نشرت مؤسسة الإصلاح العربى ورقة بحثية للمحامية الليبية «عزة المقهور»، والتى تتطرق إلى الشق الأول من خطة مبعوث الأممالمتحدة فى ليبيا «غسان سلامة» والمتعلق بالمسار الديمقراطى والسياسى، كما تقدم مجموعة من الملاحظات القانونية حولها. بداية ذكرت الكاتبة أن ليبيا خاضت مسارا ديمقراطيا من خلال ثلاثة انتخابات عامة ولكن هذا المسار توقف منذ منتصف 2014، كما أصبحت المعضلة الليبية فى أيدى المجتمع الدولى والذى يتمثل فى الأممالمتحدة وعدة دول أخرى، للوصول إلى عرض السيد الممثل الأمين العام ورئيس الأممالمتحدة للدعم فى ليبيا خطة بشأن ليبيا فى جلسة خاصة يوم 20/9/2017 والتى لاقت قبولا دوليا واختلافا على المستوى الداخلى. ونتيجة لذلك يتبين أن ليبيا أمام خيارين، يتمثل الخيار الأول «المسار الديمقراطى» فى المضى قدما نحو مشروع الدستور المقدم من قبل الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور والمحال إلى مجلس النواب وطرحه على الاستفتاء، والمسار الآخر وهو «المسار الدولى» والذى يتمثل فى التعامل مع خطة السيد غسان سلامة. ولا بد من المزج بين المسارين الوطنى والدولى بسبب عجز المسار الوطنى عن النجاح لوحده نظرا لهشاشة وضعف المؤسسات الوطنية الليبية. مبادرة مبعوث الأممالمتحدة فى ليبيا «غسان سلامة»: تتلخص المبادرة فى مرحلتين: المرحلة الأولى والتى تتعلق بالمسار الديمقراطى: 1 تعديل الاتفاق السياسى من قبل اللجنة المشكلة لصياغة هذه التعديلات استنادا للمادة (12) من الاتفاق السياسى. 2 عقد مؤتمر وطنى تحت رعاية «الأمين العام للأمم المتحدة» ويحضره كل من أعضاء مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة وغيرهم من غير الممثلين فى هذين المجلسين. أن يقوم هذا المؤتمر باختيار أعضاء المؤسسات التنفيذية التى أعيد تشكيلها على أساس توافقى، وتقديم مقترحات بشأن تعديل الدستور. 3 أن يعمل كل من مجلس النواب والهيئة التأسيسية لصياغة الدستور بشكل متوازِ، على أن يكمن دور الهيئة التأسيسية فى القيام بمراجعة عملها وتنقيحه مع الأخذ فى الاعتبار ملاحظات المؤتمر الوطنى، أما مجلس النواب فيقوم بإصدار التشريعات الخاصة بالمرحلة المقبلة (قانون الاستفتاء، قانون الانتخابات البرلمانية والرئاسية). المرحلة الثانية: 1 ضرورة تنفيذ مخرجات المرحلة الأولى والعملية الأمنية والعسكرية. 2 استعداد المفوضية العليا للانتخابات للأحداث الانتخابية المقبلة. 3 إقامة حوار مع الجماعات المسلحة بهدف دمج أفرادها فى العملية السياسية. 4 مبادرة توحيد الجيش. 5 إجراءات حاسمة لمعالجة قضية النازحين. سوف تركز الكاتبة فى هذه الورقة البحثية على المرحلة الأولى من المبادرة دون الثانية، كما ستقوم بإبداء الملاحظات القانونية حول تلك المرحلة. الإعلان الدستورى: صدر الإعلان الدستورى عن المجلس الوطنى الانتقالى «غير المنتخب» بتاريخ 3/8/ 2011، وهى وثيقة تم التوافق عليها وأجريت عليها تعديلات عديدة. كما تعد وثيقة دستورية سارية، ولكى يصبح الاتفاق السياسى وتعديلاته مجدية على المستوى الوطنى فيجب أخذ هذا الإعلان بالاعتبار عند وضع التعديلات، والتى يجب أن