صلاح عبدالمعبود أول مرشحى حزب النور لانتخابات مجلس الشيوخ عن المنوفية 2025    وزير الإسكان يصل محافظة بني سويف لمتابعة موقف عدد من المشروعات ضمن "حياة كريمة"    الاتحاد الأوروبي بصدد فرض عقوبات ضد إسرائيل بسبب عملياتها العسكرية بغزة    آخر تطورات رحيل وسام أبو علي.. 3 عروض والأهلي يطلب 10 ملايين دولار    كوارث يومية بمحافظات الجمهورية..بلطجة على طريق الإسكندرية الصحراوي وحرائق بالعين السخنة والعياط    حادث الطريق الإقليمي.. ارتفاع عدد المتوفين ل9 وإصابة 11 آخرين في تصادم سيارتين ميكروباص    «انتظرونا في مصر في مهرجان العالمين الجديدة استعدوا لليلة ما تتفوتش» .. النجم تامر حسني يروج لحفلة بمهرجان العلمين 2025    أوبك+ يرفع إنتاج النفط إلى 548 ألف برميل يوميا    ثنائي الهلال يشارك في تشييع جثمان جوتا وشقيقه    ارتفاع أسعار الفاكهة بأسواق الإسكندرية.. والموز يصل إلى 40 جنيها للكيلو    صحة غزة: 70 شهيدا و332 إصابة جراء عدوان الاحتلال آخر 24 ساعة    امتحانات للبيع.. «الفجر» يكشف عصابة تسريب أسئلة الثانوية العامة 2025    حالة الطقس في مصر من السبت إلى الخميس: موجة حارة ورطوبة مرتفعة    ضبط 5530 قضية بمجال الأمن الاقتصادي خلال 24 ساعة    تجديد حبس المتهم بسرقة شقة سكنية في مدينة نصر    سرقة منزل وزير الاتصالات في الطالبية.. والتحريات تكشف التفاصيل    ارتفاع حصيلة ضحايا الفيضانات بولاية "هيماشال براديش" الهندية إلى 72 قتيلًا    إلهام شاهين تُهنئ رامي إمام بحفل زفاف نجله: «ربنا يسعدهم ونفرح بولادهم»    الليلة.. عرض درامي يناقش زيف المشاعر في «العائلة الحزينة» على مسرح العجوزة    الصحة: زراعة 12 صماما رئويا بالقسطرة التداخلية العلاجية مجانا بمعهد القلب خلال 6 أشهر    لطلاب الشهادة الإعدادية.. خطوات التقديم لمدارس التعليم والتدريب المزدوج 2026    رئيس جامعة دمياط يستقبل ممدوح محمد الدماطي وزير الآثار الأسبق    تنسيق الجامعات 2025.. ننشر جدول أماكن أداء اختبارات القدرات لطلاب الثانوية العامة    فينيسيوس وبيلينجهام مهددان بالغياب عن الريال فى نصف نهائى مونديال الأندية    مدبولي يشارك في قمة "بريكس" بالبرازيل نيابة عن الرئيس السيسي غدًا    باريس سان جيرمان يتحدى بايرن ميونخ فى نهائى مبكر بمونديال الأندية.. فيديو    عقيلة صالح يشيد بدور الرئيس السيسي في دعم وحدة ليبيا واستقرار مؤسساتها الوطنية    ترامب يعبر عن رغبته في مساعدة أوكرانيا في مجال الدفاع الجوي    أمين عام "الجبهة الوطنية": تقدم 10 مرشحين للحزب على المقاعد الفردية بأوراق ترشحهم اليوم    غدًا.. البرلمان يناقش تعديل بعض أحكام قانون تنظيم شئون أعضاء المهن الطبية    تنسيق الجامعات 2025.. ما هي رسوم التقدم لحجز اختبارات القدرات؟    