الأهمية الكبرى لمستقبل الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته فى عالم البشر، تظهر في الأولوية التي توليها دول العالم للثورة الصناعية الرابعة ورافدها الأبرز الذكاء الاصطناعى، والتسابق المحموم بينها للتحول نحو الثورة الصناعية الرابعة فى شتى مجالات الحياة، خاصة المصانع والقطاعات الخدمية والطبية، ما سيؤثر بالتبعية على طبيعة ونوعية المهن المتاحة للإنسان فى المستقبل. ففي عام 2017، كشفت الصين -التى تتنافس مع الولاياتالمتحدةالأمريكية على المقعد الأول عالميا فى الذكاء الاصطناعي- عن خطة طموحة للاستثمار فى هذا المجال، وخصصت لها مبلغ 22 مليار دولار على مدى 5 سنوات، وفى يناير الماضي، وقعت الإمارات اتفاقية تعاون مع المنتدى الاقتصادي العالمي لإنشاء مركز الثورة الصناعية الرابعة فى الإمارات بهدف إعطاء دفعة للحصول على تقنيات المستقبل. وفى شهر مارس الماضي، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إن بلاده ينبغي أن تشغل موقعا رياديا فى بحوث الذكاء الاصطناعي، وأقر خطة لتحقيق ذلك خصص لها 1.5 مليار يورو على مدى 5 سنوات لجذب خيرة العلماء المتخصصين للعمل فى فرنسا وتشجيع الباحثين الفرنسين على التخصص فيه، وكان من الثمرات المبكرة لهذه الخطة إعلان شركة "آي. بى .ام" الأمريكية العملاقة عن مشاركتها بالخبرة التكنولوجية فى عدد من مراكز البحوث الفرنسية وتلتها شركات ألمانية ويابانية أخرى فى هذا المضمار، وعكست ميزانية وزارة الدفاع الفرنسية لعام 2019 المزيد من الاهتمام بتطوير تطبيقات عسكرية تعتمد على الذكاء الاصطناعى فخصصت 2.8 مليار يورو لتكثيف برامج البحث والتطوير لإنتاج أسلحة ذكية تتوافق مع حروب المستقبل والإعداد لإنشاء وكالة وطنية للابتكار العسكري. وقبل شهر واحد، افتتح رئيس الوزراء الهندى ناريندرا مودي مركز الثورة الصناعية الرابعة فى بلاده بهدف أن تصبح الهند مركزا عالميا للبحث فى مجالاتها، مشيرا إلى أن هذه الثورة تفتح أمام الهند آفاقا جديدة فى مجال الإنتاج والخدمات وتوجد الفرصة لمزيد من الشراكات بين الدولة والقطاع الخاص. وخلال العقدين الأخيرين كثر الحديث عن الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته كعلم قد يصنع مصيرا جديدا للبشر، ويعود تاريخ تطبيقات الذكاء الاصطناعي عندما بدأ العلماء منتصف القرن الماضى باستكشاف نهج جديد من أجل بناء آلات ذكية، وبناء على الاكتشاف الحديث في علم الأعصاب، وتطور علم التحكم الآلي من خلال اختراع الحاسوب الرقمي وتم اختراع آلات يمكنها محاكاة عملية التفكير الحسابي الإنسانى. ثم شهدت أبحاث الذكاء الاصطناعي في بداية عقد الثمانينيات، اهتماما جديدا على طريق النجاح التجاري للنظم الخبيرة التي تعتبر من برامج الذكاء الاصطناعي، التي تحاكي المهارات والمعرفة التحليلية لواحد أو أكثر من الخبراء، وفى التسعينيات حقق الذكاء الاصطناعي نجاحات كبيرة، ومع بداية القرن ال21، تم استخدم الذكاء الاصطناعي في توجية قائد السيارة واستخراج البيانات اللوجستية، وصناعة التكنولوجيا، والتشخيص الطبي. يعرف الذكاء الاصطناعي بأنه سلوك وخصائص معينة تتميز بها البرامج الحاسوبية تجعلها تحاكي قدرات البشر الذهنية وأنماط عملها، وأبرزها القدرة على الاستنتاج، والتعلم، ورد الفعل على أوضاع لم تبرمج داخل الآلة، والتشخيص الطبي، ومعالجة اللغات الطبيعية وترجمتها، وألعاب الفيديو، وتداول الأسهم، والقانون، وتمييز وتحليل الصور، ولعب الأطفال، والاكتشافات العلمية، والتحكم الآلي، وتمييز الأصوات. وانبثق الذكاء الاصطناعي من أنماط الوظائف غير الاعتيادية في تطبيقات الحاسوب، التى بدأت في التبلور عندما نقل المبرمجون بطريقة المحاكاة، نماذج من عقول البشر المتميزين في العالم في بعض المجالات العلمية والرياضية، والفكرة ذاتها بعد التطوير أصبحت تهدد باستبعاد البشر من وظائفهم، فالآلات التي يتم برمجتها في عالم الذكاء الاصطناعي تؤدي وظيفة الإنسان على أكمل وجه، بل وتؤديها بلا أدنى مضاعفات أو تكاليف، ولهذا فقبولها وارد وإقبال أهل المال والأعمال عليها شديد ومتلهف فآلة واحدة يمكنها أن تقوم بعمل 5 موظفين وأكثر دون أية تكلفة اقتصادية. وبات مصير البشر ومستقبلهم -وسط الطفرة الكبيرة في عصر الذكاء الاصطناعي- غامضا، ولايكمن الغموض فى مدى الاستغناء عن القوة البشرية مقابل استيعاب الآلة والحواسيب فحسب، بل فى مدى استعباد هذه الآلات للإنسان والتحكم فى تصرفاته، كما يجعل التفكير صعبا في نوع الأعمال التي قد يعمل بها البشر، حيث وصلت تطورات تطبيقات الذكاء الاصطناعي إلى الحد الذي يجعل المبرمجين لها في مراحلها المتطورة عاجزين عن إدراك أبعاد قدرات هذه الآلات التي يخترعونها أو يطورونها ويبرمجونها.