"حقوق إنسان النواب" تطالب بتعزيز استقلالية المجلس القومي وتنفيذ توصيات المراجعة الدولية    جهاز تنمية المشروعات بمطروح: 18% من مشروعات المحافظة الممولة صناعية.. ووفرنا 8000 فرصة عمل    رئيس الوزراء يلتقي أعضاء اللجنة الاستشارية للشئون السياسية    القوات المسلحة الإيرانية: لن ندع أي اعتداء على أراضينا دون رد    طائرتان تابعتان لسلاح الجو الألماني تقلان 190 مواطنًا من إسرائيل    وزير الخارجية الفرنسي يطالب بضرورة وقف الهجمات على إيران منعًا للتصعيد    رغم اعتدال الطقس.. شواطئ الإسكندرية تحتفظ بسحرها وتواصل جذب المصطافين    وزير الثقافة يختتم زيارته في سيناء بلقاء موسع مع شيوخ القبائل وأعضاء البرلمان    تامر عاشور يصل المغرب استعدادا لإحياء حفله بمهرجان موازين    صندوق النقد: مخاطر أوسع على النمو العالمي بعد الضربات الأمريكية لإيران    «الظهيران».. طرفان بلا أنياب في الأهلي    الخميس 26 يونيو إجازة مدفوعة الأجر للعاملين بالقطاع الخاص    الداخلية: ضبط 5 قضايا مخدرات خلال حملات أمنية في أسوان ودمياط    اعتراضا على رفع رسوم التقاضي.. وقفة احتجاجية لمحامي دمياط    الاتحاد الأوروبي يفرض عقوبات على 5 أشخاص مرتبطين ببشار الأسد    فيلم "المشروع X" يواصل التألق 117 مليون جنيه في 5 أسابيع    "القومي لحقوق الإنسان" يستعرض مع لجان النواب تعديلات قانون إنشاء المجلس لتعزيز الاستقلالية    وظائف شاغرة في الهيئة العامة للأبنية التعليمية    انطلاق مؤتمر الوعي الوطني للشباب تزامنًا مع ذكرى 30 يونيو الإثنين المقبل    رئيس الاستخبارات الروسية: واشنطن لم تخطر موسكو بشأن الهجوم على إيران    السيسي يُعلن تدشين مقر جديد للمكاتب الأممية الإقليمية بالعاصمة الجديدة    صعود جماعي لمؤشرات البورصة بمستهل جلسة اليوم    مدريد في مهمة صعبة.. تعرف على مواعيد مباراتي الجولة الختامية للمجموعة الثانية    ليكيب: سان جيرمان يغلق الباب أمام رحيل باركولا رغم عروض بايرن وأرسنال وتشيلسي    رومانو: نونيز يوافق مبدئيا على الانضمام إلى نابولي    رينار: حققنا هدفنا في الكأس الذهبية.. وهذا ما يفتقده المنتخب السعودي    مانويل جوزيه: "تعرضت للضرب في بورسعيد.. وكنت أهرب من الفوضى بالقراءة والصيد"    بعد نشر "أهل مصر".. محافظ المنوفية يوجه بصرف مساعدات مالية لفتاتين يتيمتين من ذوي الهمم    وزيرة البيئة تبحث مع محافظ الوادي الجديد فرص الاستثمار في المخلفات    الفحص الأولي لعقار شبرا المنهار: «مسنود بعروق خشب»    انتهاء رفع أنقاض "عقار شبرا المنهار".. ولا ضحايا حتى الآن | فيديو وصور    البورصة تواصل الصعود بمنتصف تعاملات اليوم    نقيب المحامين يشارك في الوقفة الاحتجاجية لرفض زيادة الرسوم القضائية.. ويؤكد: ندافع عن حق دستوري يتعلق بالعدالة    سامو زين يستعد لبطولة فيلم رومانسي جديد نهاية العام | خاص    وزير الثقافة يفتتح قصر ثقافة نخل بشمال سيناء لتعزيز الدور التنويرى    سامو زين يستعد لطرح ميني ألبوم جديد    مجمع البحوث الإسلامية