تبدأ من العلمين وتنتهي بالسعودية.. تامر عاشور يستعد ل3 حفلات خلال أغسطس المقبل    محمود الطحاوى: يوم عاشوراء من النفحات العظيمة وصيامه يكفر ذنوب السنة الماضية    أول قرار من يانيك فيريرا مع الزمالك.. تأجيل انطلاق فترة الإعداد 24 ساعة    مصر تشارك ب 10 كوادر طبية في برامج تدريبية بالصين لتنمية المهارات    10 فوائد مذهلة لطبق العاشوراء    أسوان تنضم لمنظومة التأمين الصحي الشامل.. خطوة جديدة نحو مجتمع صحي وآمن    الجار قبل الدار    وزيرة التنمية المحلية: صوتك مسموع تتلقى 139.8 ألف شكوى وتحل 98.5% منها    جهاز المشروعات يتعاون مع الوكالة الفرنسية للتنمية لدعم مشروعات المرأة المصرية    فلومينينسي يحرم الهلال من 21 مليون دولار    وزير الري: جار إعداد منصة رقمية لمتابعة صيانة وتطهير المساقي الخصوصية    البابا تواضروس يكشف عن لقاء "مخيف" مع مرسي وسر تصريحاته "الخطيرة" في 2013    ماريسكا يشيد ب إستيفاو.. ويؤكد: حققنا ما نريده    الصين: الحرب لن تحل مشكلة البرنامج النووي الإيراني    أسعار الأسماك والمأكولات البحرية في سوق العبور اليوم    اليوم.. نظر محاكمة 37 متهما بخلية التجمع الإرهابية    علاء مبارك يعلق علي دعوة إثيوبيا لمصر بحضور حفل افتتاح سد النهضة    في هذا الموعد.. نجوى كريم تحيي حفلًا غنائيًا في عمان    عبدالله السعيد يهنئ أبنة بهذه المناسبة (صور)    لويس إنريكي: لا نفكر في الانتقام من بايرن ميونيخ بكأس العالم للأندية    بعد مكاسب تتجاوز 60 دولار.. ننشر اسعار الذهب في بداية اليوم السبت 5 يوليو    أمير صلاح الدين عن مرضه النادر: الدكتور قال لي لو عطست هتتشل ومش هينفع تتجوز (فيديو)    اليوم عاشوراء.. صيامه سنة نبوية تكفّر ذنوب عام مضى    «إيه كمية التطبيل ده!».. رسائل نارية من أحمد حسن بسبب مدحت شلبي    دعاء يوم عاشوراء مكتوب ومستجاب.. أفضل 10 أدعية لمحو الذنوب وقضاء الحاجه (رددها الآن)    4 أبراج «أثرهم بيفضل باقي»: متفردون قليلون الكلام ولا يرضون بالواقع كما هو    ما هي السنن النبوية والأعمال المستحب فعلها يوم عاشوراء؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عن قيمتى إعمال العقل والفردية المهدرتين
نشر في الشروق الجديد يوم 15 - 04 - 2016

السؤال هنا هو لماذا ينجرف الكثيرون بين ظهرانينا فيما يخص القضايا العامة إلى إلغاء العقل، والامتناع عن إعمال ملكاته بحثًا وقراءة وتفكيرًا ومفاضلة بين الاتجاهات المختلفة؟ السؤال هنا هو لماذا يتخلى الكثيرون بين ظهرانينا طواعية عن فرديتهم التى لها أن تمكنهم من التعبير الموضوعى والمستقل عن الرأى بشأن القضايا العامة ويفضلون الانصهار فى جموع ترفع يافطات الرأى الواحد، وتنزلق من ادعاء الصواب الخالص مرورًا بادعاء احتكار الحقيقة الخالصة ونزع المصداقية عن كل من يختلفون معها إلى هاوية الغوغائية المتوحشة؟
إذا كانت النخب، حاكمة ومعارضة، تغرى قطاعات شعبية واسعة بالالتحاق بالجموع ذات الرأى الواحد لكى تسهل السيطرة عليها وتوجيهها، فما الذى يبتغيه الناس أنفسهم من وراء ذلك؟ إذا كانت النخب ترى فى تعميم إلغاء العقل والتخلى عن الفردية بين الناس السبيل إلى الحفاظ على مواقع النخب حكمًا ومعارضة بالرغم من الإخفاقات المتراكمة والعجز عن صناعة التقدم للبلاد، فما الذى يبتغيه الناس أنفسهم من وراء ذلك؟ ولماذا لا ينسحب البعض بعيدًا عن جموع الرأى الواحد حين تتضح غوغائيتها، بل يواصلون الانصهار بداخلها ويتمسكون بإلغاء العقل والتخلى عن الفردية وكأنهما دين جديد؟
***
الإجابة الأولى الممكنة هى أن الكثير منا يعزفون عن إعمال العقل بشأن القضايا العامة، ويفضلون السير وراء غيرهم.
