروبة، واتسع نطاق هذه المقولة لدرجة جعلت من الصعب أن تكون عربيا فى هذا الزمن الردىء، ناهيك أن تكون «عروبيا» فقد أصبحت هذه الصفة مستهجنة من بعض العرب الذين دأبوا على استخدام تعبير «قومجى» لتحقير من يتمسك بالفكر القومى، ودون أن يدروا أنهم بذلك يحقرون أنفسهم ويدمرون ذواتهم بأيديهم. وبالمقابل نجد الإسرائيليين يتمسكون بقوة بالفكر الصهيونى العنصرى وأحيوا لغة كادت تنقرض.
ولقد أدى انحسار الفكر القومى العربى، وعدم الحرص على تجديد مضامينه، وغلق باب الاجتهاد الدينى، واتساع نطاق استبداد الأنظمة العربية، إلى حدوث فراغ سياسى وخلخلة فكرية، سارعت التيارات الظلامية والمتطرفة والحركات التكفيرية لملئه. ومثل هذه الأفكار لا تنتعش أو تزدهر إلا فى عصور التدهور والانحطاط، والتى يسهل فيها إثارة النزعات المذهبية والطائفية العرقية.
وفى الواقع أن العيب الأساسى لم يكن فى جوهر الفكر القومى العربى المستنير، ولكن فى أسلوب تطبيقه فى التجارب الوحدوية القممية، الأولى من قبل أنظمة شمولية، وفشلت هذه التجارب دون أن تبكى عليها القاعدة الشعبية، لأنها لم تشارك فى بنائها.
كما استغل بعض القادة العرب الفكر القومى لتحقيق أطماع وطموحات شخصية، على نحو ما قام به صدام حسين فى غزو الكويت. وانتكست دعوة القومية العربية واشتدت الخصومة الشخصية بين القادة العرب، وأدى ذلك لمزيد من التمزق الفكرى والسياسى. كل ذلك وغيره ساهم فى إثارة شكوك ومخاوف غير مبررة من الفكر القومى.
ولقد كان الحصاد المر فى النهاية يتمثل فى أن العرب أصبحوا يعيشون فراغ القوة المرير فى جميع المجالات.
وبالمقابل راكمت إسرائيل عناصر قوتها، واستمرت فى تكريس فجوة القوة بينها وبين الدول العربية مجتمعة، ومدركة أن القوة فى السياسة هى كالجاذبية فى الطبيعيات، أساس مهم فى كل علاقة إقليمية أو ودولية وتلقى بظلالها على الطرف الآخر الأضعف فى أى تسوية أو تعامل إقليمى. وأصبحت إسرائيل، على هذا النحو، تتمتع بما يسمى ب«فائض القوة» بجميع عناصرها، مقارنة بمساحتها وعدد سكانها، مما يغريها دوما على التوسع والسعى للهيمنة على المنطقة العربية الرخوة. ألم تبق إسرائيل جميع خيارات الحرب والسلام مفتوحة، بينما اقتصر العرب على خيار وحيد وهو خيار السلام.. وأى سلام!!
ولا شك أن هناك أسبابا داخلية وأخرى خارجية لتفسير حالة العرب الراهنة. وفى تقديرى أن الأسباب الداخلية هى التى لعبت الدور الرئيسى فى هذا المسار الانحطاطى للعرب، وهى التى هيأت للتدخل الخارجى. فمصادر قوة أو ضعف أى نظام إقليمى هو مكوناته الأساسية، أى الدول الأعضاء فيه، فإذا قويت أنظمتها الداخلية قوى نظامها الإقليمى والعكس صحيح. والواقع العربى الراهن يفسر لماذا تم اختراق النظام العربى بشكل غير مسبوق سياسيا واقتصاديا وأمنيا، ولماذا أصبح مصير قضايانا القومية يرتهن بالإرادات الإقليمية والدولية.
ومن المثير لدهشة وحيرة القوى المعادية لهذه الأمة، أن قوى المقاومة والممانعة العربية مازالت حية وتتجدد، رغم مخططات تطويعها. فقد أكد صمود المقاومة فى فلطسين والعراق ولبنان أن العرب مازالوا قادرين على تحمل الضربات ولن يرضخوا لوضعهم الراهن.
أليس من المفارقة أنه بعد 60 سنة من إنشاء دولة إسرائيل، أن يطلب الجلاد من الضحية الاعتراف بيهودية دولته؟ ألا يدل ذلك على شعور إسرائيل بأن شرعيتها مازالت منقوصة، وأنها لم تنجح فى كسر إرادة الشعب الفلسطينى المقاوم.
إن عناصر القوة بكل مكوناتها الناعمة والصلبة كامنة فى العالم العربى، وفى الإمكان لو استفاقت أنظمتنا من بياتها الشتوى الطويل أن تستنهضها لمواجهة تحديات الوجود والمصير. وما لم تصبح هذه الأنظمة على مستوى التحديات الراهنة، فلا نستغرب إذا ما أطلق علينا قريبا «الرجل المريض» فى الشرق الأوسط، على نسق الرجل المريض «العثمانى» فى القرن التاسع عشر، والذى تكالبت عليه القوى الدولية، وتصارعت لتتقاسم تركته وهو ما زال على قيد الحياة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.