في اليوم الدولي للأرامل: إنصافهن واجب ديني لا يحتمل التأجيل    ما هي سبب بداية العام الهجري بشهر المحرم؟.. المفتي السابق يجيب    محافظ الدقهلية يفاجئ مستشفى السنبلاوين ويبدي رضاه عن الأداء    عبدالغفار: مصر حريصة على ترسيخ شراكات أفريقية مستدامة في المجال الصحي    تناول هذه الأطعمة- تخلصك من الألم والالتهابات    في ذكرى رحيله.. عاطف الطيب مخرج الواقعية الذي وثق هموم البسطاء وصراع الإنسان مع السلطة    مي فاروق تحيي حفلا بدار الأوبرا مطلع يوليو المقبل    دعاء الحفظ وعدم النسيان لطلاب الثانوية العامة قبل الامتحان    صباح الكورة.. ديانج يعلق على مواجهة الأهلي وبورتو و4 أندية تبحث عن مدربين جدد لموسم 2025    وفاه شخص وإصابة آخرين إثر انفجار فى وحدة تكرير صينى بمصنع بنى قره للزيوت بالقوصية فى أسيوط    شهادات مزيفة.. ضبط كيان تعليمى وهمى بالقليوبية    محافظ أسيوط يؤكد أهمية متابعة المحاصيل الزراعية وتقديم الدعم الفني للمزارعين    وزير التعليم العالي يضع حجر الأساس لمركز أورام الفيوم    الطائفة الإنجيلية بمصر تنعى شهداء «مار إلياس» بدمشق    علاج 1632 مواطنا بقافلة طبية بقرية بالشرقية.. مجانا    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 23-6-2025 في محافظة قنا    الحبس والحرمان، عقوبة استخدام الطلبة اشتراك المترو بعد انتهاء العام الدراسي    حكم الشرع في غش الطلاب بالامتحانات.. الأزهر يجيب    شديد الحرارة والعظمى في القاهرة 35.. حالة الطقس اليوم    إيران تعتقل عناصر من المخابرات الأوكرانية خططوا لمهاجمة مصنع طائرات فى أصفهان    احتفاء رياضى باليوم الأوليمبى فى حضور وزير الرياضة ورئيس اللجنة الأولمبية    مندوب إيران بمجلس الأمن: أمريكا الوحيدة تاريخيا من استخدمت أسلحة نووية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يا علماء الإسلام.. لو اتفقتم لما اختلفنا
نشر في الشروق الجديد يوم 05 - 09 - 2009

متابعة هذا الكم الكبير من المتحدثين فى الدين وعن الدين وباسم الدين يصيب الإنسان بقلق شديد، فالأصل أن الدين، أى دين، يقدم للناس قائمة بما ينبغى عليهم فعله (دائرة الواجب أو الفروض) وبما ينبغى عليهم تجنبه (دائرة الحرام) وما بينهما من المستحب والمباح والمكروه. ولكن ماذا لو بلغ الأمر بنا إلى أن الخطابات الدينية فقدت قدرتها على أن تحدد للناس هذه الدوائر بفعل الجدل بل اللجج بين أصحاب هذه الخطابات؟ فما تسمع فتوى من شيخ إلا وتسمع من يرفضها فى اليوم التالى. وهى قضية أخطر من أن نقول بشأنها إن اختلاف الأمة رحمة، وبالمناسبة هذا ليس بحديث.
فمن المنطقى أن يختلف مالك مع الشافعى لأن ما وصل لهذا من أحاديث لم يصل بالضرورة لذاك، لكن ماذا عنا الآن بعد أن وصلت لنا كل الأحاديث بل هى موجودة فى موسوعات إلكترونية متاحة للجميع؟ هل من المعقول أن يكون أمر ما فى دائرة المباح عند بعض العلماء الثقات وهو نفسه فى دائرة الواجب أو الحرام عند البعض الآخر؟ هذا يعنى ببساطة أن بوصلة الاستدلال أصابها عطب.
