يتداول السعوديون على موقع التواصل الاجتماعى تويتر رسما ساخرا يظهر ثلاثة رجال بالزى التقليدى يمثلون «الفقر والبطالة والأسعار» يحيطون بطفل صغير يرتدى ثوبا مهلهلا يمثل «الراتب». وبينما هم يبتسمون ابتسامة ساخرة للطفل الباكى خاطبه أحدهم متسائلا«متى تكبر مثلنا؟!». ويبدو أن عطلة عيد الأضحى وهى عادة موسم للإنفاق على الملابس الجديدة والسفر والتى تمتد هذا العام من 11 وحتى 18 سبتمبر ستكون الأكثر تقشفا فيما يزيد على عشر سنوات شهدت فيها المملكة طفرة نفطية أنعشت الاقتصاد. وبعدما تضررت إيرادات السعودية أكبر مصدر للنفط فى العالم جراء هبوط أسعار الخام أكثر من النصف منذ 2014 لتنزل عن 50 دولارا للبرميل سجلت المملكة عجزا فى الموازنة بلغ مستوى قياسيا عند 98 مليار دولار العام الماضى. وفى محاولة لتمويل عجز الموازنة تبنت الحكومة السعودية أواخر 2015 إجراءات شملت خفض الإنفاق الحكومى وخفض الدعم لأسعار الطاقة. وفى الفترة الأخيرة بدأت هذه الإجراءات تنتقل إلى عدد من قطاعات الاقتصاد وأدت لانخفاض الدخل القابل للإنفاق وأحدثت ضغوطا على مستويات المعيشة للعديد من المواطنين. ففى العقد الماضى انتهج كثير من السعوديين نمط حياة أكثر حداثة انعكس على عاداتهم الاستهلاكية فكان من الطبيعى أن يملك السعودى أكثر من هاتف محمول وأن يحرص على شراء أحدث الأجهزة والملابس وأن يسافر عدة مرات فى العام. ويقول الاقتصادى فضل البوعينين «بالتركيز على استهلاك الأفراد نجد أن هناك تغيرا ملحوظا فى عاداتهم الاستهلاكية وحجم الشراء الذى تقلص بشكل ملحوظ مقارنة بالعام الماضى». «إذا كان قطاع الشركات هو المتسبب الأكبر فى تقلص الطلب على السلع بشكل عام إلا أن تأثير الأفراد لا يمكن تجاهله». وأحدث تراجع إنفاق المستهلكين ضعوطا كبيرة على الاقتصاد الكلى. وانكمش القطاع غير النفطى فى المملكة 0.7 % على أساس سنوى فى الربع الأول من العام وهو أسوأ أداء فى خمس سنوات على الأقل. ولم تصدر بيانات الربع الثانى بعد لكن كابيتال إيكونومكس التى مقرها لندن تتوقع أن يكون القطاع قد انكمش 4.5 % فى يونيو. وانخفضت قيمة واردات المملكة 24 % فى يونيو عن مستواها قبل عام وفى حين يعزى الانخفاض إلى تراجع مشتريات المعدات للمشروعات الحكومية فإنه قد يعود كذلك إلى انخفاض واردات السلع الاستهلاكية. ويبلغ معدل البطالة الرسمى بين السعوديين 11.5 %. وحتى الآن لم يفقد سوى عدد قليل من المواطنين وظائفهم جراء التباطؤ الاقتصادى الذى شهدته البلاد هذا العام لاسيما فى قطاع المقاولات إذ إن قوانين العمل تجعل من الصعب تسريح السعوديين ولذا كان الوافدون البالغ عددهم نحو عشرة ملايين هم الأكثر عرضة لفقد الوظائف. ومع ذلك تأثر السعوديون العاملون فى القطاع الحكومى الذى يوظف نحو ثلثى المواطنين العاملين من تبنى تدابير تقشفية شملت خفض العلاوات والبدلات التى كانت ينظر إليها على أنها دخل إضافى منتظم. وقال الاقتصادى السعودى عصام الزامل إن تلك البدلات التى تشكل ما يصل إلى 30 % من دخل المواطنين العاملين بالقطاع الحكومى تقلصت بشكل ملحوظ وهو ما جعل كثيرين يشعرون بانخفاض كبير فى دخولهم وبالتالى يخفضون النفقات. وعلاوة على ذلك رفعت الحكومة أسعار البنزين والطاقة لتوفير الأموال التى تنفق على الدعم وهو ما دفع معدل التضخم للارتفاع لمثليه تقريبا مسجلا نحو أربعة %. وعلى الرغم من تشجيع الرياص للمواطنين على تأسيس شركاتهم الخاصة للحد من اعتماد الاقتصاد على النفط فإن التباطؤ الاقتصادى