أزمتنا مع ثورة يناير أنها خلقت داخلنا طموحا هائلا لتغيير وإصلاح كل أمور وشئون حياتنا وبلادنا وإنهاء كل أزماتنا ومواجعنا.. الفساد والفشل والإحباط والفتنة والظلم والتفرقة السياسية والدينية والاجتماعية.. وعلى الرغم من بعض أو كثير من الظواهر المقلقة والمزعجة والمخاوف التي باتت تتكوم وراء كل باب وفي كل قلب.. لايزال ذلك الطموح والأمل في التغيير قائما ودائما ومشروعا أيضا.. وأرجو ألا يتخيل أحد أنني أخون وطني الموجوع والمسكون بمخاوفه وهمومه إن تركت الحرائق والجرائم والخرائب وتلفيق مستندات ووثائق باسم أمن الدولة ورحت أتحدث عن كرة القدم التي لا أزال أراها مرآة تعكس صور باقي مجالات وتفاصيل أمورنا.. ففيها نفس الفساد الذي استوطن كل زوايا الوطن.. ونفس الأسماء اللامعة التي باتت اليوم متهمة أو هاربة أو مشكوكاً في نزاهتها أو ممنوعة من السفر.. نفس العمد وخلط الحقائق بالأكاذيب وترويج الشائعات حتى لا تبقى قضية واحدة مكتملة ويسهل إغلاق أي ملف والهرب من أي مسئولية.. وإذا كان مجرمو أمن الدولة لا يزالون، حتى الآن، يخوضون حربهم الأخيرة ضد الوطن بمستندات ووثائق مزورة تركوها عمدا قبل الهرب من مكاتبهم ولم تمس، بالمصادفة البحتة الملائكية، إلا شرفاء ووجوها وأسماء يحبها ويحترمها الناس.. فإن الكرة أيضا جهاز مماثل يمكن تسميته جهاز لعب الدولة.. بعض قادته أيضا فاسدون يريدون تزييف كل شيء وممارسة الصخب والضجيج بأعلى صوت ممكن حتى لا يظهر الفساد الكروي والرياضي الحقيقي.. وإذا كان جهاز أمن الدولة قد حاول، بعبقرية أحسده عليها، أن يحاصر بالشكوك والظنون أسماء لها قامتها وقيمتها مثل عمرو موسى والبرادعي ومحمود سعد وعمرو الليثي ومجدي الجلاد ومنى الشاذلي مع التشكيك في وطنية ومسئولية وأخلاق وسلوك أسماء رائعة مثل الأسواني وبلال فضل دون أن يبقى أي أحد فوق النقد.. فإن جهاز لعب الدولة على الناحية الأخرى حاول، ولايزال، جرجرة كل الناس إلى حروب وهمية بين جمهوري الأهلي والزمالك وترويج لقصص زائفة عن الجمهور الذي لم يكن مع الثوار أو قدم عددا أكبر من الشهداء مع اتهام غبي لجمهور بالسعي لإلغاء الدوري وكأنه لايزال ممكنا لعب الكرة في هذه الظروف.. وإذا كان الإعلام السياسي والاجتماعي في مصر قد بدأ بالفعل تغييرا حقيقيا في منهجه ورؤيته وقواعده محاولا اللحاق بمصر التي ثارت من أجل أن تتغير وتتطهر.. فإن الإعلام الرياضي.. أو جهاز لعب الدولة.. عاد بعد الثورة بنفس مناهجه وصوره القديمة.. ولا أتحدث عن أسماء ووجوه وإنما عن مناهج وقواعد لابد من تبديلها بشكل حاد ونهائي.. عاد الإعلام الرياضي بنفس الخلافات الشخصية وتبادل الاتهامات والسخرية على حساب أي قضايا حقيقية بعيدا عن أي تعصب أو مصالح خاصة وممارسة أغرب نقد إعلامي في الدنيا يتلخص في مصمصة الشفاه وتحريك الحواجب وهز الأكتاف.. وقد أصبحت أخشى أن يتحول هذا الإعلام الرياضي العاجز عن التغيير إلى إحدى القنابل الموقوتة في مصر تماما مثل الفتنة الطائفية وأعمال البلطجة وفوضى غياب الحسم والأمن.. أخشى أن يدرك الإعلاميون الرياضيون متأخرا جدا أن زمنهم القديم أبدا لن يعود مرة أخرى.. ولن تتصدر البرامج الرياضية المشهد اليومي في مصر.. ولن تتوارى في الظل من جديد قضايا الناس والسياسة والاقتصاد والمجتمع، تاركة الاهتمام والأضواء للكرة وحدها ونجومها وبرامجها.. فيعجز هؤلاء الإعلاميون عن استيعاب قواعد هذا الزمن الجديد وبدلا من الاكتفاء بحدود ومساحات طبيعية وواقعية تناسب حجم الكرة ومكانتها مع الاجتهاد الحقيقي هذه المرة في تقديم إعلام رصين وحقيقي ومختلف ومحترم.. يروح هؤلاء أو معظمهم في اختلاق معارك جماهيرية وهمية يخوضونها بالطبول الفارغة وصخب الأكاذيب والصوت العالي لمجرد محاولتهم استعادة المكانة التي كانت والأضواء التي انحسرت والمشاهدة والأرباح التي تعد مثل سابق الزمان يوم كانت الكرة هي كل وأغلى وأهم شيء.. وأتمنى أن يفيق الناس ولا يسمحون أو يقبلون بأكاذيب جهاز أمن الدولة أو حروب وتفاهات جهاز لعب الدولة. *