تنسيق الجامعات 2025.. 6 قواعد مهمة لجميع الشهادات للقبول بالكليات    افتتاح المركز التكنولوجي لخدمة المواطنين والمستثمرين بجهاز مدينة العلمين الجديدة    بعد أيام من المكاسب.. استقرار أسعار الذهب خلال تداولات اليوم الخميس    وزير الإسكان يُصدر 17 قرار إزالة لمخالفات بناء وتعديات بمدينة السادات    تفاصيل اجتماع الحكومة لبحث منظومة زراعة قصب وبنجر السكر ومنظومة الإنتاج في مصر    حماس تحذر أهالي غزة من التعامل مع مؤسسة غزة الإنسانية لتوزيع المساعدات    خلال الاجتماع الوزاري لمجلس السلم والأمن الإفريقي.. مصر تجدد دعمها الكامل للصومال لتحقيق الاستقرار    «رايان إير» تلغي 170 رحلة بسبب إضراب مراقبي الحركة الجوية بفرنسا    برلماني: فرض إسرائيل سيادتها على الضفة انتهاك صارخ يُشعل الشرق الأوسط    الزمالك يستعد لإعلان تعيين البلجيكي يانيك فيريرا مدربًا جديدًا للفريق    جدارية جديدة ل «جوتا» خارج ملعب أنفيلد    وداعا دييغو جوتا.. نعي مؤلم من نجوم ليفربول بعد رحيله المفاجئ    «الرياضة» توافق على تسهيلات ائتمانية لأندية الأهلي والزمالك والاسماعيلي والمصري والاتحاد السكندري    تباين آراء طلاب الثانوية العامة بكفر الشيخ حول امتحاني الكيمياء والجغرافيا // فيديو    حبس الأب المتهم بقتل أطفاله الثلاثة في المنيا 4 أيام على ذمة التحقيق    وفاة وإصابة 11 شخصًا في انفجار خزان ضغط هواء في الدقهلية    إطلاق أسماء الفتيات ضحايا حادث الإقليمي في نصب تذكاري علي أكبر مدارس القرية    إصابة طالب بمغص معوي خلال امتحانات الثانوية العامة بقنا    تواصل أعمال البحث عن 4 مفقودين في حادث غرق حفار جبل الزيت    صدمة ل كريم عبدالعزيز بسبب فيلم المشروع X الأربعاء    ليست أول مرة.. أبناء عمرو دياب يغنيان مع والدهما في ألبومه الجديد "ابتدينا"    قصر ثقافة الطفل ببنها يقيم حفل توقيع "سرب الكتب الطائرة" لمحمود أبو عيشة    محافظ المنوفية يطمئن على الحالة الصحية لمصابي حادث الإقليمي بمستشفى الجراحات المتخصصة    أسوان تنضم رسميًا إلى منظومة التأمين الصحي الشامل    «صحة دمياط» تقدم الخدمة الطبية ل 1309 مواطنًا في منطقة مساكن الستين والسبعين بالحي الرابع    آبي أحمد: تدشين سد النهضة رسميا في سبتمبر وندعو مصر والسودان للمشاركة بالحفل    حزب الجبهة الوطنية ينضم رسميا للقائمة الوطنية في انتخابات مجلس الشيوخ    مطروح تحتفل بالذكرى ال12 لثورة 30 يونيو المجيدة.. صور    برلماني: خطاب 3 يوليو كتب شهادة وفاة الإخوان وأنقذ الدولة من الفوضى    جيش الاحتلال يعتقل 21 فلسطينيا في الضفة الغربية بينهم طلاب ثانوية    إخلاء قرى في غرب تركيا مع توسع الحرائق بفعل الرياح    تمديد الاعتماد الدولي لكلية الصيدلة بجامعة عين شمس حتى 2029    وزيرة التخطيط تشارك في افتتاح المركز التكنولوجي لخدمة المواطنين بالعلمين    أسواق الدواجن والبيض اليوم الخميس 3 يوليو 2025    نقابة الموسيقيين تُقيم عزاء للمطرب الراحل أحمد عامر    رضوى الشربيني توجه رسالة دعم ل شيرين عبدالوهاب: "الناس زعلانة منك عليكي"    معرض الفيوم للكتاب يخطف الأنظار.. إقبال لافت وورش الأطفال تتحول إلى ساحات إبداعية    أمين الفتوى: التدخين حرام شرعًا لثبوت ضرره بالقطع من الأطباء    من يتحمل تكلفة قيمة الشحن في حال إرجاع السلعة؟.. أمين الفتوى يجيب    مجدي الجلاد ينتقد تعليقات التشفي بعد وفاة المطرب أحمد عامر: هل شققتم عن قلبه؟    