تتأرجح الرافعات التي تحمل البضائع ذهابا وإيابا في الهواء، بينما يجرى على قدم وساق تنفيذ مشروعات في مجال البنية التحتية باستثمارات تبلغ عدة مليارات من الدولارات في خليج سان بيدرو، وهو مجمع شاسع المساحة من الموانئ يقع في القطاع الجنوبي من ولاية كاليفورنيا الأمريكية، ويعد أكبر بوابة في الولاياتالمتحدة للتبادل التجاري مع الصين ومعظم دول العالم. يأتي مجمع سان بيدرو الذي يضم مينائي لوس أنجليس ولونج بيتش في المرتبة التاسعة، في قائمة أكثر موانئ العالم كثافة في التعامل مع حركة التجارة، وكان شهر أكتوبر الماضي – قبيل التهديد بزيادة الرسوم الجمركية الأمريكية على السلع الصينية – أكثر الموانئ الأشهر ازدحاما في تاريخ هذين الميناءين اللذين يرجع تاريخهما إلى 111 عاما. وبينما ازدهرت حركة التجارة في الميناءين في شهر أكتوبر الماضي، على الأقل جزئيا بسبب تقديم مواعيد الشحن لكي تسبق موعد تطبيق الرسوم الجمركية وفقا لما يقوله المحللون، فإن الحرب التجارية الجارية بين واشنطن وبكين جلبت حالة من عدم اليقين غير مرغوب فيها إلى نشاط تجاري يزدهر عادة في أوقات الاستقرار والتخطيط بعيد المدى. وباتت المخاطر عالية بالنسبة لموانئ كاليفورنيا التي تتعرض لتداعيات المشاحنات التجارية بين الولاياتالمتحدةوالصين، بمعدلات تفوق الموانئ الكائنة في الولايات الأخرى، وتشير الإحصائيات إلى أن ما نسبته 60% من حجم التبادل التجاري في ميناء لونج بيتش يجرى مع الصين بقيمة إجمالية من السلع تبلغ 103 مليارات دولار تقريبا، وفيما يتعلق بميناء لوس أنجلوس نجد أن ما نسبته 23% من إجمالي نشاطه التجاري، أي نحو 48 مليار دولار من تبادل السلع يتعرض للرسوم الجمركية الأمريكية. وقال ماريو كورديرو مدير ميناء لونج بيتش لوكالة الأنباء الألمانية "د.ب.أ" إن "هناك قلقا بالتأكيد، وإن عدم اليقين صار هو الأمر الأكثر تأكيدا، وليس ثمة حاجة للقول بأن الأنشطة التجارية في ميناء لونج بيتش لا تمر بالأحوال العادية". وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد فرض رسوما جمركية على سلع صينية تبلغ قيمتها 250 مليار دولار، قائلا إن الصين "تستغل" الولاياتالمتحدة تجاريا، وفي المقابل ردت الصين بفرض رسوم جمركية على واردات أمريكية قيمتها 110 مليارات دولار. وأعلن الجانبان هدنة تجارية مدتها 90 يوما في وقت سابق من الشهر الحالي، غير أن أسلوب ترامب المتأرجح في التفاوض والتوتر الذي أعقب احتجاز مديرة تنفيذية صينية بارزة في كندا، بناء على طلب من واشنطن أدى إلى إثارة القلق وسط دوائر نشاط النقل البحري. وأوضح يوجين سيروكا المدير التنفيذي لميناء لوس أنجليس أن المستوردين قاموا بتقديم موعد وصول الشحنات التجارية خلال هذا العام، سعيا لوصولها إلى الميناء قبل تطبيق الرسوم الجمركية. ويدور السؤال الآن حول ما إذا كان فائض الشحنات الذي وصل قبل موعد تنفيذ الرسوم الجمركية، سيؤدي إلى تراجع حجم الشحنات بشكل غير عادي خلال الأشهر المقبلة، أو إذا كان ذلك سيحدث بعد فترة المفاوضات التجارية التي ستستغرق ثلاثة أشهر. وقال سيروكا: "بشكل عام يعني تقلص حجم الشحنات التجارية انخفاض عدد الوظائف"، محذرا من أن التأثير السلبي لذلك التطور على فرص العمل سيكون "ملحوظا". وترتبط ما نسبته نحو مليون وظيفة في القطاع الجنوبي من ولاية كاليفورنيا بمجمع خليج سان بيدرو، ومن بين هذه الوظائف سائقو عربات الشحن والعاملون بأرصفة الموانئ وبالصناعات المحلية، وذلك وفقا لبيانات ميناء لوس أنجلوس. ومع ذلك يرى جيري نكيلسبيرج الأستاذ بجامعة لوس أنجليس والمتخصص في صناعة موانئ كاليفورنيا، أنه بينما قد يؤدي تصاعد الحرب التجارية إلى حدوث متاعب قصيرة المدى لأنشطة النقل البحري، فإن المشهد بعيد المدى لن يتغير كثيرا. ويقول: "هناك حالة من الإرباك على المدى القصير حيث ستنتقل وحدات إنتاجية من الصين، ولكن على المدى الطويل فلن يتغير شيء باستثناء منشأ السلع القادمة". بينما أشار كورديرو إلى أن ميناء لونج بيتش لن يغير أي خطط له بعيدة المدى على الرغم من المخاوف من تداعيات الحرب التجارية، قائلا: "إذا لم تصل الشحنات من الصين في وقت ما، فستأتي من مكان آخر". غير أن ستيفن تشيونج رئيس مركز التجارة العالمية بلوس أنجليس وهو منظمة غير هادفة للريح تهدف إلى الترويج للتجارة الدولية مع منطقة لوس أنجليس، يقول إنه لن يكون من السهل إيجاد بديل لمنافذ الإمداد بمجمع الموانئ والتي تم تطويرها مع شركات التصنيع الصينية. ويضيف تشيونج: "عندما غادرت الأنشطة الصناعية مدينة ديترويت بولاية ميتشجان، نتج عن ذلك ركود اقتصادي في هذه المنطقة لا تزال تتعافى منه، ونحن لا نريد أن يحدث شيء مثل ذلك في لوس أنجلوس".