ربما هى ظروف الحياة القاسية التى تستنفد طاقات وقدرات الناس فى الأمور التى تخصهم وتخص أسرهم. ربما هو تعقد الكثير من القضايا العامة وصعوبة الإلمام بتفاصيلها. ربما هى الانطباعات المسبقة باستحالة بناء الرأى حول قضايا اقتصادية واجتماعية وسياسية دون «الخبراء والمتخصصين» الذين سرعان ما يصيرون كهنة المجتمعات المعاصرة والمتحدثين الحصريين باسم الحقيقة. ربما هو حكم الفرد الذى يزيف وعى الناس على نحو يجعلهم يسلمون بحتمية الاعتماد الأحادى على «البطل المنقذ» فى إدارة شئون الدولة والمجتمع والمواطن وبضرورة اعتناق الرأى الرسمى كصواب خالص. ربما هو تعاطف بعض الناس مع نخب المعارضة التى وإن واجهت حكم الفرد وادعت أحيانًا الالتزام بالحرية إلا أنها تريد أيضًا استتباعهم ودفعهم باتجاه رأى واحد آخر.
فى جميع هذه السياقات يختار الكثيرون بيننا الامتناع عن البحث والقراءة والتفكير فى القضايا العامة، يختارون الامتناع عن طرح التساؤلات المشروعة والمفاضلة المستقلة بين الإجابات المطروحة، ينتهى بهم الحال إلى إلغاء العقل والتخلى عن فرديتهم والانصهار فى الجموع.
الإجابة الثانية الممكنة هى أن الكثير منا يحتاجون للانصهار فى الجموع لكى يكتسبوا هوية الانتماء إلى المكان وأهله، إلى الوطن وناسه، إلى المجموعات ومقولاتها الكبرى. وفى سبيل الهوية، ولأنهم لا يرون سبلاً أخرى لاكتسابها، يقدمون العقل والفردية قربانًا على مذابح الجموع ولآلهة الرأى الواحد.
البعض يذبح العقل والفردية للتماهى مع تعريف الهوية الوطنية الذى يصنعه حكم الفرد ويحدد وفقًا له «معايير» الانضمام إلى جموعه (المواطنون الشرفاء، أهل الخير، المصريون). البعض الآخر يذبحهما من أجل الالتحاق بجموع الهويات البديلة أو المضادة (الثوريون، الديمقراطيون، المعارضون). البعض الثالث يتنازل عن إعمال العقل وعن الفردية لكى ينصهر فى جموع مدعى الصواب الخالص واحتكار الحقيقة الخالصة، ويشارك معها فى نزع المصداقية عن المختلفين.
فى جميع هذه السياقات يختار الكثيرون بيننا التسليم بالمقولات الكبرى للجموع، يختارون عدم التوقف عن الركض وراء غوغائيتها خوفًا من فقدان الهوية (الهوية المصرية، هوية الصف الثورى، هوية مقاومى السلطوية وحكم الفرد)، يختارون التماهى الكامل حتى عندما يدركون تناقض مقولات الجموع مع الحقائق والمعلومات وتعارضها مع الصالح العام، يختارون التورط فى العنف اللفظى (وأحيانًا فى العنف المادى) لإسكات الأصوات الأخرى. بل إنهم، ولأن غوغائيتهم تحتاج دومًا إلى ذبائح جديدة، يستدعون أشباه الحقائق وأنصاف المعلومات ويزعمون الاستناد إليها من جهة لاستكمال نزع مصداقية المختلفين معهم ومن جهة أخرى لإكساب جموعهم مصداقية زائفة.
