عندما يفرج رئيس الجمهورية عن 82 مسجونا سياسيا فهناك ثلاث طرق للتعامل السياسى والإعلامى مع هذا الموضوع. الأول أن يتم الإشادة به على طول الخط باعتباره قد أنهى مسألة المحبوسين والمسجونين والمقبوض عليهم منذ عام 2011 أو 2013 وحتى الآن. والثانى أن يتم رفضه تماما والتعامل معه باعتباره لا قيمة له الآن هناك آلاف المحبوسين الآخرين لم يتم الإفراج عنهم. والطريق الثالث: أن نوجه الشكر للرئيس والحكومة ولكل الأجهزة ذات الصلة بالملف، ثم نطلب المزيد من عمليات الإفراج عن كل شخص برىء أو مظلوم أو حتى مخالف للقانون، لكنه ليس إرهابيا، حتى نصل إلى نهاية لهذا الملف المحزن والمؤسف والمعوق لأى استقرار نفسى واجتماعى وسياسى وأمنى فى البلاد. ولأن الاستقطاب مايزال هو اللغة المسيطرة على معظم حياتنا، فقد كان منطقيا أن نرى التعامل مع هذا الملف بصورة الأبيض والأسود فقط، وكان طريفا وغريبا أن يتفق المتطرفون فى الجانبين على موقف واحد، أقصد أنصار جماعة الإخوان وسائر القوى المتطرفة، وأنصار المتطرفين فى حب الحكومة، وأجهزة الأمن الذين لا يريدون خروج أى محبوس أو سجين حتى لو كان بريئا. تابعت ردود فعل الجانبين فكانت من وجهة نظرى كارثية: بقايا أنصار نظام مبارك يرون فى مجرد خروج 82 سجينا نهاية العالم، ومكافأة للمجرمين وتفريطا فى الأمن وإهدارا لحقوق وأرواح الشهداء من الجيش والشرطة والشعب!!. وأنصار الإخوان لا يرون أى ميزة ولو نسبية فى خروج 82 شخصا، لانهم يريدون فقط خروج أعضاء الجماعة أولا وقبل كل شىء. شخصيا.. أنا مع الفريق الثالث الذى يرحب بالخطوة ويطالب بالمزيد، ويشكر كل من ساهم فى عملية الإفراج. تقديرى المتواضع أن خروج سجين واحد يعنى نهاية أحزان وقلق أسرته الصغيرة وأقاربه وأصحابه وكل من يعرفه، هو يعنى تفكيك حالة حزن، وإنهاء احتقان وغضب مكتوم وظاهر يمكن أن ينفجر فى أى لحظة. سمعت قصصا وحكايات كثيرة عن مسجونين ظلما، ورغم ذلك رأيت فرحة أهاليهم عندما خرجوا. أعلم وأعرف وأقر أن هناك كثيرين تم القبض عليهم إما ظلما أو جهلا أو نقص كفاءة من أجهزة الأمن. عرفت أيضا أن هناك قصصا خرافية عن الزج بأشخاص فى السجن لمجرد أن من ألقى القبض عليهم يريد أن يقول إنه أدى عمله، أو أن بعض أجهزة الدولة ذات الصلة لا تريد الإفراج عنهم خوفا أن يكونوا متهمين أو خطرين. القبض على شخص برىء وتركه فى السجن أمر لا يمكن تبريره تحت أى مسمى، وهؤلاء ينبغى الإفراج عنهم بسرعة، بغض النظر عن هويتهم أو ميولهم وانتماءاتهم لا يمكن ترك مسجون برىء فى السجن بحجة أنه إخوان. الإخوانى مواطن له كل الحقوق وعليه كل الواجبات طالما لم يرتكب جرما، وبالتالى إذا دخل أحدهم السجن ظلما ينبغى الإفراج عنه فورا. وفى المقابل لا تسامح مع كل إرهابى أو متطرف أو قاتل أو مخرب بغض النظر عن هويته. الافراج عن المساجين خصوصا الابرياء ليس فقط فى مصلحة المساجين واسرهم، بل ايضا فى مصلحة الحكومة واجهزتها ايضا: لانه يقلل الاحتقان ويزيد من درجة والهدوء والاستقرار. علينا أن نتعلم أن نكون عمليين وواقعيين. أعلم أنه تم الوعد بالإفراج عن المساجين أكثر من مرة وتعثر الأمر: وهو امر محبط، لكن فى السياسة علينا أن نتعلم طريقة «خد وفاوض»، وبالتالى نقول شكرا لمن اتخذ القرار، ونهنئ ال 82 شخصا وأسرهم، وننتظر الدفعة الثانية إن شاء الله، ونتمنى ايضا الا نضيف أى مسجون جديد الا اذا كان يستحق فعلا: حتى مغلق هذا الملف الرهيب.