«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حلوان تبحث عن مصير المصانع والأراضى والناس
نشر في الشروق الجديد يوم 28 - 08 - 2009

منذ قرر د.أحمد نظيف، رئيس مجلس الوزراء تشكيل لجنة يترأسها وزير التجارة والصناعة، لدراسة وتخطيط نقل مصانع الأسمنت والصناعات الثقيلة خارج حلوان، والجدل لا ينتهى حول الجدوى من النقل، وإمكانية تحقيقه فى الإطار الزمنى المعلن عنه، وهو فترة تتراوح بين 3 و7 سنوات.
ليست المرة الأولى التى تنتفض فيها حلوان ضد مصانعها، وتحاول التخلص منها، فقد سبق الحديث عن الضرورات البيئية والصحية لنقل المصانع، لكن فى هذه المرة تبدو مفاجآت الملف أكثر من حقائقه الواضحة.
المفاجأة الأولى أن جميع الأطراف تنفى وجود «الخطة» التى تحدثت عنها الصحف.
المفاجأة الثانية هى أن قرار النقل لم يحدد المواقع الجديدة، وتركها لأصحاب المصانع، ولأمنيات العاملين، وللشائعات أيضا.
المفاجأة الثالثة أن مهمة اللجنة هى «التشاور مع مصانع الأسمنت والحديد والصلب وفحم الكوك لبحث إمكانية تنفيذ قرار النقل»، أى إن الأمر بالكامل مازال قيد الدراسة.
لا توجد خطة واضحة للنقل حتى الآن
«خطة طموحة» و«إطار زمنى» بل «دراسة متكاملة» أو «متوازنة»، وتعبيرات أخرى أطلقها مسئولون على اختلاف مناصبهم من وزارة الصناعة إلى البيئة إلى محافظة حلوان. والكل يبشر بنقل المصانع الملوثة للبيئة خارج حلوان.
خمس سنوات أو سبع وربما عشر، عددها يختلف كل يوم لكن ستحاول حلوان بعدها إعادة بعض الحياة إلى رئتها التى تحجرت عبر نصف قرن من الزمان. سنوات على الأقل فى بدايتها كانت زهوة التصنيع أقوى من أى شىء آخر. ثم احتل التفكير فى البيئة وفى صحة سكان المدينة مكانا أكبر ولكن عمليا تم ترجمته إلى لا شىء. فليست هذه هى المرة الأولى التى يدور فيها الحديث عن إنقاذ حلوان أو عن نقل المصانع.
منذ أكثر من 30 عاما يخرج مسئولون يبشرون برحيل الأسمنت والطوب والحديد والصلب، دون أن يتحرك أى منها. والسبب فى أحيان كثيرة «ضغوط رءوس الأموال». «فمن يمتلك مصنعا وأرضا على النيل يرفض الانتقال إلى الصحراء»، كما يقول أحمد حجاج مستشار الاستثمار بمحافظة حلوان.
تعتقد حلوان، التى أصبحت محافظة بذاتها، أن الأمور تختلف هذه المرة فهى لديها «استراتيجية شاملة» للتنمية، تبناها رئيس الوزراء فى صيغة قرار بنقل المصانع خارج القاهرة، والقرار ترجم إلى تشكيل لجنة برئاسة وزير التجارة والصناعة.
وبعد أن كان الحديث يدور عن خطة واضحة لنقل المصانع تشمل إطارا زمنيا وتحديدا للأماكن البديلة، تقلصت الطموحات لتأخذ شكل دراسة تقوم بإعدادها تلك اللجنة، تعرض نتائجها على لجنة أخرى وزارية، فيما بعد، خلال شهرين يقول البعض وخلال ثلاثة أشهر يقول آخرون.
المبادئ الستة للخطة
انعقدت اللجنة بمشاركة ثلاث من أكبر شركات الأسمنت، الشركة القومية وهى الشركة الوحيدة التى مازالت مملوكة للدولة وشركة طرة وشركة حلوان المملوكتان لرجل الأعمال، عمر مهنا. وكان الاجتماع الأول فرصة لوزير التجارة والصناعة رشيد محمد رشيد لوضع ما أطلق عليه «المبادئ الستة» فى عملية نقل المصانع:
الحفاظ على حقوق العمالة.
الحفاظ على الصناعة.
الحفاظ على البيئة.
التوازن المالى
التخطيط الشامل للأراضى
والتطبيق التدريجى للنقل.
وهو ما يعنى بعبارة أخرى أن مصير الأراضى التى سترحل عنها المصانع لم يحدد بعد ولا الأماكن البديلة التى ستنقل إليها ولا قضية تمويل النقل.
«إن الموضوع ما زال فى مرحلة الدراسة وكل الأفكار مطروحة»، هذا ما قاله رشيد فى حوار خاص مع «الشروق».