***
تداخل الاحتمالين، عزوف الناس عن إعمال العقل واستعدادهم للتضحية بالفردية فى سبيل هوية جماعية، فى العديد من لحظات الجنون والصخب التى شهدتها مصر خلال الأعوام الماضية.
قبل كثيرون المقولات التبريرية لانتهاكات الحقوق والحريات سيرًا وراء من زعموا حتميتها لضمان الخبز والأمن. تماهى كثيرون مع معايير الانصهار فى جموع «المواطنين الشرفاء»، فاقتنعوا بمقولات التآمر وجعلوا من كل معارضة سلمية لحكم الفرد وللسلطوية الحاكمة فعل خيانة للوطن ومصالحه العليا. ركض كثيرون خلف غوغائية الرأى الواحد، وسلموا بوجوب الامتناع عن معارضة الحاكم الفرد دفاعًا عن الدولة وتماسكها وعن المجتمع وأمنه وعن المواطنين الشرفاء.
على الجانب الآخر، امتنع كثيرون من المنتمين لجموع الهويات البديلة عن إعمال العقل فى القضايا العامة وأهدروا قيمة الحقيقة والمعلومة والتعبير الحر والمستقل عن الرأى فى سبيل السير وراء من اختارتهم الجموع رموزًا لها، إن باسم الثورة أو الديمقراطية أو المعارضة. ولم يتوقف هؤلاء عن الركض خلف الغوغائية المضادة والمكارثية المعكوسة (أى الغوغائية المعارضة التى تواجه غوغائية الحكم، ومكارثية من يرفضون السلطوية وحكم الفرد طلبًا لسلطوية بديلة)، حتى حين ظهر بجلاء إلغاؤهما للعقل وتغييبهما للفردية وتناقضهما مع الثابت من حقائق ومعلومات. تورط كثيرون من المنصهرين فى الجموع البديلة فى استدعاء أشباه الحقائق وأنصاف المعلومات للترويج لمقولاتهم كصواب خالص وتجريد مقولات السلطوية وحكم الفرد من المصداقية كخطأ خالص أو لإلصاق اتهامات الخيانة وشق الصف الثورى والديمقراطى والمعارض بمن رفضوا الغوغائية. وهم بذلك مارسوا ذات نهج حكم الفرد، وقضوا على إمكانيات احترام الحقيقة الثابتة والمعلومة الموثوقة وقبول الرأى الآخر دون استعلاء يتبعه تسفيه.
وعلى الجانبين، لم يتورع البعض عن الحديث باسم العقل وهم يلغونه، باسم الفردية وهم يقضون عليها، باسم العلم وهم يغتالونه ويمتنعون عن مجرد البحث والقراءة والتفكير يشغل التذرع الزائف بالعلم حيزًا واسعًا فى لحظة الجنون والصخب المتعلقة بوضعية جزيرتى تيران وصنافير والتى تسيطر حاليًا على الفضاء العام، وتتداول الجموع على اختلاف مواقفها عبارات مدعية من شاكلة «مؤسسات وأجهزة الدولة لديها العلم الشامل والمعرفة الكاملة وعلى من هم خارجها الصمت»، «قولاً واحدًا، ترسيم الحدود بين مصر والسعودية فى القرار الجمهورى رقم 27 لعام 1990 خطأ علمى»، « قواعد القانون الدولى والمواثيق الدولية تلزم باللجوء إلى التحكيم بشأن الجزيرتين»، وغيرها.
أحسب أن هذه هى بعض التفسيرات الممكنة لانجراف كثيرين بين ظهرانينا فى مصر إلى إلغاء العقل، والتخلى عن الفردية، والانصهار فى الجموع المكارثية (حكمًا ومعارضة) التى تقضى على كل فرصة للانعتاق من الجنون والصخب.
أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.