زاد الوضع صعوبة لبعض أصحاب الشركات الخاصة. يقول سلطان الدوسرى السعودى البالغ من العمر 27 عاما والذى يملك شركة صغيرة لتنفيذ المعاملات الحكومية بالنيابة عن الشركات «سنويا كنت أسافر ثلاث مرات لدبى وأوروبا لكن هذه السنة ما سافرت ولا أنوى الذهاب لأى مكان فى العيد.. ما عاد فى استطاعة». ويضيف «الآن يأتينى دخل صاف فى الشهر حوالى ثلاثة آلاف ريال (800 دولار) بعد ما كان بين عشرة آلاف و12 ألف ريال شهريا. الشركات صارت تخلص المعاملات بنفسها لتوفير النفقات». وقال الدوسرى إنه عرض سيارة بين ثلاث سيارات يملكها للبيع من أجل خفض النفقات. ويبدو التوجه لربط الأحزمة وخفض النفقات جليا فى مراكز التسوق والمطاعم فى الرياضوجدة والمنطقة الشرقية المنتجة للنفط. فعلى مدى الأشهر القليلة الماضية انتشرت على واجهات المحال بمراكز التسوق لافتات كبيرة مثل «تخفيضات 70 %» و«تخفيضات إضافية» و«تصفيات» لكنها بقدر ما نجحت فى لفت الأنظار لم تنجح فى جذب محافظ المشترين. وبدأ كثير من المطاعم أيضا فى تقديم عروض مخفضة لوجبات الغذاء. وفى محل شهير لبيع الأزياء يحمل علامة تجارية بريطانية انخفض سعر مجموعة من الأردية النسائية إلى 30 ريالا من 300 ريال للقطعة وهو ما وصفته متسوقة لبنانية بأنه «أرخص من سعر كيلوجرام من الدراق (الخوخ)». وقال عامل فى متجر آخر إنه رغم التخفيضات الكبرى فقد يمر يوم كامل أو يومان دون أن يقوم أى أحد بالشراء. وانعكس تراجع إنفاق المستهلكين على نتائج الشركات العاملة فى قطاع التجزئة إذ سجلت شركة جرير للتسويق التى تبيع الأجهزة الإلكترونية والأدوات المكتبية انخفاضا بنحو 25 % على أساس سنوى فى صافى الربح بنهاية النصف الأول من العام نتيجة انخفاض المبيعات بنسبة 15 % فى نفس الفترة. وقال محمد العقيل رئيس مجلس إدارة الشركة فى رد على أسئلة لرويترز إن انخفاض مشتريات الأفراد كان فى الدرجة العليا من خانة الآحاد بينما كان هناك انخفاض أكثر حدة فى إنفاق الشركات والأجهزة الحكومية على أدوات المكاتب وأجهزة الكمبيوتر. لكن هناك ما يدعو للاعتقاد بأن إنفاق المستهلكين قد يتوقف قريبا عن التراجع. فقد أظهرت المسوح على مدى الشهرين الأخيرين أن نمو القطاع الخاص بدأ فى التعافى نتيجة ارتفاع إنتاج المملكة من النفط كما أن الكثيرين يتوقعون أسعارا أعلى للخام فى العام المقبل وهو ما قد يخفف الضغوط على المالية العامة للدولة. يقول العقيل «نتوقع أن تستقر الأمور العام المقبل». لكن لا يتوقع الكثيرون تحسنا قويا لإنفاق المستهلكين إذ على الرغم من إجراءات التقشف من المتوقع أن تسجل المملكة عجزا فى الميزانية يبلغ عشرات المليارات من الدولارات هذا العام وقال مسئولون إن مزيدا من إجراءات خفض الدعم مازال قيد الدراسة. وفى 2018 تعتزم الحكومة تطبيق ضريبة القيمة المضافة عند 5 % على الأرجح مع إعفاء بعض السلع مثل الأطعمة من الضريبة. ويبدو ان أغلب السعوديين يتقبلون فكرة أن هبوط أسعار النفط يجعل إجراءات التقشف أمرا حتميا ومع ذلك لجأ كثير منهم إلى تويتر لمناقشة فكرة ربط الأحزمة تحت وسم «الراتب ما يكفى الحاجة». يقول سميح جرجورة وهو مدير للعمليات يشرف على توزيع السلع الأجنبية الفاخرة لتجار التجزئة فى جدة «وصلنا للقاع حاليا ونعتقد أن السنوات المقبلة ستكون أكثر إيلاما». وقال عامل بأحد المحال التجارية فى الخبر «بلا شك هذا العيد مختلف عن الأعياد الماضية. كان هذا العام صعبا بوجه عام وأصبح الناس أكثر حذرا عندما يتعلق الأمر بالإنفاق».