وهو ما يجعلنى أطرح، بكل أدب، عددا من الأسئلة المنهجية التى لو لم يكن هناك اتفاق بشأنها، ولو حتى على مستوى القطر الواحد، فسينطبق على ديننا قول أحدهم: والدين من فرط يسره قد احتوى مُسيلمة!
أولا: هل هناك حاجة لمراجعة منهج الاستدلال الشرعى؟
إن المعضلة ليست فى القضية محل التحليل والتحريم وإنما فى منهج الاستدلال الذى يجعلنا فى النهاية ننتهى إلى الرأى ونقيضه. وقد قرأت طويلا فى أسباب اختلاف الفتاوى والتوجهات، وحقيقة فهمت ولكننى لم أقتنع. هو دين واحد من رب واحد لرسول واحد جمع فى كتاب واحد وهو القرآن ثم عدد معقول من الأحاديث المتواترة (أى التى رواها عدد كبير نسبيا يفوق السبعة عند البعض من الرواة الثقات) والمشهورة (أى التى رواها عدد فوق الواحد أو الاثنين حتى ستة من الرواة الثقات)، فضلا عن آلاف أحاديث الآحاد التى يقف منها الكثيرون متشككين والتى أعتقد أن بسببها نفقد رشدنا ونسمع فى ديننا ما لا يقبله عاقل.
أنا لست قرآنيا أرفض السنة ولكن أعلن حاجتنا لأن لا نبالغ فى تقديس أى قول مادام نسبه أى شخص، مهما كانت درجة قربه من الرسول الكريم، إلى ديننا. أعتقد أنها مسألة فنية علمية تحتاج إعادة النظر فى منهج الاستدلال برمته وإلا صارت فوضى. وهو ما يستتبع سؤالا آخر: أين رد المتشابه إلى المحكم ورد حديث الآحاد إلى المتواتر ورد كل السنة إلى القرآن؟
إن التعدد الفقهى مقبول كنقيض للاستبداد باسم الدين، ولكن التعدد حين يصل إلى الفوضى واللا معيارية فيخشى المرء على أصل دينه.
ثانيا: ما قدسية القاعدة الفقهية التى تقول: إن العبرة بعموم اللفظ وليس بخصوص السبب؟
فهل أى حكم يأتى فى القرآن أو السنة يأخذ على إطلاقه دون النظر إلى خصوصية سبب نزوله؟ وبالتالى لو جاء فى القرآن «قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون» فعلينا أن نقاتل هؤلاء دون التفات لأسباب نزول الآية الكريمة؟ إذن لماذا نوجه أسهم النقد إلى سيد قطب وأسامة بن لادن وأيمن الظواهرى؟ فهم طبقوا نفس القاعدة. هل يضع لهم الفقهاء القاعدة وعندما يطبقونها نهيل عليهم النقد؟ والحقيقة أن الفقه حين يختار بين هذين البديلين فقط (عمومية اللفظ وخصوصية السبب) هو يضعنا فى مأزق مفتعل ويضيع علينا بدائل أخرى. وهنا يكون السؤال: لماذا لا تكون العبرة بعمومية السبب؟ أى لماذا لا نبحث عن السبب (سواء سميناه علة مباشرة أو حكمة بعيدة) من وراء كل حكم شرعى حتى لا يطبق إلا فى حدود الحالات المتشابهة دون الحاجة للتعامل مع ظاهر النص على أنه هو الحاكم دون اعتبار للواقع المعاش؟
ثالثا: أين الأولويات فى الفقه الإسلامى المعاصر؟
يقول الشيخ محمد الغزالى فى كتاب «مشكلات فى طريق الدعوة الإسلامية»: «ولا بد من الاعتراف ابتداء بأن فقه العبادات، وجوانب من فقه المعاملات اتسع عندنا اتساعا أكثر من اللازم، وأن الاستبحار التشريعى فى أمور الطهارة والصلاة والحج والزكاة وما إلى ذلك كان أكثر مما يطيقه الفرد المسلم أو المجتمع المسلم، وقليل من هذا كان يكفى الناس.. لكن لا شك أن فى الأمة تخلفا فى سياسة الحكم وسياسة المال».