والقصة فى التفاصيل، وما أكثرها.
وما أكثر أيضا ما يتم مناقشته فى الغرف المغلقة.
يقول أحد المسئولين عن الملف إن «النقاش دار بشكل شخصى فى بادئ الأمر مع عمر مهنا لإقناعه بجدوى عملية النقل وموافقته المبدئية دفعت الشركة القومية للسير على نفس النهج».
حسب كلام أحمد حجاج، مسئول الاستثمار بمحافظة حلوان فإن مالك مصنعى طرة وحلوان طلب النقل للسويس لأنه يمتلك مصنعا آخر هناك، فى حين تفضل القومية الانتقال إلى بنى سويف.
فيما أعلنت بعض الصحف أن اللجنة وافقت على اختيار منطقة غراب بمركز ناصر فى بنى سويف، لنقل المصانع إليها. لكن عمرو عسل رئيس الهيئة العامة للتنمية الصناعية يؤكد فى حديثه ل«الشروق» أن اللجنة لم تتخذ أى قرار نهائى حتى الآن قائلا «هى مجرد اقتراحات والهدف أن يكون المكان الجديد قريب من محافظة حلوان، بمعنى ألا تزيد المسافة عن ساعة، للحفاظ على العمالة».
قروض لتمويل النقل
العمالة هى النقطة الأكثر حساسية فى هذا الملف، ويخشى كثير من المسئولين أن تكون هذه هى ورقة الضغط التى تستخدم من الرافضين لتنفيذ النقل، سواء من جانب العمال أنفسهم أو من جانب أصحاب المصانع.
حاليا تدور المفاوضات مع شركات الأسمنت الثلاث الكبرى التى تمتد على مساحة 17 مليون متر مربع. وسيتبع ذلك مفاوضات مع 4 مصانع أخرى للحديد والطوب.
طلبت اللجنة من أصحاب المصانع تقديم تصوراتهم عن تكلفة النقل والمدة التى يريدها كل مصنع للانتقال وما تريده من مساحة للموقع الجديد والسعر المتوقع لبيع أرض المصانع الحالية.
ويقول رشيد إن هناك تصورا للاستعانة بالجهاز المصرفى بشكل أو بآخر. «مثل أن يقوم البنك بتمويل إنشاء المصنع الجديد بضمان أرض المصنع القديم». ولا تفاصيل أخرى.
والأرض هى مفتاح الخلاف، على الأقل فى المحاولات السابقة. فهذه المساحة يمكن استغلالها سياحيا وسكانيا، بعد نقل مصانع الأسمنت ومن المتوقع أن يصل سعرها إلى 5 أضعاف أو أكثر.
«نحن نقول لهم أنتم حصلتم على هذه الأرض للاستخدام الصناعى وتغيير نشاطها إلى السياحة أو الإسكان سيجلب لكم ثروة كبيرة لأن قيمتها التجارية سترتفع. نحن نوافق على إعطائكم ترخيصا بالنشاط الجديد، ولكن بشرط نقل المصنع»، هكذا يفسر عمرو عسل عملية التفاوض.
طلبات أصحاب المصانع لا تنتهى. «بعضهم يريد التفاوض من أجل زيادة الإنتاج فى المصنع الجديد دون دفع القيمة المالية المترتبة على ذلك».
وإذا فشل التفاوض؟
توجد قواعد ملزمة هذه المرة. رئيس الوزراء أصدر قرارا بعدم التجديد للمصانع بحق انتفاع المحاجر، الذى ينتهى فى 2011. «التجديد فقط سيتم للمصانع التى توافق على النقل»، يقول عسل «إما ينقل أو يقفل».
.....
نصف الأرزاق سوف تطير مع هذه المصانع
فى الصباح يشكل تجار وسماسرة الأسمنت جانبا كبيرا من رواد مقهى «العمدة» القديم والقريب من البوابة الرئيسية للقسم الغربى من مصنع أسمنت طرة، وقبيل وبعد مواعيد تغيير ورديات المصنع الثلاث فى السابعة صباحا والثالثة بعد الظهر والعاشرة مساء يكثر العمال والفنيون، أما حين تقترب مواعيد انطلاق سيارات نقل الأسمنت مساء فيتواجد السائقون والتباعون بشكل ملحوظ.
وعلى العكس من ذلك، كما يشير أحمد نور القهوجى (35 سنة)، تنخفض نسبة الإشغال بالمقهى إلى 20% فقط يوم الجمعة؛ إجازة المصنع. لذلك لا يكاد يتخيل أحمد أن هناك ولو مجرد احتمال ضعيف لأن يرحل هذا المصنع العتيد الذى تصل إجمالى مساحته إلى 10 ملايين متر مربع ويقسمه مترو الأنفاق إلى قسمين، فى إطار الخطة التى أعلن عنها المسئولون لنقل جميع المصانع الملوثة للبيئة من حلوان.
