سياسات الولاياتالمتحدة الخارجية ثابتة خلال العامين المقبلين الديمقراطيون يأملون بالسيطرة على أغلبية مجلس النواب الأميركي لتعطيل أجندة الجمهوريين بعد أقل من أسبوعين، يصوت الأميركيون - كما هو الحال كل عامين - في انتخابات الكونغرس النصفية لاختيار جميع أعضاء مجلس النواب البالغ عددهم 435 وثلث أعضاء مجلس الشيوخ وهم 35 نائبا من اجمالي 100 عضو في المجلس، فإذا صدقت مؤشرات التاريخ وتوقعات استطلاعات الرأي، فإن الديمقراطييين سيسيطرون على مجلس النواب بينما يحتفظ الجمهوريون بسيطرتهم البسيطة على مجلس الشيوخ. ومع ذلك تظل كل الاحتمالات مفتوحة، لكن المتابعين والمحللين في واشنطن لا يتوقعون أي تغيير يذكر في السياسة الخارجية الأميركية وخاصة في الشرق الأوسط خلال العامين المتبقيين على حكم الرئيس ترامب رغم توقعاتهم بتغييرات حتمية في قيادة لجان الشئون الخارجية والقوات المسلحة في المجلسين وكذلك احتدام الصراع بين الحزبين مع اقتراب الاستحقاق الرئاسي عام 2020. ومع اقتراب اليوم الحاسم للاقتراع في الانتخابات النصفية الأمريكية يوم الثلاثاء السادس من نوفمبر المقبل ، تشير جميع استطلاعات الرأي إلى استمرار تقدم مرشحي الحزب الديمقراطي على منافسيهم الجمهوريين في الدوائر الانتخابية الأكثر تأرجحا وعددها 28 دائرة تميل 11 دائرة منها للتصويت لصالح الديمقراطيين الذين يحتاجون للفوز ب 12 دائرة أخرى كي يضمنوا سيطرتهم على 218 مقعدا في مجلس النواب من اجمالي 435 مقعدا فيما يحتاج الجمهوريون الى الفوز ب 17 مقعدا من المقاعد المتأرجحة في الدوائر ال28 الأكثر سخونة لتحقيق ذات الغرض والاحتفاظ بسيطرتهم على مجلس النواب. وبالرغم من أن التاريخ الأميركي منذ الحرب الأهلية يشير دائما إلى خسارة حزب الرئيس في الانتخابات النصفية، وهو ما تكرر في 35 انتخابات سابقة مع ثلاثة استثناءات فقط ، إلا أن المفاجآت التي يحدثها الرئيس ترامب منذ وصوله إلى الحكم وسعيه الدؤوب للحيلولة دون سيطرة الديمقراطيين على أحد المجلسين أو كلاهما ، يجعل الأبواب مفتوحة أمام كل الاحتمالات ، خاصة بعد التقدم الأخير للجمهوريين في استطلاعات الرأي الأخيرة. أما مجلس الشيوخ، فإن سيطرة الديمقراطيين عليه تظل أمرا بعيد المنال وإن ليس بالمستحيل، ذلك أن الانتخابات تجري على 26 مقعدا يستحوذ عليها الديمقراطيين حاليا مقابل 9 مقاعد فقط للجمهوريين وهو ما يجعل الحفاظ على المقاعد الديمقراطية وتحقيق مكسب إضافي مهمة صعبة ، فهناك عشرة ديمقراطيين يخوضون انتخابات مجلس الشيوخ في ولايات فاز بها ترامب قبل عامين وعلى الديمقراطيين لتحقيق الأغلبية الفوز بها مجددا في ولايات ويست فيرجينيا ونورث داكوتا وميزوري ومونتانا وإنديانا وفلوريدا فضلا عن الفوز بمقاعد الجمهوريين الحالية في نيفادا وأريزونا ،وربما أيضا في تكساس وتينيسي لتحقيقه أغلبية 51 مقعدا من اجمالي 100 مقعد في مجلس الشيوخ.