محافظ المنوفية يطمئن على الحالة الصحية لمصابي حادث الإقليمي بمستشفى الجراحات المتخصصة    شرطي وهزيمة بخماسية.. من هو داني ماكيلي حكم مباراة الهلال وفلومينينسي؟    رغم الإصابة.. الأهلي يقرر اصطحاب إمام عاشور لمعسكر إسبانيا    نائب وزير الصحة يتفقد مستشفى حلوان العام: إجراءات عاجلة لتقليل زمن الانتظار    خطوات وإجراءات وأوراق توصيل الغاز الطبيعى للمنازل    ماذا قدم محمد شريف مع الأهلي قبل العودة لبيته فى الميركاتو الحالى؟    حكم صيام يوم عاشوراء وإفراده بالصيام.. دار الإفتاء تجيب    وزارة الأوقاف توضح القيم المشتركة بين الهجرة النبوية وثورة 30 يونيو    هشام جمال يحتفل بتخرج زوجته ليلى.. وأحمد زاهر: ربنا يبعد عنكم العين    بن جفير: لن أسمح بتمرير صفقة فى غزة وآمل أن ينضم إلى سموتريتش    مصرع 4 أشخاص وفقدان 38 آخرين إثر غرق عبارة فى إندونيسيا    أول تعليق من نادى ليفربول بعد وفاة ديوجو جوتا    عميد معهد القلب الأسبق يفسر أسباب وفاة المطرب أحمد عامر    توقعات بإعلان توفير 115 ألف وظيفة جديدة في أمريكا خلال يونيو الماضي    «فاقد الشغف ولا يستحق الاستمرار مع الفريق».. أيمن يونس يفتح النار على نجم الزمالك    تسريب امتحان الكيمياء للثانوية العامة 2025.. والتعليم ترد    أب ينهي حياة أولاده الثلاثة في ظروف غامضة بالمنيا    تريلا تدهس 7 سيارات أعلى الطريق الدائري بالمعادي.. صور    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شجرة النارنج لا تموت
نشر في الشروق الجديد يوم 14 - 12 - 2016

«نبشر قشر النارنج قليلا حتى نزيل طبقة الجلد الخارجية الرقيقة، ثم نقطع القشرة بسكين حادة إلى ثمانية أجزاء متساوية وننزعها من الثمرة برفق حتى تبقى المثمنات سليمة دون أن تنكسر، فسوف نحتاجها كما هى دون أن نقصها. نعيد الكرة مع كل حبات النارنج التى نريد أن نعمل منها مربى. ننقع القشور فى ماء عذبة ونغير الماء عدة مرات لمدة يوم كامل على الأقل حتى تتخلص القشور تماما من المرارة، فالنارنج هو برتقال مر لا يمكن أكله لذا نعمل منه مربى. حين تصبح القشور جاهزة نبدأ عملية عقدها بالسكر والماء.» أذاكر التعليمات جيدا وهى تصلنى على الهاتف عبر القارات.
فى الطبق الفضى، رصت جدتى قشور النارنج بعد أن عقدتها فى السكر ثم صفتها منه ودعكتها بالسكر الخشن فصارت تلمع فى ضوء الشمس الذى يغرق مطبخها القديم بنور دافئ. الفصل هو فصل الشتاء فى دمشق وفى مطبخها تختلط رائحة البرتقال برائحة السكر على خلفية رائحة المازوت، الذى يستخدمه السوريون عموما فى بيوتهم للتدفئة ونستنشق بقاياه فى الشارع أيام البرد، فمن من النادر أن يكون فى البيت السورى مصدر كهربائى للتدفئة.
•••
أدوس زرار الزمن فى مخيلتى فأجد نفسى فى بيتنا فى دمشق وقد توفيت جدتى منذ عدة سنوات، لكننى أجلس على طاولة المطبخ أراقب والدتى وهى تعيد نفس حركة جدتى فتلف قشور النارنج فى السكر الخشن وتتلألأ القشور فى شمس الشتاء بعد أن رصتها والدتى على صينية استعدادا لأن تقدمها لصديقاتها حين يزرنها. من حيث أجلس على كرسى المطبخ، أرى شجرة النارنج فى الحديقة تحمل ثمارها كامرأة اكتمل حبلها فزادها جمالا، تتمايل أغصانها حين ينفخ فيها هواء الشتاء فتبدو وكأنها تهز أذنيها وبهما أقراط ماسية تفخر بهما.