صدق الشيخ، وبنفس الدرجة من الصراحة أقول: لولا أننا استوردنا من الغرب بعض آليات إقرار موازنة الدولة والرقابة عليها لكنا نعيش زمن ملوك المسلمين، الذين نسميهم مجاملة خلفاء، حيث لا انفصال بين ميزانيتهم الشخصية وميزانية بيت المال.
ولكان الواحد منا يقف عند قصورهم ينتظر عطاياهم. ولولا أننا اضطررنا أن نستورد فكرة الأحزاب السياسية والبرلمانات المنتخبة والصحافة الحرة لكنا جميعا، إلا الإمعات، ننتظر أن يقام علينا الحد بحكم الترويج للفتنة وتأليب الرأى العام.
ويشير الشيخ الغزالى إلى أن هناك 25 كبيرة من الكبائر لم توضع لها عقوبات فى الفقه الإسلامى، بسبب انشغال العلماء فى عصور التخلف بما لا ينفع الناس، فى مثل عقوبات التعامل بالربا أو الغصب أو الفرار من الزحف أو أكل مال اليتيم أو الغش. بل أكثر من ذلك يقول الشيخ الغزالى: «حتى فى ميدان الأسرة.. احتبس الفقه فى حدود المذاهب الأربعة حتى جاء ابن تيمية واستطاع أن يصنع عملا هائلا عندما رفض طلاق البدعة.. وقوانين العمل والعمال لاتزال صفرا عندنا ونستوردها الآن من الخارج.. القوانين الإدارية إلى الآن لاتزال أيضا مجلوبة..»
وهنا يكون السؤال المطروح على علمائنا الأفاضل: أين تطبيق مبدأ المصالح المرسلة الذى قال به مالك؟ وأين الاستحسان الذى قال به الحنفية؟ وأين مرونة الحنابلة فى إباحتهم للمعاملات المرتبطة بالعقود؟ وماذا لو تعارض كل ذلك مع نص ثابت؟
فقرآننا يجعل عقوبة السارق المحترف قطع اليد. والسؤال من يقطع يد من فى هذا الزمن الذى نعيشه؟ وعليه، أتصور أن عالما جليلا يمكن أن يقول إن عقوبة قطع يد السارق تكون فى جريمة السرقة الثالثة كجزء من التدرج فى العقوبة، أما فى الأولى والثانية فيعاقب تعذيرا بالسجن حتى لا نتعجل قطع يده وحتى نعطيه فرصة للتوبة.
أليس هذا أفضل من أن تكون هناك قطيعة بين النصوص الشرعية المعطلة والأحكام الوضعية المستوردة؟ إننى لا أسمع مثل هذا الاجتهاد الذى يعمل النص ويحدث مصالحة بين الواقع والشرع. ألا نعيش الآن ما قاله ابن القيم بأن فئة من الناس، بسوء تصرفهم، جعلت الشريعة قاصرة عن القيام بمصالح العباد محتاجة لغيرها؟
كنت أتمنى أن يفرد علماء الدين نقاشا فقهيا موسعا بشأن قضايا من قبيل التداول السلمى للسلطة لأنه يعين على مواجهة الفساد وسوء إدارة ثروات البلاد، أو بشأن حتمية وضع سقف زمنى لتولى الحاكم منصبه لما فى ذلك من حسن إدارة أمور المجتمع، أو تحريم منع تمكين المواطنين من الإدلاء بأصواتهم أو حتى المبالغة فى الإنجاب، إلى آخر هذه الأمور التى تبدو أهم من نقاش الصبيان بشأن قضايا لا يعرف العقلاء لها قيمة.
هذه أسئلة للنقاش عساها تعين شخصا ما فى مكان ما على تبصر ثغرة مهمة فى حياتنا الدينية. ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.