تنتهى بالاتفاق السياسى. المادة 12 من الاتفاق السياسى الليبى: ورد فى خطة السيد «غسان سلامة» أن التعديلات المتعين القيام بها يجب أن تستند إلى المادة (12) من الاتفاق السياسى والتى تقتضى بما يلى: «تستمد جميع المؤسسات المنصوصة عليها فى الاتفاق السياسى الليبى شرعيتها من الاعلان الدستورى وتعديله الملحق بهذا الاتفاق، بعد إقراره كاملا وتوقيعه ودخوله حيز التنفيذ. وفى حال اقتضى الأمر إجراء تعديل لاحق للإعلان الدستورى يمس الاتفاق أو إحدى المؤسسات المنبثقة عنه بشكل مباشر أو غير مباشر؛ يلتزم مجلس النواب ومجلس الدولة بالتوافق فيما بينهما على صيغة هذا التعديل على أن يتم إقراره نهائيا، دون تعديل، من مجلس النواب وفقا للآلية الواردة بالإعلان الدستورى». توضح الكاتبة التحفظات القانونية حول تلك المادة، بأنها تتعلق بتعديلات لاحقة على دخول الاتفاق السياسى حيز النفاذ، وهو ما لم يحدث. وإن تطبيقها يفترض أن يقوم مجلس الدولة بإعادة تركيب ذاته وفقا للاتفاق السياسى وليس كما فعل بالمخالفة له. وتضيف الكاتبة بأن خطة السيد «سلامة» تتحدث عن انضواء كل من مجلس النواب ومجلس الدولة «المؤتمر الوطنى العام بكامل أعضائه» فى إطار ما يعرف بالمؤتمر الوطنى الجديد، مما يعنى أن مجلس الدولة سيصبح طرفا فى المؤتمر الوطنى الجديد. التعديلات المطروحة للاتفاق السياسى: من الواضح أن ممثل الأمين العام للأمم المتحدة قد لاحظ الإشكالات التى وردت فى الاتفاق السياسى والتى جعلته غير قابل للتطبيق. يتبين من خلال عدة مصادر وتصريحات للسيد «سلامة» أن التعديلات ليست تجميلية بل جوهرية. فالقول بتقليص المجلس الرئاسى إلى ثلاثة لابد وأن يتم التطرق فيه إلى آلية التصويت، كما أن تشكيل السلطة التنفيذية من شقين: رئيس دولة ورئيس حكومة يستوجب إعادة ترتيب الاختصاصات التنفيذية فيما بينهما، ومسألة المادة (8) أيضا يستلزم لتعديلها إعادة النظر فى مسألة من يتولى الشأن العسكرى فى البلاد. كما أن دخول كل من أعضاء مجلس النواب ومجلس الدولة ضمن المؤتمر الوطنى الجديد؛ يطرح التساؤل حول إبقاء اختصاصاتهما بحالتها الراهنة. كما يثير التساؤل حول ما إذا كان مجلس الدولة سيبقى بعد استعادة تشكيله السابقة أم أنه سيذوب ضمن المؤتمر الوطنى الجديد، وغير ذلك من نقاط تعتبر فى مجملها جوهرية. وبملاحظة هذه التعديلات يبدو جليا أنها ليست محدودة ولن تطال مواد بعينها فقط، بل ستطال عدة مواد أخرى مرتبطة بها. فلا يتصور أن تبقى المقدمة والديباجة كما هما، ولا الأحكام الإضافية ولا الختامية ولا الملاحق. لذلك فإن من اللازم أخذ ذلك بالاعتبار. التعديلات الجوهرية الأخرى فى خطة السيد سلامة: لم تتوقف خطة السيد سلامة عند تعديلات تطال تشكيل السلطة التنفيذية والمادة (8) للأحكام الإضافية للاتفاق السياسى؛ بل امتدت لأبعد من ذلك، لتمس مسائل جوهرية فى لب المسار الديمقراطى وأهمها: 1 المؤتمر الوطنى الجديد والذى سيشمل كلا من مجلس النواب والمؤتمر الوطنى العام وأفرادا وكيانات أخرى. 2 تمديد عمل الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور وطريقة عمله، مما سيؤدى إلى تعديل الجزء الخاص بالعملية الدستورية. 