يقول أحمد وهو منهمك فى إعداد وتوصيل الطلبات للزبائن: «مش بس القهوة اللى هتتأثر بنقل المصنع، لو اتنقل، كل النشاط التجارى والخدمات فى طرة الأسمنت هتتأثر لأنها قايمة بالأساس لخدمة المصنع.. ده غير أهل المنطقة من سواقين وتباعين وأصحاب جرارات أو عربيات نقل وغيرهم».
فى البدء كان المصنع
ازدهرت شركة «طرة الأسمنت» وتوسعت مع ارتباطها بشركة أسمنت طرة التى يعود تاريخها إلى عام 1927. وبالرغم مما أحدثته «الخصخصة» من تقليص لحجم العمالة بالشركة من 4800 عامل إلى ألف عامل فقط كما يقول محمد عبدالمنصف عضو اللجنة النقابية للعاملين هناك، فإن جانبا غير قليل من سكان البلدة ما زالوا يعملون إما فيها مباشرة أو فى الأنشطة الاقتصادية والخدمية المرتبطة بوجودها من مقاهٍ ومطاعم ومحال وحتى النقل وخدمات السيارات.
هذا ما يؤكده أيضا السائق محمد يحيى، الذى كان يجلس فى أحد أركان المقهى فى انتظار أن يتم تحميل سيارته بالأسمنت. يقول محمد، 29 سنة، وهو أحد أهالى طرة الأسمنت الذين توارثوا هذه المهنة «أبا عن جد»، بينما كان ينظر لسور المصنع المواجه: «أنا مستفيد من وجود المصنع هنا، دلوقتى المصنع جنب البيت، 300 متر فقط. وده مكان الشغل الوحيد بالنسبة لى.. عمرى ما فكرت حتى أروح اشتغل فى مصنع تانى ولو فى حلوان نفسها، وطبعا لو اتنقل المصنع الشُغل هيبقى بعيد».
فى الجهة المقابلة للسور الغربى للمصنع، الواقع غرب المترو، تمتد طرة الأسمنت بعمائرها القديمة الأقرب إلى الطابع الريفى والتى لا تكاد تتجاوز ارتفاعات معظمها أكثر من طابقين. وعلى طول الواجهة المقابلة لهذا السور لا تكاد تمر عدة أمتار إلا وترى واحدة أو أكثر من هذه المحال التى يعتمد أصحابها والعاملون بها فى جانب كبير من نشاطهم وزبائنهم على المصنع المجاور؛ بداية من عم محمد صاحب محل البقالة ومحمد سعد العامل بمطعم الفول والطعمية، والمعلم عادل صاحب محل الكشرى، وحتى الحاجة عطيات بائعة العيش.
فترة الذروة مثلا بالنسبة لمطعم الفول والطعمية، كما يقول محمد سعد، هى قبل وردية السابعة صباحا بالمصنع حيث يتوافد العشرات من العاملين يوميا على المطعم لشراء إفطارهم. ويشير محمد إلى أن إجمالى تعاملات المحل وما يحققه من دخل فى هذا التوقيت تكاد تصل إلى أضعاف ما يحققه فى البقية المتبقية من اليوم. ولذلك فإنه حين يحاول أن يتخيل مستقبل المطعم فى حالة عدم وجود المصنع يبدو على وجهه الامتعاض، ويقول وهو يهز رأسه: «الطلب هيبقى خفيف أوى على المحل».
على بعد عدة أمتار من مطعم الفول كانت تجلس الحاجة عطيات بائعة الخبز أمام منزلها وإلى جوارها عدد من أقفاص وأكياس العيش. عطيات تستطيع أن تترجم اعتمادها على المصنع الذى تقول عنه إن «هوه اللى معيشنا» إلى أرقام دقيقة، وهى تشير مثلا إلى أنه فى حين يشترى منها سكان المنطقة بمبالغ تتراوح بين نصف جنيه وجنيه، فإن معدل المبالغ التى يشترى بها العمال منها تتراوح بين 5 و10 جنيهات، وفى الفترات التى يتم فيها إجراء صيانة لبعض أجزاء المصنع والتى يتواجد فيها عمال أكثر على حد قولها يتوافد عليها من يشترى كميات أكبر قد تصل قيمة كل منها إلى 20 جنيها.
من كوتسيكا للتبين
بامتداد الشريط الذى يبدأ من كوتسيكا شمالا حتى التبين جنوبا، حيث ينتشر ما يقرب من 80 مصنعا ملوثا آخر يقول المسئولون إنه سيجرى نقلها توجد حكايات شبيهة بالتأكيد حول كل مصنع من هذه المصانع لأُناس مثل أحمد القهوجى وعطيات بائعة العيش كما أن آخرين كثيرين ارتبطت أشغالهم وأنشطتهم الاقتصادية بهذه المصانع. قريبا من مصنع طرة على سبيل المثال، وبالقرب من «مصنع النشا والجلوكوز» الواقع على كورنيش النيل مباشرة فى منطقة «كوتسيكا»، يشير أشرف أحمد، صاحب محل لتغيير زيت وتشحيم وفلاتر السيارات، إلى أن وجود هذه المصانع بجواره يعود عليه بما لا يقل عن 40% من الزبائن والمكاسب.