فى سوريا صنع المربى فن عريق قائم بذاته، تدخل فيه أنواع من الثمار لا تستعمل فى بلدان أخرى للمربى. فى حلب تحديدا مدرسة خاصة لعقد ما قد يبدو غريبا، فمن يذكر طعم الباذنجان الصغير بعد أن يصفى من السكر ويتم حشوه بالجوز المطعم بالبهارات؟ خليط قد لا يخطر على بال أحد لكن حين تذوب لقمة منه فى الفم يتساءل من يأكله للمرة الأولى «كيف عشت حياة كاملة دون مربى الباذنجان».
أما ثمرة الكباد، فهى تبدو فى شكلها وكأنها الشقيقة الأكبر سنا للبرتقال، بسبب حجمها وتضاريس ملمسها التى تظهر وكأنها تجاعيد على بشرتها، فالمربى المستخرج منها يعده الكثيرون ملك المربى، لما فى صنعه من حرفة وفى طعمه من أناقة. هذه المربيات لا تؤكل مع الخبز أو مع الزبدة، هى قطع فنية يجب أولا الانبهار بشكلها وبملمسها، ثم استنشاق عطرها الليمونى ففرك سطحها ولعق السكر الذى يلتصق بإصبعنا قبل أن ندعها تذوب فى فمنا فيتوقف فينا الزمن لحظات كفيلة بأن تنقلنا إلى السوق القديم. هناك، تفاصل سيدة البائع فى سعر الجوز فتعده بأنه لو خفض لها السعر فستعطيه مطربانا صغيرا من مربى الباذنجان المحشو به. هناك، تطفر رائحة القرفة على المكان فهى من أقوى روائح البهارات وأنا أشمها من حيث أجلس على بعد آلاف الكيلومترات وآلاف الأزمنة أتابع أخبار الموت.
•••
فى مطبخى القاهرى، أبشر قشر البرتقال لأعطر فيه كعكة أريد خبزها. أفرك القشر بين يدى فيخرج منها مطبخ والدتى ومن قبله مطبخ جدتى. على أصابعى زيت البرتقال وأحاول أن أجعل رائحته تخمد ذلك الصوت فى رأسى، صوت طفلة فى حلب تستغيث تحت الركام. أتابع بشر البرتقالة فأرى حديقة منزلى فى دمشق وقد حملت أشجار النارنج والكباد فى غيابنا. أخلط قشر البرتقال مع السكر والقرفة فتظهر عينا جدتى الزرقاوان، وهى تحاول إقناعى أن أتناول قشرة نارنج بدل من حبة حلوى.
أنا لم أتقن فن صنع المربى ولم أكن أهتم به من قبل، فقد كنت دوما محاطة بمصادر للمطربانات القصيرة الشفافة التى يغطى وجهها قطعة من قماش التول الأبيض المثبت على الإناء بخيط مطاطى، كانت ترسلها لى والدتى أو جدتى أو قريبتى فى حلب على مدى السنة حيثما كنت أعيش، فترى مربى النارنج فى بيتى فى السودان أو قطع الكباد فى شقتى فى نيويورك. كانت تلك المطربانات تشبه العروس فى نظرى، بسبب قطعة التول الأبيض الذى يغطى وجهها كالطرحة ليلة عرسها. اليوم، فى مطبخى القاهرى، أتساءل إن كنت سأبدأ بتعلم الصنعة وفاء لمدينة والدى التى تختفى تحت رمال الحرب المتحركة. أم أننا يجب أن نعلن الحداد فنتوقف عن عقد السكر بالماء وعن تحويل ثمرة النارنج المرة إلى قطعة حلوى شفافة كالكريستال؟ اليوم فى مطبخى القاهرى يبدو لى مطربان المربى كجثة طفل لفها أهله بكفن أبيض، تخرج منه رائحته ماء زهر البرتقال التى رشوها عليه وهم يودعوه، مازال جلده دافئا ووجهه مرتاحا فى موته. اليوم، لا سكر معقود فى حلب فقد رش الموت على أهلها فلفلا أسود خنقهم. لكن صوت جدتى التى رحلت منذ سنوات يدخل على عتمتى اليوم وأسمعها تقول: «اتذكرى أنه شجرة النارنج معمرة ودايما خضرا ما بتموت».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.