3 الجزء المتعلق بالمجلس الأعلى للدولة، كونه سيخضع للتوسعة وسيصبح طرفا فى المؤتمر الوطنى. 4 الجزء المتعلق باختصاصات مجلس النواب وتحديدها فى مسائل معينة. 5 النص المتعلق بحل المنازعات. 6 النظر فى الحاجة لتعديل النصوص ذات العلاقة بالجماعات المسلحة على ضوء المرحلة الثانية من الخطة. يبدو أن هناك تعديلات جوهرية فى خطة السيد سلامة والتى ستتجاوز الاتفاق السياسى الحالى، وتمضى به إلى مسار مختلف يجعل من اتفاق الصخيرات القائم حاليا مجرد اتفاق إطار. لجنة صياغة التعديلات: إن نجاح هذه الخطة من عدمه سيتوقف على انطلاق «لجنة صياغة التعديلات الدستورية»، والتى على ما يبدو ستشكل من أعضاء مختارين من كل من مجلس النواب ومجلس الأعلى للدولة. ترى الكاتبة بأنها بداية غير موفقة وليس لها سند قانونى. فالمادة (12) التى تستند إليها خطة السيد سلامة، لا تنطبق على هذه الحالة بل تنطبق على التعديلات اللاحقة على دخول الاتفاق السياسى حيز التنفيذ وليس قبله. إضافة إلى إشكالية تشكيل مجلس الدولة، وإلى اتجاه الخطة المطروحة من قبل السيد سلامة لإدخال بقية أعضاء المؤتمر الوطنى العام ضمن المؤتمر العام الجديد. كما أن هذه الخطة الموسعة تتعدى الاتفاق السياسى ذاته وأدواته (بما فيه مجلس الدولة الحالى). والأهم هو حجم التعديلات المتوقعة وحاجتها لمتخصصين ومهنيين، ناهيك عن أن عبء القيام بها لا يمكن أن يوكل للجنة سياسية وغير متخصصة، كما لا يمكن أن يوكل الأمر للجنة دولية كما حدث فى السابق؛ مما أدى إلى القصور فى بنية الاتفاق السياسى وعجزه عن التطبيق. نظرا لتعقيد مسألة التعديلات وحجمها، تقدم الكاتبة عدة اقتراحات منها: 1 اختيار لجنة الصياغة من خارج لجنتى الحوار، وأن يتم تشكيلهما من المهنيين المستقلين، وأن تعمل بالتعاون مع بعثة الأممالمتحدة للدعم فى ليبيا. 2 توسعة تشكيل مجلس الدولة ليشمل المؤتمر الوطنى العام ما قبل انتخابات مجلس النواب 2014. 3 نظرا لتوسع المشاركة فى الفترة الانتقالية المقبلة وتقليص الاختصاصات؛ فإنه من المتعين التزام المجالس الحالية والتى سيتم توسيعها بتقليص مرتباتها ومزاياها، تمهيدا لانطلاق مرحلة انتقالية جديدة تسبق المرحلة المستقرة. 4 تقوم لجنة الصياغة بحصر المواد المتعين تعديلها، على ضوء خطة السيد سلامة. 5 تضع لجنة الصياغة فصلا جديدا عن المؤتمر الوطنى الجديد واختصاصاته ومدته وعلاقته بالمؤسسات الأخرى وآلية التصويت فيه. 6 يقوم مجلس النواب بإصدار الاتفاق السياسى المعدل والمتوافق عليه كتعديل عاشر للإعلان الدستورى. 7 ينعقد المؤتمر الوطنى الجديد بناء على التعديل الدستورى العاشر، وتباشر كل الأجهزة المشار إليها فى الخطة عملها خلال المدة المحددة فى الاتفاق السياسى المعدل. ختاما، تعتبر خطة السيد «سلامة» بمثابة اتفاق جديد ينطلق من اتفاق «الصخيرات»، مما يعنى الحاجة الماسة لانطلاقة صحيحة بعيدا عن سلبيات اتفاق الصخيرات ومعوقاته، كما أن الخطة بحاجة للخبرة الوطنية لترجمتها على أرض الواقع، ولنجاحها يتعين أن تتعاون الخبرات الوطنية مع خبرات بعثة الأممالمتحدة للدعم فى ليبيا. النص الأصلى: