إسماعيل نبيل: «عودة الروح» بشرت بثورة الضباط الأحرار لكن الحكيم أول من انتقد عبدالناصر.. والدولة لم تكرمه كما يجب نشرنا 99٪ من أعماله ونعيد نشرها حاليا مع «دار الشروق».. وأشعر بشىء من الرهبة عند التفكير فى الكتابة عنه وسط مقتنياته ومتعلقاته الشخصية التى كان مواظبا على استخدامها، وبجوار مكتبته الثرية بما تحتويه من مؤلفاته وأعمال لأدباء أحبهم وتأثر بهم فى بداياته الأدبية، كان هذا الحوار مع إسماعيل نبيل، حفيد الكاتب الكبير توفيق الحكيم، الذى رحب بإحياء الذكرى ال 120 لميلاد جده على صفحات «الشروق»، كاشفا جوانب جديدة فى حياة «عميد المسرح العربى» وشيخ كتاب القرن العشرين، وأكثرهم تنوعا بين ميادين الرواية والمسرح والقصة القصيرة والمقال السياسى والمقال الفلسفى. • سألناه.. لماذا تشير كتابات الحكيم دائما إلى بعض الأمور التى عانى منها فى طفولته؟ أعتقد أنه تفادى كل ما عانى منه فى طفولته، وأكبر دليل هو موقفه من رغبة ابنه الراحل اسماعيل، الذى تركه يعمل فيما يحب ويؤسس فرقته الموسيقية الخاصة «المعاطف السوداء Black coats»، فخالى هو أكثر من ورث جينات الفن من جدى، لكنه للأسف مات مبكرًا، وكذلك تحاشى جدى فى طريقة تربيته لأمى زينب القسوة والشدة التى كان يتلقاها من والدته. • تعددت الأقاويل حول نشأة الجد، فهل تربى فى الدلنجات أم الإسكندرية؟ جدى ولد فى مدينة الإسكندرية، وسبب الخلط الدائم والمغالطات على «الإنترنت»، يعود لإقامة والد «الحكيم» فى الدلنجات بالبحيرة لفترة بسبب عمله، وقد اشترى هناك قطعة أرض وبناها وعاش فيها مع أسرته، وظلت تلك االسراى باسمه هناك لفترة طويلة، فاعتقد الناس أنه ولد هناك. • كان جمال عبدالناصر يقول إنه تأثر برواية «عودة الروح» فى تأسيس حركة الضباط الإحرار.. إلى أى مدى يمكن أن يؤثر الأدب على الإنسان سياسيا واجتماعيا؟ كلما كان الأدب صادقًا ازداد تأثيره على الناس، وعبدالناصر تأثر ب«عودة الروح» فى شبابه ومنذ خروجها إلى النور، وأنا أعتقد أن عبدالناصر هو البطل الذى تتحدث عنه الرواية التى بشرت بالثورة، وأنها رسالة من السماء أنه هو المنقذ الذى سينقذ وطنه، وهذا ما قاله عبدالناصر بنفسه، فعندما وصل للحكم وصف الحكيم ب«ملهم الثورة»، ثم أهداه بعد ذلك كتابه «فلسفة الثورة» وكتب فى الإهداء: «إلى باعث روح الثورة توفيق الحكيم». والحكيم كان رجلًا صادقًا مع نفسه قبل أن يكون صادقًا مع الآخرين ففى بداية الثورة تحمس لها، ومع تطور الأحداث، شعر بالقلق وبأن الأمور لم تسر بالشكل المأمول، فاستغل موهبته فى الكتابة بالرمزيات، وكان أول كتاب جيله انتقادًا لمساوئ حكم «ناصر» من خلال إسقاطاته اللاذعة، وهو ما نجده جاليًا فى مسرحية «السلطان الحائر»، حيث صور حيرة الحاكم بين «الديمقراطية والاستبداد». • كيف تصف جدك على المستويين الشخصى والأدبي؟ على المستوى العائلى كان جدا مصريا تقليديا، يرتدى الروب وبيده عكازه، ويجلس وسط أبنائه وأحفاده يتحدث إليهم، وكانت علاقتى به مباشرة من خلال إقامتى معه فى نفس المنزل، وبخاصة فى السنوات الخمس التى سبقت رحيله، حيث توفى وأنا فى الثالثة عشرة من عمرى، وقتها كنت أدرك أنه كاتب مشهور، يظهر فى التليفزيون، ويكتب مقالات بالصحف، ولكنى أدركت تمام الإدراك من هو الأديب توفيق الحكيم بعد رحيله. وأما على المستوى الأدبى، فسأقول بعضًا مما قيل عنه، أثناء تكريم اسمه فى إسبانيا، وكان هناك بصحبتنا عميد كلية حصل على الدكتوراه فى «أدب توفيق الحكيم»، والرجل قال لنا: «نحن نريد أن نخبركم بأن الحكيم ليس أديبكم وحدكم، بل أديبنا نحن أيضًا، وسيظل أدبه حيًا فى ضمير العالم»، وعلل هذا بسببين، الأول: الخصائص الدرامية الثابتة فى أدبه، والتى تبقيه صالحًا على مر التاريخ، والثانية: أن مؤلفات «الحكيم» تعتبر مؤسسة ثقافية فى حد ذاتها، فهو كتب فى كل شيء، كتب عن «الحضارة الإغريقية، الإسلامية، الفرعونية، اليهودية، المسيحية» ولهذا فإن أعماله هى أدب عالمى يحسب على الضمير الإنسانى ككل. ولا ننسى أن الحكيم كان يقدم نوعا سابقًا عصره من الأدب، جوهره الفلسفة، فهو فى الأساس فيلسوف ومفكر. • فى رأيك كيف يمكن الاستفادة من تراث توفيق الحكيم الفكرى والإبداعي؟ ببساطة أن يُستغل الكنز الذى تركه ب«إعادة إحياء تراثه»، خاصة أن هناك الكثير من مؤلفاته التى لم تأخذ حقها، مثل مسرح المجتمع والمسرح المنوع، وهذان المسرحان بهما مجموعات متنوعة من كل ما تشتهيه الأنفس، وكذلك إعادة إنتاج مسرحياته التى تزخر بالكوميديا، والتى ظلمت بعرضها بطريقة كلاسيكية جدًا على المسرح القومى، فهذه الأعمال يستطيع كل مريد أن ينهل منها. و تلعب «دار الشروق» دورا كبيرا بإعادة نشر جميع أعماله فى طبعات فاخرة تقدمها للمكتبة العربية والعالمية، وما يميزها أنها تعمل باحترافية، وتهتم بالتراث، وقد أطلعنى المسئولون عن خطة إعادة نشر مؤلفاته بعد عملية تنقيح كبير لها، لتلافى الخلط الذى تعرضت له المؤلفات فى الطبعات القديمة، حيث كنا نجد بعض النصوص منشورة أكثر من مرة فى عناوين مختلفة، ولهذا مازال هناك جزء مؤجل سوف تنشره «دار الشروق» بعد إتمام عملية التنقيح. • كان الجد من أكثر الكتاب العرب غزارة فى الإنتاج.. ما السر؟ لتوفيق الحكيم أكثر من 90 مؤلفا، وهذا عدد ضخم فى حياة أى أديب، وأعتقد أن السبب هو العمر الطويل الذى منحه إياه الله، ثم التفرغ للكتابة، وفى ذلك يجب أن نذكر دور زوجته السيدة «سيادات» والتى تعتبر الجندى المجهول وراء ما أخرج توفيق الحكيم، حيث تزوجها وأخفى زواجه منها لفترة كبيرة استمرارا ل «بروباجاندا» عدو المرأة، وفى الحقيقة كانت سيدة عظيمة تدرك وضع زوجها ومكانته الأدبية، وما يحتاجه من وسائل راحة كى يستطيع الاستمرار فى عمله، فلم تثقل عليه بأعباء البيت والأسرة، ولو كان أساء الاختيار لربما كان له مصير آخر. • هل كان الحكيم بخيلًا أو عدو المرأة كما يشاع؟ هذه ادعاءات لا صحة لها، وبذكاء الحكيم كان يفتعل ذلك قاصدًا على سبيل «البروباجندا» و«الشو الإعلامي» وإطلاقا لم يكن «الحكيم» عدو المرأة بل كان دائمًا يشاغب المرأة ويعشقها، وكان يعظم دور المرأة فى كتاباته، فضلًا عن أن أول تأثيره الأدبى كان من امرأة هى والدته، التى نمت لديه حب الأدب، بعدما كانت تقص عليه الحكايات من قصص ألف ليلة وليلة وعنترة وغيرها. •هل هناك أعمال لم تنشر للراحل الكبير.. وهل هناك أوراق خاصة تفكرون فى نشرها؟ تقريبًا نشرنا 99% من أعماله، وما يتم الآن هو إعادة نشر لمؤلفاته، واخترت نسبة 99% لأننى اتحسب أن نجد نصوصا لم تنشر، فكلما دخلت غرفته اكتشفت أشياء جديدة.. أعتقد أننا يمكن أن نجد بعض المقالات، فهو بين فترة وأخرى يحب أن يهدينا بعضا من إبداعاته المنسية. • ما هى أعماله الأقرب لقلبك؟ جميعها، فأنا متوحد مع كل ما كتب، وتجربتى الشخصية مع مؤلفاته ثرية، فقد قرأته فى عمر العشرين قراءة تختلف عنها فى الثلاثين، وهكذا، فأدبه بالنسبة لى رحلة شيقة ومستمرة، وأذكر على سبيل المثال: «مصير صرصار، سليمان الحكيم، السلطان الحائر، عودة الروح، عودة الوعى، يوميات نائب فى الأرياف، يا طالع الشجرة، الرباط المقدس، الأيدى الناعمة، سجن العمر، زهرة العمر»، وبعض أعمال المسرح المنوع مثل «عمارة المعلم كندوز، حياة تحطمت، الشهيد». • هل تفكر فى كتابة الأدب؟ حلم حياتى أن أكتب، وأن أكتب عن «الحكيم » تحديدًا، لكن بداخلى شيء من الرهبة، ولكنى أعتقد أننى بصدد كتابة قصة حياته، فلقد انتظرت طويلًا أن يكتبها أو يقدمها أحد بما يليق به، لكن هذا لم يحدث، ولهذا أخطط فى الفترة القادمة أن أتفرغ للكتابة عن هذه القيمة والقامة. • هل تواصلت معك الدولة لتكريم الحكيم.. وما هو التكريم الذى تراه لائقا به الآن؟ الدولة تتحرك فى هذا الإطار من حين لآخر، لكن إلى الآن لم أجد أنه نال ما يستحق من تكريم، وبالمقارنة بما لاقاه توفيق الحكيم من التكريم فى الغرب نجده الأكبر، وأعتقد أن التكريم الذى يستحقه هو «إعادة إحياء تراثه»، وأتمنى أن تعاد مسرحياته بشكل معاصر، أو ينتج مسلسل تليفزيونى عن حياته، فهذا حقه علينا، فضلا عن أن أعماله تؤرخ لمحطات فى تاريخ مصر والعالم.