لم يكن هيلموت كول مجرد سياسى ألمانى، التقط هدية الانتفاضات التاريخية الحاصلة فى أوروبا الشرقية أواخر ثمانينيات القرن الماضى، وقام بتوحيد بلاده، بعد صرارعات مريرة بين الشيوعية والرأسمالية، بل أيضا كان أحد مؤسسى وحدة أوروبا بصيغتها الحالية. وبوفاته أمس ترك المستشار الألمانى السابق إرثا كبيرا على الصعيدين الوطنى والأوروبى. وذلك بعد أن قضى 16 عامًا فى منصب المستشارية وما يقرب من ربع القرن فى منصب رئيس الحزب الاتحاد الديمقراطى المسيحى الألمانى. تمتلئ حياة كول الذى ولد فى 3 إبريل 1930 فى مدينة لودفيجسهافن بولاية راينلاند بفالز غربى ألمانيا، لأسرة كاثوليكية متدينة، بالأحداث السياسية. فبعد أن أتم وهو فى سن الخامسة عشرة، تدريبا مهنيا فى الاقتصاد الزراعى، وحصل على الثانوية العامة عام 1950، والتحق بجامعة فرانكفورت لدراسة التاريخ والقانون، واصل دراسة هذين التخصصين بجامعة هايدلبيرج وتخرج فيها عام 1956، وحصل بعد ذلك بعامين على درجة الدكتوراه فى العلوم السياسية. \وبعد حصوله على الدكتوراه، عمل باحثا فى اتحاد الصناعات الكيميائية بمسقط رأسه فى لودفيجسهافن. إلى أن انخرط فى السياسة والتحق بالحزب المسيحى الديمقراطى وهو فى سن السادسة عشرة، وتدرج فى مستوياته التنظيمية، ودخل عام 1959 على قائمته البرلمان المحلى لولاية راينلاندبفالز. أصبح كول عام 1963 رئيسا لكتلة حزبه ببرلمان راينلاندبفالز، وبعد ثلاثة أعوام انتخب رئيسا للحزب فى الولاية، ودخل مجلس قيادة الحزب على المستوى الاتحادى، واختير عام 1969 نائبا لرئيس الحزب الذى وأصبح أصغر قياديه. وتولى رئاسة حكومة ولاية راينلاندبفالز فى الفترة من 1969 حتى 1976. وفى عام 1973 انتخب كول رئيسا للحزب المسيحى الديمقراطى، ودخل البرلمان الألمانى (البوندستاج) عضوا فيه خلال الفترة 19762002. فى عام 1982 فاز كول بمنصب مستشار ألمانيا، خلفا لسلفه الاشتراكى الديمقراطى هيلموت شميت، وانتخب مجددا مستشارا بعد فوز حزبه بالأغلبية فى الانتخابات المبكرة التى جرت عام 1983، وأعيد انتخابه بعد فوز الحزب بالانتخابات المتتالية التى جرت أعوام 1987 و1990 و1994. هيلموت كول، من دون أدنى شك، هو مستشار الوحدة الألمانية. فقد كان السياسى الذى تحدى التردد والمخاوف والتحفظات فى الداخل والخارج. وابتداء من نوفمبر من عام 1989، سعى جاهدًا إلى الوحدة الألمانية، وحققها أخيرًا فى الثالث من أكتوبر من عام 1990، وصار فى نظر البعض بسمارك القرن العشرين. ولكول أيضا دورًا واسعًا فى بناء الوحدة الأوروبية بصيغتها الحالية، حيث كان مؤسسًا مشاركًا للعملة الأوروبية، اليورو. إذ أدرك مفكرًا بالخطوط التاريخية الكبيرة أن مساندة التغلب على مشاعر الاستياء المحتملة فى فرنسا وبريطانيا وغيرهما من دول الاتحاد الأوروبى ما كانت ممكنة إلا من خلال خلق عملة مشتركة، يحملها المارك الألمانى القوى على عاتقة.