بالأمس.. وأثناء الكارثة التي كانت تحدث داخل استاد القاهرة كتبت -وعيني ممتلئة بالدموع- مقالي الذي نشرته في اللحظة ذاتها، والذي كان تحت عنوان: "رغم كل شيء.. تحيا الثورة.. تحيا مصر.. تحيا مصر.. تحيا مصر".. كنت أكتب وأنا لا أتحكم في انفعالاتي، وكأنني وأنني أحتضن الكيبورد وأدق عليه حروفي أتخذه درعا لأقي نفسي وأهلي وبلدي من تلك الطعنات التي تنهال علينا.. كانت الكتابة وستظل وسيلتي في هذه الحرب.. وسيلة لم أعرف ولم أتعلم غيرها.. واليوم وبعد أن هدأت الانفعالات قليلا -وربما لم تهدأ بعد- أعود لدرعي من جديد.. أعود للكتابة.. أحاول أن أدقق وأحلل كل ما رأيت وسمعت وقرأت بالأمس، وقبلها أيضا.. سأحاول التمسك بأكبر قدر من الموضوعية، وإن كان هذا شديد الصعوبة، ولكني سأحاول.. سأحاول أن أرسم السيناريو الذي كان يجب أن يحدث -من وجهة نظري التي قد تصيب وتخطئ- لكي نعرف من الذي قصر ومن الذي أجرم، وإلى من توجه الاتهامات.. تعالوا لنعود إلى الخلف.. إلى مباراة الذهاب بتونس الخضراء.. هناك حدث المشهد الذي رأيناه جميعا.. اثنان من الجماهير التونسية الحبيبة يخترقان الملعب، أحدهما يحمل علم مصر، وكأنه يحمل رسالة تحية للشعب المصري بعد ثورته العظيمة.. مشهد رفضناه جميعا ولكننا تفهمناه، إلا إبراهيم حسن الذي خرج علينا بتصريحات غير مسئولة، وإن كنت أحسبها نتيجة لانفعال بعد المباراة، وأنها ذهبت بعد ذلك إلى حال سبيلها، ولكن بعد أن أشغلت فتنة تحت الرماد.. تصريحات إبراهيم حسن كان لها بالتأكيد عدد من ردود الأفعال، وأدعي أنها ستنحصر في أربعة احتمالات؛ الأول: أنها ذهبت دون أن يبالي بها أحد، وأن الجميع أدرك أنها ساعة انفعال ومرت.. الثاني: أنها أثرت على عدد من جماهير الزمالك المتشددين المتعصبين الذين اعتبروا هذا دعوة صريحة من إبراهيم حسن لاقتحام الملعب في مباراة العودة فقرروا تنفيذها -كده منهم لنفسهم- تلبية لمطلب إبراهيم. الثالث: أن إبراهيم قد أصر على تصريحاته وأنه نفذ ودبر ورتب ما حدث بالأمس، مستعينا بقيادات من الجماهير.. وهو أمر أراه شديد الصعوبة، خاصة أن الخطر الذي تعرض له الجميع لم يكن ليفرق بين أحد من الحاضرين، ومن بينهم إبراهيم وحسام. الرابع: وهو الاحتمال الذي قد لا يذهب إليه البعض، وهو أن الفكرة التي ألقاها إبراهيم وهو في ذروة انفعاله قد سقطت في حجر آخرين لهم دوافع أخرى، فراقت لهم وتلقفوها وأعدوا لها العدة، لنرى ما رأينا.. سأترك لكم أعزائي الأمر، وعليكم أن تتدارسوا هذه الاحتمالات دون تأثر مني.. وليخرج كل منا بالنتيجة التي يراها.. ولكن مهلا، فليس قبل أن نكمل قراءة ما حدث.. قبل المباراة بأيام أكد البعض أن الدعوة لاقتحام المباراة انتشرت على مواقع الإنترنت، وأن المعلومة كانت متاحة للإعلاميين.. هكذا أكد البعض، مدللا على أن ما حدث لم يكن إلا بفعل همجية البعض، وهي الهمجية التي أعد لها بليل.. وأنا سأسير وراءهم ولكني سأقول: وماذا بعد؟ هل كانت المعلومة مشاعا للجميع باستثناء الأمن والأمن فقط؟ هل زارت المعلومة أسماع الجميع، ولكنها لم ترهق بالزيارة أسماع المسئولين عن الأمن؟ أم أنها زارت أسماعهم ولكنهم لم يلقوا لها بالا؟ أم أنها وصلت إلى أسماع بعضهم وجاءت على هوى هؤلاء البعض، ولا حظوا أني أقول البعض حتى لا يأتي أحدهم ليقول لي: لا تعمم.. وكعادتي سأترك الإجابة أيضا لكم.. وكل حسب قراءته للموقف.. ولكن ليس الآن، فمازلنا نواصل قراءتنا للأحداث.. في الصباح الباكر، وتحديدا منذ الحادية عشرة صباحا، وحسب رواية اللواء عبد العزيز أمين للأحداث، فقد احتشد ما يقرب من ألفي متفرج في الاستاد رافضين التفتيش من قبل الأمن الخاص بالاستاد أو الشرطة، وأن هؤلاء كانوا مدججين بالشماريخ وبصحبتهم قاعدة صواريخ -هكذا قال- وأنه لم يجد إلا أن يحرر لهم محضرا في قسم الشرطة. سيقول البعض: وماذا في قدرته أن يفعل غير ذلك؟ لقد فعل ما يملك.. وأنا سأقول لهم: وماذا بعد؟ هل حرر هذا المحضر فقط لإخلاء مسئوليته.. هل ترك المنشأة التي هو مستأمن عليها هكذا عرضة لخطر قد يحيط بها، مبررا بأنه -الحمد لله- حرر محضرا؟ ودعنا من هذا أيضا، ولنسلم بأنه لم يكن يملك إلا هذا.. ونذهب إلى الشرطة.. الآن -سيداتي سادتي- أصبحت المعلومة عند الشرطة، والساعة الحادية عشرة صباحا، ومازال هناك سبع ساعات كاملة قبل اللقاء، فما الذي يجب فعله؟ أعتقد أن المسئولية تحتم التدخل والتدخل فقط.. وذلك كالتالي: تفتيش هؤلاء الذين رفضوا التفتيش، ولو بإذن نيابة سريع -تحسبا لمقولة عدم قانونية ذلك، واتهامهم من قبل منظمات حقوق الإنسان التي أصبحت البعبع للشرطة- والقبض على من معه أي وسائل قد تسبب خطورة على الأمن، وحشد قوات أكبر للسيطرة على مجريات اللقاء، بعد أن فاحت رائحة الخطورة في كل مكان. سيقول لي البعض: الشرطة مازالت في مرحلة الاستشفاء، وهي غير قادرة على مواجهة هذا كله.. وسأصدقهم -أو سأدعي ذلك على مضض- ولكني سأعود لأسأل: وماذا بعد؟ إذا كنا قد سلمنا بعدم قدرتكم على تأمين المباراة، فلماذا لم تعترفوا بذلك للقوة الأكبر الحاكمة المتحكمة في مصير البلاد الآن، وهي الجيش؟ هل أخذتكم العزة، فلم تريدوا أن تعترفوا بذلك؟ أم أن هناك أمرا آخر؟!!! أسئلة كثيرة طرحتها وأسئلة كثيرة أخرى طرحت نفسها من نوعية: من فتح الأبواب؟ ولماذا كل هذا العنف والتحطيم للاستاد بكل محتوياته، إذا كانت الفكرة هي الاعتراض على الحكم ونتيجة المباراة؟ ولماذا.. ولماذا.. ولماذا.. أسئلة كثيرة.. إجاباتها ربما تكون عندكم ولو بقليل من التفكير.. ولكن الإجابة الحقة ستكون عند التحقيق الذي أعلن عنه الدكتور عصام شرف رئيس الوزراء، والذي سنضعه -أي التحقيق- ضمن أوليات مطالبنا جنبا إلى جنب مع الكشف عن المسئولين عن موقعة الجمل، واسترداد أموال مصر المنهوبة، والتخلص من الوجوه التي أساءت لكل مصري يحيا فوق تراب هذا البلد الذي يستحق من الكثير.. وأخيرا: "رغم كل شيء.. تحيا الثورة.. تحيا مصر.. تحيا مصر.. تحيا مصر".. *