لا شيء أسهل من الكلام.. وحين يبقى الأمر مقصورا على الكلام فقط.. فمن حق كل واحد منا تخيل وإعلان أنه الأقوى والأذكى والأكثر خبرة أو حكمة أو معرفة.. ثم تصادفنا مواقف نضطر فيها لمواجهة أنفسنا بما كنا نقوله، لنقرر هل سيبقى نفس كلامنا أم سنضطر للبحث عن كلام جديد.. وبيننا الآن كثيرون بدأوا ينتقدون كل هذا الاهتمام المغالى فيه بكرة القدم وحجم الإنفاق عليها، الذي كان حاصلا في مصر قبل يناير، أو يعلنون سخطهم وضيقهم بكل هذه الملايين التي كان يجري إهدارها داخل دوائر كرة القدم.. والمطلوب الآن من هؤلاء تحديد موقفهم بوضوح بشأن المطلوب سداده لشركة فرنسية مقابل إذاعة المباراة الحاسمة بين مصر وجنوب إفريقيا.. هل يوافقون على أن يدفع التليفزيون المصري خمسة ملايين أو مليوني جنيه، على الأقل، لنقل هذه المباراة باعتبارها حدثاً يهم كل الناس، بالتالي هذه الملايين ممكن إنفاقها من أجل متعة المصريين وإشباع رغبتهم بمشاهدة فريقهم ونجومهم.. أم سيبقى هؤلاء يرون ذلك إهدارا للمال العام، لأن المصريين بعد كل الذي جرى لم يعودوا مضطرين للفرجة على الكرة بأي ثمن، ومن الممكن متابعة المباراة إذاعيا أو الاكتفاء بمعرفة النتيجة، مع انتظار رؤية وتحليل خبراء الكرة على الشاشات وأوراق الصحف؟! وأنا أحترم كل الآراء وأصحابها، مهما اختلفت معها ومعهم، ولكنني أبقى محتفظا بقناعتي بأنه ليس من الضروري نقل وإذاعة تلك المباراة على الهواء.. ليس فقط توفيرا للمال في ظروفنا الحالية التي تلزمنا كلنا بالاستغناء عن كثير مما اعتدنا عليه في السابق.. ولكن ليبقى القرار بعدم نقل هذه المباراة نقطة تحول، سواء في سياستنا الكروية أو الإعلامية وإنهاء كل حالات الغموض والارتباك وإلغاء تلك المساحات الرمادية التي كانت تشهد الخلط الفاضح والفادح بين كل ما هو عام مثل المال والهوى والرغبة، وبين كل ما هو خاص مثل المصلحة والمكسب والمجاملة والفساد.. أتمنى أيضا مواجهة حقيقية لمثل هذا التلاعب بالمواقف والحقائق والرقص على مشاعر الناس وإتقان المشي على حبالهم.. وعلى سبيل المثال لا أقبل المشاركة في مظاهرة الاستنكار وثورة الغضب على التليفزيون المصري التي قادها مؤخرا سمير زاهر، رئيس اتحاد الكرة، بدعوى أنه حذر وطالب مسئولي التليفزيون بالانتباه والتفاوض والتعاقد مبكرا مع الشركة الفرنسية، التي اشترت حقوق مباراة جنوب إفريقيا ومصر.. ف"زاهر" أول من يعرف أن التليفزيون الآن يعيش منتهى الفوضى والارتباك وليس فيه الآن مسئول يملك سلطة أو جرأة اتخاذ القرار بالشراء أو الاعتذار.. وهكذا يريدنا زاهر أن نغضب كلنا على التليفزيون الذي ليس فيه حاليا مسئول نحاسبه، وهكذا يمر الأمر بسلام دون أي خسائر تطال الجبلاية ومسئوليها.. بل إنهم في الجبلاية يريدون لنا مسايرتهم واعتبار أن قرار الاتحاد الإفريقى بيع حقوق تلك المباراة للشركة الفرنسية بمثابة شهادة براءة لمسئولي الجبلاية وأنهم كانوا على صواب حين ألغوا مزايدة بيع حقوق اتحاد الكرة، بزعم أنها تضمنت بيع حقوق لم يعد يملكها الاتحاد المصري.. وليس هذا صحيحا.. فإن كان الاتحاد الإفريقي باع حقوق تصفيات البطولة الإفريقية.. فلماذا لم يتابع مسئولو الاتحاد المصري ذلك، بحثاً عن حقوق مصر ونصيبها؟! وهل يعني ذلك أن الاتحاد المصري لم يعد يملك حقوق مباراتيه هنا في استاد القاهرة في نفس تصفيات تلك البطولة وأصبحت الشركة الفرنسية هى التي تملكها.. وهل يريد مسئولو الجبلاية الآن إقناعنا بأن كل الدول الإفريقية باتت مطالبة بسداد هذه المبالغ الضخمة لتملك شعوبها حق الفرجة على الكرة أم أن الأمر يخصنا نحن فقط في مصر ومعنا بلاد الشمال الإفريقي، التي تم بيعها في المزاد السري لمصلحة قناة "الجزيرة" بموافقة وعلم مسئولي الكرة والإعلام في مصر والجزائر وتونس والمغرب.. وهل تملك الشركة الفرنسية الحق في رفع سعر المباراة الواحدة من 40 ألف دولار، إن قررت أي دولة إفريقية الشراء، إلى مليون، أو إلى مائتي ألف دولار، إن قررت مصر فقط الشراء؟! نفس التلاعب والخداع.. كأنه لا شيء تغير أو سيتغير. *