كيف ستؤثر نتائج الانتخابات على المشهد السياسي الأميركي؟ من المؤكد أن نتائج الانتخابات سوف تحمل معان وانعكاسات مهمة لمستقبل الرئيس ترامب وللأجندة التشريعية لكلا الحزبين وهو ما سيترك أثرا بالغا على المشهد السياسي في الولاياتالمتحدة بشكل عام ، فإذا فاز الديمقراطيون فسوف يسعون إلى تعطيل عدد من الإجراءات التي اقرها الجمهوريون و تمرير أجندتهم التشريعية وعرقلة أجندة الجمهوريين وعرقلة تنصيب مرشحي ترامب في المناصب المختلفة إذا فازوا بأغلبية مجلس الشيوخ ، والأهم من ذلك ، فإن الديمقراطيين سوف يعملون على البدء في إجراءات إدانة الرئيس ترامب بما قد يؤدي إلى عزله والتي تبدأ في مجلس النواب ، وذلك رغم إدراكهم أن إستكمال إجراءات عزل الرئيس تتطلب أغلبية الثلثين في مجلس الشيوخ وهو ما لن يتحقق إلا في وجود قرائن مشينة لا تقبل الشك ضد ترامب تسمح لعدد كبير من الجمهوريين في مجلس الشيوخ بالانقلاب عليه. وفيما يخص السياسة الخارجية ، يقول محللون سياسيون في واشنطن أن أغلبية ديمقراطية في مجلس النواب تعني التركيز أكثر على اجراءات حماية المهاجرين ومراجعة ميزانية الدفاع والأمن المعلوماتي وتأسيس بنية تحتية انتخابية ضد التدخل الأجنبي ، كما أن الديمقراطيين سوف يتوجهون إلى سياسة تشريعية أكثر توافقا مع أوروبا في القضايا التجارية وفي قضية التغير المناخي وفي مسألة الاتفاق النووي مع إيران وفي مستقبل حلف الناتو (شمال الأطلسي) وفي الحد من التسلح ، وسيمثل الديمقراطيون تحديا أمام ترامب في تمثيل صورة مختلفة للولايات المتحدة أمام العالم، الأمر الذي سيحفز ترامب إلى اتهامهم بالخيانة وتعمد التصادم مع سياساته ، ومن ثم ستكون العلاقات الأمريكية - الأوروبية ضحية لتراشق الحزبي الذي سوف يزداد قوة مع اقتراب موعد الاستحقاق الرئاسي في 2020. وسيكون من الصعب على الديمقراطيين أن يحصلوا على تفويض لتحديد سياسات خارجية محددة إذا فازوا بالأغلبية في مجلس النواب ، فإذا ما قرروا التقدم بأجندة بديلة عن تلك التي ينفذها ترامب ، فإن أساليبهم وطرائقهم قد تزيد من دعم الجمهوريين واصطفافهم إلى جانب ترامب. ولهذا يرجح في هذا السيناريو أن تصبح الولاياتالمتحدة أكثر انقساما ولن تكون هناك مساحة كافية للطموح في دور كبير للولايات المتحدة حول العالم. أما في الشرق الأوسط ، فهناك تشكك كبير حول تنفيذ الالتزامات الحالية للولايات المتحدة هناك وهو ما يؤيده كثير من الأمريكيين، رغم عدم اهتمام معظمهم بما يجري في الشرق الأوسط باستثناء ما يمس مصالح إسرائيل التي حرص الرئيس ترامب على تحقيق كل ما كانت تطالب به. ولكن إذا حقق الجمهوريون المفاجأة واحتفظوا بأغلبيتهم في مجلسي النواب والشيوخ ، فسيكون ترامب قد صنع التاريخ للمرة الثانية ، وهو ما سيمنحه قوة هائلة وجرأة متناهية حيث ستتوافر لديه كل السلطات لتمرير ما يشاء من تشريعات وتنصيب من يشاء بتفويض جديد وبثقة كاملة ، وسيكون الكونغرس بمجلسيه عاملا مسرِعّاً وليس معوقا ، ومن ثم ستكون مواقف وقرارات ترامب أكثر صرامة بدءاً من القضايا التجارية وصولا إلى التحقيق الذي يجريه المحقق الخاص "روبرت مولر" بشأن التدخلات الروسية في انتخابات الرئاسة عام 2016.
من سيقود لجان الكونغرس المهمة؟ في حال فوز الديمقراطيين بأغلبية مجلس النواب وهو الأكثر ترجيحا حتى الآن ، فسوف تتولى نانسي بيلوسي مرة أخرى رئاسة المجلس إلا إذا واجهت تيارا معارضا من داخل الديمقراطيين المطالبين بإفساح المجال أمام الأصوات الشبابية ، كما يتوقع أن يتولى عنصر جديد رئاسة لجنة العلاقات الخارجية بعدما تقاعد رئيسها الحالي الجمهوري "إد رويس"، أما رئاسة لجنة الخدمات المسلحة فسوف يحظى بها على الأرجح النائب "آدم سميث". وفي مجلس الشيوخ حيث من المرجح أن يحافظ الجمهوريون على أغلبيتهم ، فسوف يظل "جيمس إنهوف" على رأس لجنة القوات المسلحة وهو جمهوري حل محل السيناتور الراحل "جون ماكين" ، ومن المرجح أن يكون إنهوف مؤيدا بقوة للرئيس ترامب. وفي لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ ، فسوف يترك رئيسها الحالي السيناتور "بوب كروكر" الذي أعلن عن تقاعده ، سيترك المجال لأصوات جديدة لتشكيل السياسة الخارجية والأمن القومي حيث كل الأنظار تتجه نحو عدد من أبرز الأعضاء ومنهم "ليندسي غراهام" و " ملوكو روبيو" ، و ريتشارد بر" و "جيمس ريتش" . وبصرف النظر عمن سيقود اللجان الأكثر أهمية في الكونغرس الأميركي بمجلسيه ، فإن ما تتفق عليه النخبة السياسية ومراكز التفكير في واشنطن هو أن نتائج الانتخابات النصفية ستكون مخيبة لآمال من يتوقعون تغييرا مهما في السياسة الخارجية للولايات المتحدة خلال العامين المقبلين ، فبعد الانتخابات بأشهر قليلة سيبدأ التجهيز لمعركة الانتخابات الرئاسية عام 2020 حيث سيكون مصير إعادة انتخاب ترامب هو المحدد لسياسة واشنطن المستقبلية ، وليس من المعروف ما إذا كان الديمقراطيون قادرين على توجيه انتقادات للرئيس في ملفات سياساته الخارجية بما قد يحقق لهم مكاسب مع الناخبين ، وهو ما يعني ربما أن سياسة خفض الانخراط الأميركي في السياسة الدولية وتقليص دور الولاياتالمتحدة القيادي في العالم والذي دام نحو عشر سنوات سوف يتواصل على الأقل لعامين آخرين.