انقضت 5 سنوات على آخر مرة جلس فيها دياكالا سانوجو بمحطة عمله في برج المراقبة الجوية بمطار تمبكتو في شمال مالي المضطرب. ويحدق موظف مراقبة الحركة الجوية في ثقب غائر بلوحة التحكم، اعتاد أن يكون به جهاز اللاسلكي ذو موجات البث عالية التردد في المحطة. ويقول سانوجو وهو ينظر من خلال نافذة محطمة على مدرج يكسوه التراب: «لدينا وظيفة يجب القيام بها لإعادة هذا المكان إلى حالته». وتنفق الأممالمتحدة 51 ألف دولار لإعادة تشغيل برج الحركة الجوية مرة أخرى في مدينة تمبكتو التاريخية ذات الشهرة العالمية، وهدفها من وراء ذلك هو أن يتم تشغيله بحلول نهاية العام. ويعتبر هذا الاستثمار جزءً من برنامج أوسع لإعادة بناء اقتصاد شمال مالي في أعقاب أنشطة الجهاديين والتمرد الانفصالي الذي سيطر على المنطقة في أعقاب الانقلاب العسكري في عام 2012. وتسبب ذلك النزاع في تدخل عسكري فرنسي في يناير 2013 ونشر قوة حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة قوامها 12 ألف فرد، فيما يعرف باسم «بعثة الأممالمتحدة المتكاملة متعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي»، بعد عدة أشهر. وتهدف عملية إعادة تأهيل تمبكتو، وهي أحد مواقع التراث العالمي للأمم المتحدة، وكانت تستقطب الآلاف من السياح كل عام، إلى إرسال إشارة مفادها أن الإرهاب الآن تحت للسيطرة. وتعرض اقتصاد تمبكتو لأزمة طاحنة بسبب أعمال التمرد، فقد تم تدمير العديد من المعالم التاريخية والدينية في المدينة، بما في ذلك الأضرحة والمساجد والمقابر التي مر عليها مئات الأعوام. كما أشعل المتمردون النار في مكتبة تمبكتو الشهيرة، وأحرقوا مخطوطات وكتبا، يعود بعضها إلى القرن ال13. وتم إغلاق أكثر من 20 فندقا في المدينة، وإنهاء عمل المرشدين والعاملين في المكاتب والحراس والسائقين والعاملين بالنظافة. وتم تشغيل مطار تمبكتو في السنوات ال5 الماضية من قبل الأممالمتحدة، لأغراض عسكرية وإنسانية بحتة. والشيء الوحيد الذي يُذكّر بشركة طيران مالي التي لم يعد لها وجود هي طائرة محطمة مستلقية في الرمال قبالة المدرج. وقد أعادت قوات حفظ السلام السيطرة الحكومية والسلامة النسبية. وأدى تواجدهم إلى إعادة فتح المستشفى والعديد من العيادات والمدارس، مما أدى إلى ظهور أعمال غير منتظمة تتراوح بين وظائف الحراسة إلى العمل في صناعة البناء والتشييد. وخلال الأشهر الماضية، قامت الأممالمتحدة بإضاءة الشوارع بالطاقة الشمسية وأقامت نقاط تفتيش جديدة للجيش المالي. وقامت الأممالمتحدة بتجديد وإضاءة الاستاد الرياضي، وإصلاح مبان مثل مركز الشرطة والمحكمة والسجن، وأعادت عمال البناء المحليين للعمل في المنازل المزدحمة، وأعادة بناء سوق السمك في المدينة. وقام جنود حفظ السلام التابعون للأمم المتحدة بحفر الآبار وإصلاح الطرق وإعادة تشغيل اثنتين من سفن الشحن التي تعبر نهر النيجر لإدخال الفواكه والخضروات الطازجة من جنوبمالي. وفي جميع أنحاء شمال مالي - في أقاليم تمبكتو وجاو وكيدال المنكوبة بالصراعات - تقول البعثة الأممية إنها أنفقت 55.3 مليون دولار على مشاريع مماثلة منذ عام 2013. وهذا البرنامج عمل ينطلق بوازع الثقة في ظل سلام هش. كما يرحب السكان بوجود قوات حفظ السلام وأنشطتهم. وتقول كاديديا أكولو، التي تعمل في تمبوكتو لصالح مؤسسة «سترومستيفتلسن» الخيرية النرويجية للتمويلات متنهاية الصغر: «إذا لم تكن البعثة المتكاملة موجودة هنا، فلن تكون هناك وظائف، وسوف ينضم الشباب إلى الجماعات المسلحة». ويقول موسى إبراهيم، 22 عاما، وهو سائق عربة يجرها حمار وينقل الأحمال الثقيلة للشركات، لوكالة الأنباء الألمانية «د.ب.أ»، إن الطريق الرئيسي الجديد الذي تم إصلاحه بأموال البعثة المتكاملة يجعل حياته أسهل. ويضيف: «هناك الكثير من أعمال البناء في تمبكتو الآن». ولكن إعادة فتح المطار هي الأمر الذي من المفترض أن يعيد تمبكتو حرفيا إلى الوجود. ويقول كريس أوبراين، وهو مستشار في بعثة الأممالمتحدة المتكاملة متعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي، وطيار متقاعد من القوات الجوية البريطانية: «بمجرد أن تبدأ الخدمات الجوية، يمكن للطائرات الدخول، ويمكن لرجال الأعمال الدخول، ويمكن للأسر الدخول وهذا يخلق دفعة حقيقية للاقتصاد». وقد عمل أوبراين على نقل سانوجو و3 من زملائه الماليين الآخرين من هيئة الحركة الجوية الاقليمية لغرب أفريقيا (اسينا) من العاصمة باماكو الواقعة في الجنوب السلمي والمستقر للدولة الكائنة في غرب أفريقيا. ولكن سانوجو وزميله أداما دياكيت لا يزالان متشككين بشأن خطط الأممالمتحدة الطموحة، ويصران على أن أسرتيهما ستبقيان في أمان بالعاصمة - في حال استدعائهما للعمل في تمبكتو. ولا تزال أنشطة المتمردين والعمليات العسكرية مستمرة في المنطقة، على الرغم من توقيع اتفاقات سلام مختلفة. وفي مارس، احتل المتمردون المسلحون لفترة وجيزة عدة مواقع عسكرية في تمبكتو، وتبادلوا إطلاق النار مع الجنود. وفي الشهر الماضي على بعد 150 مترا من برج المراقبة الجوية قام إرهابيون إسلاميون مرتبطون بتنظيم القاعدة بقتل جندي ليبيري من عناصر حفظ السلام وجرح 9 آخرين عندما أصاب صاروخ قاعدة الأممالمتحدة في المطار. وبعد 4 أسابيع، قصفت القاعدة مرة أخرى، مما أدى إلى إصابة عدة جنود. ويعترف سانوجو بأن «الوضع في الشمال غير مستقر، فهناك هجمات كل يوم في الشمال، ولا بد أن أفكر بشكل واقعي في فكرة العودة إلى تمبكتو». ويضيف زميله دياكيت: «تمبكتو ليست مقر للأسرة».