تحت عنوان "طه حسين ما له وما عليه"، نظّم مجمع اللغة العربية ندوة لمناقشة فكر عميد الأدب العربي الراحل، بحضور الدكتور صلاح فضل عضو المجمع والدكتور محمود الربيعي نائب رئيس المجمع كمتحدثين، وأدار الندوة الدكتور محمد شفيع الدين عضو المجمع. بدأت الندوة بالوقوف دقيقة حداداً على أرواح شهداء مسجد الروضة في سيناء، وذكر مدير الندوة إن طه كان شخصا مثيرا للجدل، حتى فى اختلاف الأقوال حول تاريخ ميلاده، فهناك من قال أنه ولد في 1889 وآخرون قالوا إنه ولد في 1884، مشيراً إلى تعدد خلافاته على مدار حياته، حيث فُصل من الأزهر، لكنه عاد مرة أخرى بعد تدخل أحمد لطفي السيد، وثار الجدل كثيرا أيضا حينما صدر كتابه "فى الشعر الجاهلى" عام 1926 الذى انبرى عدد كبير من الكتّاب والباحثين للرد عليه، إلى أن أحيل الأمر للنيابة العامة التي برأته. واستهل الدكتور صلاح فضل حديثه بالقول إن طه كان من الآباء المؤسسين للأدب، وأنه لم يصبح عميد الأدب العربي من فراغ، وأنه تراجع برشاقة عن بعض آرائه التى أثارت الجدل فى كتاب "الشعر الجاهلي" لافتاً إلى أن الكتاب في أغلبه لم يخرج عن الأعراف فيما عدا الجملة التى أقامت الدنيا ولم تقعدها وهى قوله إن ورود الشخصيات الدينية في الكتب المقدسة كالقرآن والإنجيل والتوراة ليس دليلا على وجودها تاريخيا". وفيما يتعلق بقضية التعليم ومقولة طه حسين الشهيرة بأن التعليم كالماء والهواء، أبرز فضل أن إشكالية مصر هى أنه لا أحد يقتنع بأن التعليم هو الأهم ويجب أن توجه له الأموال والميزانيات، مشيرا إلى أنه "أجدى من رصف الطرق ومدها، لأن بناء الإنسان أهم من بناء الطرق والكباري". وأشار إلى أن عميد الأدب العربي تعامل بمكر ودهاء قبل قبول منصب وزير المعارف بعدما ضمن فرض شروطه وتخصيص ميزانية خاصة لها، مؤكدا أن "هذا هو عهد الرجال لا يسعون وراء المناصب إلا لو كانت تخدم أداء رسالة". فيما تركزت مداخلة الدكتور محمود الربيعي على المآخذ، فبدأ حديثه بإيضاح أن هناك فرقا بين النقد الموضوعي لفكر الرجل، وبين الطعن فى شخصه ودينه وأسرته، وأبدى رفضه لقراءة لفكر طه نشرها شاعر مرموق فى جريدة الأهرام يقول فيها إن "طه حسين لم يجد الزمن بمثله ولن يجود" واصفاً تلك الأقوال بأنها "مغالاة وشطط وتكرس أننا أمة عاقر لن تأتى بمثله، لكننا فى الواقع أمة ولود". وأشار إلى أن طه قال إن دراسة الآداب لابد لها من مؤهلات عديدة لا تتوفر لكلية دار العلوم وهذه المؤهلات تشتمل على معرفة اللغات اليونانية القديمة والفارسية واللغات الأجنبية الحديثة كالفرنسي والألمانية، فضلا عن الإلمام باللغة العربية بالطبع، متسائلا عن تحقق هذه الشروط فى شخص واحد فى أى زمان ومكان، واصفا ذلك بالتجاوز والمبالغة. وعن موقفه من مجمع اللغة العربية، الذى أنشئ عام 1932 وانضم له طه حسين فى عام 1940 قال الربيعي إن طه حسين اتهم المجمع بأن ليس من عمله أن ينشئ المصطلحات، لكن بعدما انضم له لم يتهم المجمع بأى شيء طوال مدة 33 عام هى فترة وجوده فيه. وفيما يتعلق بتأكيدات طه على أن مصر هى جزء من حوض البحر الأبيض المتوسط وتنتمى للثقافة الأوروبية أكثر، أوضح أن هذا يرجع إلى إعجابه الشديد بالغرب وولعه غير المشروط به بلا حدود -بحسب تعبيره- وهو ما جعله يكاد يقدس عمل المستشرقين إلى الحد الذى يقول فيه أنهم تقدموا بمباحث فى اللغة العربية لم يتقدم إليها العرب، وأنهم فهموا القرآن أفضل مما فهمناه ولو أن أحدا فسر القرآن أحسن من تفسير الزمخشرى لم يكن عليه بأس إذا قدمه على الزمخشرى أو محمد عبده، ويجد الربيعي فى هذا تزيّداً لأن أحداً من المستشرقين لم يزعم بأنه فسر القرآن أفضل من هؤلاء. وزاد بأن "طه حاول إيهامنا أن مصر جزء من حوض البحر المتوسط وهو بذلك سعي لنفى شرقية مصر وتغريبها، لكن مصر لم تتغرّب وظلت كما هى شرقيّة، برغم من ادعاء طه حسين بأن العقل المصري ليس شرقياً، وأن المثل الأعلى المادى للمصري فى حياته هو الأوروبي". وعن قضية كتابه الأشهر "في الشعر الجاهلي" قال الربيعي إن قضية الانتحال فى الشعر الجاهلى معروفة منذ زمن ومطروحة ومفهومة فى ضوء الشفاهية والكتابية وتعدد الرواة والروايات وهذا يحدث فى كل الثقافات، أما أن يقول طه حسين أن أكثر الشعر منحول دون أن يقيم الدليل الديكارتى كما قال هو، فهذا ليس من المنهج في شيء، وأضاف أن الواقع يقول أن طه شكّ فتشكك فأنكر، وأن منهج الشك الديكارتى لكى يستوفي يجب أن يمر ب 4 مراحل هى الشك، التدليل، التركيب ثم الاستقراء. وانتقل الربيعي إلى نقطة أخرى تتعلق بقول طه حسين أن التعليم كالماء والهواء، فأوضح إن إشكالية هنا أن الناس ترجموها على أنها مجانية التعليم، وأن فهم هذا التشبيه جاء على ظاهره، وضرب مثالا فى هذا الصدد، قائلا: إن وصول الهواء إلى الجسم لكى يكون مفيداً يحتاج إلى قناة وصول سليمة، وكذلك الماء لابد له من قنوات للوصول بشكل صحيح وللإفادة منه، متسائلا عن كيفية إعداد القنوات الصحيحة لوصول التعليم المفيد، من إعداد للمعلم والمنهج واللوجستيات الخاصة لتمرير وتوصيل العلم النافع للناس. واختتم الربيعي بأن الشخصية العظيمة تكون ذات أبعاد متعددة وتمتلك عقلا ذا أخاديد عميقة، وتثير الجدل فى عموها، وقد كان طه حسين مثالا لذلك فقد ملأ الدنيا وشغلها ومازال يشغلها حتى الآن.