سيد عبدالله الذى يملك عددا من عربات النقل، تعمل بشكل أساسى فى نقل منتجات ومخلفات مصنع النشا والجلوكوز المجاور، والتى تصل على حد قوله إلى «50 حاجة» من بينها «العسل الأسود، والعجينة، والقشرة، وعلف البهائم.. إلخ». يقول أشرف إنه سيفقد هذا المصدر القريب للبضائع، وسترتفع تكاليف نقل بضائعه من المناطق الأبعد، وسيحاول هو بدوره تحميل هذه التكاليف قدر الإمكان للزبائن، إلا أن ما يضايقه أكثر أن فرص تعرضه للمرور و«المخالفات» ستزيد، على حد قوله.
الصحة أغلى
لكن بالرغم من أى مكاسب يقول أشرف «الصحة أغلى من شوية المكسب دول»؛ فى إشارة إلى تفضيله رحيل مصنع النشا والجلوكوز الذى يصدر رائحة كريهة يتأذى منها كل سكان المنطقة، وغيره من المصانع الملوثة من حلوان على المكسب الذى يحققه من وجودها. ويضيف: «الصراحة الضرر اللى جايلنا من المصانع ديه أكتر من فايدتها، ومعظم الأطفال هنا عندهم حساسية.. وقدمنا شكاوى كتيرة، لكن مكانش فيه حد بيهتم.. وحتى لو خسرنا شوية المكسب اللى جاى من وراها فربنا سبحانة وتعالى هو الرزاق».
وبالرغم مما يؤكد عليه الأهالى وأصحاب المحال بكوتسيكا وطرة الأسمنت من ارتباط أنشطتهم الاقتصادية وأشغالهم بدرجة أو بأخرى بالمصنع، إلا أن جانبا غير قليل منهم يتفق مع أشرف فى أن هذه المصانع تشكل خطرا صحيا عليهم، ويشيرون إلى استعدادهم للتضحية بما يوفره لهم قربهم منها من مكاسب أو مميزات. وهو ما يؤكد عليه مثلا السائق محمد يحيى الذى يشير إلى معاناة ابنه الصغير المريض بحساسية الصدر من الغبار الصادر عن مصنع طرة، حتى بعد أن قل هذا الغبار نسبيا بعد قيام إدارة الشركة الجديدة بتركيب «فلاتر» للحد من الغبار الصادر عنها.
مرحلة صعبة
لكن ماذا سيفعل أشرف وغيره من الأهالى الذين ظلوا يعتمدون على مدار عشرات السنين فى حياتهم وأرزاقهم على المصانع المجاورة لهم، فى حالة ما إذا رحلت بالفعل؟.
سؤال يضع معظم السكان فى حالة من الحيرة والقلق، خاصة أن أحدا لم يستشرهم بشأن الخطط والمشروعات الاستثمارية البديلة التى تقول محافظة حلوان إنها تخطط لإقامتها مكان هذه المصانع، والتى لا يكادون يعرفون عنها إلا معلومات مبهمة.
محمد عبدالباقى أحد أهالى كوتسيكا يملك 8 عربات نقل يرتبط نشاطها بالمصانع المجاورة، تخوفه من احتمالات نقل هذه المصانع، وهو لا يحدوه أى أمل فى أن يجد له مكانا فى المشروعات الاستثمارية التى ستحل مكانها، مشيرا إلى صعوبة تعديل نشاطه أو مكان عمله فى هذه الحالة، خاصة أن «كل منطقة فيها ناسها وعربياتها ولو رحت مكان تانى أصحاب العربيات هناك مش هيسيبونى».
على النقيض من محمد عبدالباقى صاحب عربات النقل يبدو أحمد القهوجى أكثر تفاؤلا فيما يتعلق بالمستقبل مشيرا إلى أنه لو رحلت هذه المصانع، فلابد وستظهر مكانها أنشطة أخرى أو أبراج سكنية يمكن أن تخلق سوقا جديدة وزبائن آخرين له وله ولغيره من أصحاب المحال والباعة المجاورين.
أحمد يدرك أيضا أن الأمر لن يكون سهلا، وأنه فى حالة ما إذا انتقلت المصانع فعلا فستكون هناك على الأقل «مرحلة انتقالية» صعبة سيتضرر خلالها هو والحاجة عطيات بائعة العيش وآخرين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.