الرئيس السيسي: سيناء تشهد جهودا غير مسبوقة لتحقيق التنمية الشاملة    شوشة عن إنجازات سيناء الجديدة: مَنْ سمع ليس كمَنْ رأى    «التعليم» تستعرض تجربة تطوير التعليم بالمؤتمر الإقليمي للإنتاج المعرفي    "أبو زعبل للصناعات الهندسية" تكرم المحالين للمعاش    الأردن يسير قافلة مساعدات جديدة مكونة من 115 شاحنة إلى غزة    نادي الأسير الفلسطيني: الاحتلال يعتقل 8455 من الضفة منذ بدء العدوان    البحرية البريطانية: بلاغ عن حادث بحري جنوبي غرب عدن اليمنية    اقتحام أكثر من 1128 مستوطنًا لباحات المسجد الأقصى    الكويت ترحب بنتائج تقرير أداء "الأونروا" في دعم جهود الإغاثة للفلسطينيين    مواعيد مباريات الخميس 25 إبريل - الأهلي والزمالك في بطولة إفريقيا لليد.. ومواجهة صعبة لمانشستر سيتي    صباحك أوروبي.. بقاء تشافي.. كذبة أنشيلوتي.. واعتراف رانجنيك    مفاجأة غير سارة لجماهير الأهلي قبل مواجهة مازيمبي    الأهلي يصطدم بالترجي التونسي في نصف نهائي كأس الكؤوس لليد    موعد مباراة الزمالك وشبيبة أمل سكيكدة الجزائري في نصف نهائي كأس الكؤوس لليد    تحذيرات الأرصاد الجوية ليوم الخميس 25 أبريل 2024    التريلا دخلت في الميكروباص.. 10 مصابين في حادث على صحراوي البحيرة    مصرع وإصابة 10 أشخاص إثر تصادم سيارتين في البحيرة    حمزة العيلى عن تكريم الراحل أشرف عبد الغفور: ليلة في غاية الرقي    اليوم.. حفل افتتاح الدورة ال 10 لمهرجان الإسكندرية للفيلم القصير    الليلة.. أنغام وتامر حسني يحيان حفلا غنائيا بالعاصمة الإدارية    وزير التعليم العالي: تعزيز التعاون بين منظومة المستشفيات الجامعية والتابعة للصحة لتحسين جودة الخدمات    «الإسكان» تسترد 9587 متر مربع من الأراضي المتعدى عليها بالسويس الجديدة    "مستقبل وطن": تحرير سيناء يوم مشهود في تاريخ الوطنية المصرية    بعثة الزمالك تغادر مطار القاهرة استعدادا للسفر إلي غانا لمواجهة دريمز    فرج عامر: لم نفكر في صفقات سموحة حتى الآن.. والأخطاء الدفاعية وراء خسارة العديد من المباريات    عادل الغضبان يهنئ أبناء محافظة بورسعيد بالذكرى ال 42 لعيد تحرير سيناء    سعر الدولار اليوم في مصر 25-4-2024.. كم سجلت العملة الخضراء بالبنوك بعد آخر انخفاض؟    تنتهي 11 مساءً.. مواعيد غلق المحلات في التوقيت الصيفي    مواعيد المترو بعد تطبيق التوقيت الصيفي.. اعرف جدول تشغيل جميع الخطوط    الشواطئ العامة تجذب العائلات في الغردقة هربا من الحر.. والدخول ب20 جنيها    نشرة مرور "الفجر ".. سيولة بمحاور القاهرة والجيزة    أسعار السمك البلطي والبياض اليوم الخميس25-4-2024 في محافظة قنا    انقطاع مياه الشرب عن منشية البكري و5 مناطق رئيسية بالقاهرة غدًا    وزير النقل يشهد توقيع عقد تنفيذ أعمال البنية الفوقية لمشروع محطة الحاويات تحيا مصر 1 بميناء دمياط    فن التهنئة: استقبال شم النسيم 2024 بعبارات تمزج بين الفرح والتواصل    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس25-4-2024    أمر عجيب يحدث عندما تردد "لا إله إلا الله" في الصباح والمساء    هل يوجد فرق بين صلاتي الاستخارة والحاجة؟ أمين دار الإفتاء يوضح    طرح محال وصيدلتين ومخبز واستغلال أماكن انتظار مركبات بالعبور بالمزاد العلني    هيئة الرعاية بالأقصر تعلن رفع درجة الاستعداد تزامنا مع خطة تأمين ذكرى تحرير سيناء    الصحة: 3.5 مليار جنيه لإنجاز 35 مشروعا خلال 10 سنوات في سيناء    احتجاجات طلابية في مدارس وجامعات أمريكا تندد بالعدوان الإسرائيلي على غزة    حبس المتهم بإنهاء حياة شخص بسبب الخلاف على المخدرات بالقليوبية    لأول مرة .. أمريكا تعلن عن إرسالها صواريخ بعيدة المدى لأوكرانيا    أستاذ دراسات دولية: الصين تسعى لتهدئة الأوضاع في الحرب الروسية الأوكرانية    علماء بريطانيون: أكثر من نصف سكان العالم قد يكونون عرضة لخطر الإصابة بالأمراض التي ينقلها البعوض    مشاجرات خلال اعتقال الشرطة الأمريكية لبعض طلاب الجامعة بتكساس الرافضين عدوان الاحتلال    هل ترك جنش مودرن فيوتشر غضبًا من قرار استبعاده؟.. هيثم عرابي يوضح    الفندق عاوز يقولكم حاجة.. أبرز لقطات الحلقة الثانية من مسلسل البيت بيتي الجزء الثاني    المنيا.. السيطرة على حريق بمخزن أجهزة كهربائية بملوى دون خسائر في الأرواح    الاحتفال بأعياد تحرير سيناء.. نهضة في قطاع التعليم بجنوب سيناء    هل يجوز قضاء صلاة الفجر مع الظهر؟.. «الإفتاء» تحسم الجدل    رئيس «الطب النفسي» بجامعة الإسكندرية: المريض يضع شروطا قبل بدء العلاج    مش بيصرف عليه ورفض يعالجه.. محامي طليقة مطرب مهرجانات شهير يكشف مفاجأة    تقسيط 30 عاما.. محافظ شمال سيناء يكشف مفاجأة عن أسعار الوحدات السكنية    الزكاة على أموال وثائق التأمين.. الإفتاء توضح أحكامها ومتى تجب    حظك اليوم برج الميزان الخميس 25-4-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    فريد زهران: نسعى لوضع الكتاب المصري في مكانة أفضل بكثير |فيديو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المجاهدات الرّوحيّة لبلوغ الوطن الإلهيّ
نشر في شموس يوم 03 - 10 - 2018


شموس نيوز – خاص
“يا ابن البشر، إن تحبّ نفسي فأعرض عن نفسكَ، وإن ترد رضائي فأغمض عن رضائكَ لتكون فيّ فانياً وأكون فيكَ باقياً.” (الكلمات المكنونة- حضرة بهاء الله)
إنّ الكلام الإلهيّ لا ينقطع ولا يتوقّف ولا يعرف الأمس واليوم والغد. فالكون بأسره تحت نظر الله منذ البدء وإلى الأبد. “إنّ ألف سنة في عينيك مثل يوم أمس بعد ما عبر، وكهزيع من اللّيل” (مزمور 4:90). والله يحدّث كلّ إنسان ولا يسمعه إلّا المنفتح على الخير والحبّ والجمال. في كلّ إنسان نزعة إلى العلو، إلى قلب الله. وهذه الرّحلة أو هذا الحجّ إليه يتطلّب تدرّجاً في الجهاد الرّوحيّ ومثابرة على المسير نحو النّور، وعزم على التّحرّر من كلّ قيد يمكن أن يشكّل حاجزاً بين الإنسان والله.
حضرة بهاء الله، الّذي جاء بتعاليم روحانيّة واجتماعية جديدة تتوافق وعصرنا الحديث، بحسب الدّين البهائيّ، علّم أن هناك إلها واحدا، وأنّ الأديان جميعًا من عند الله، وأنّ الوقت قد حان للبشريّة لكي تدرك وحدتها وتتآلف. ويظهر لنا الاختبار الإيمانيّ الخاصّ لحضرة بهاء الله من خلال مؤلّفاته وكتبه العديدة. إلّا أنّني سأتوقّف عند كتاب “الوديان السّبعة” الّذي يشرح فيه حضرة بهاء الله التّدرّج الرّوحيّ لبلوغ الوطن الإلهيّ. وبهذا، فنحن أمام اختبار أدّى إلى ترجمة حديث القلب أو تدرّج حضرة بهاء الله في هذه المراحل السّبعة ليرتقي تدريجيّاً من العالم نحو الله. (وبعد – فإنّ للسّالكين إلى الوطن الإلهيّ من المسكن التّرابي مراتب سبعا معلومة يسمّيها البعض “الوديان السّبعة” ويدعوها آخرون المدن السّبع، وقيل إنّ السالك لن يرد بحر قرب الوصال، ولن يرشف من خمر لا مثال إلّا إذا هجر نفسه وهواها، وبلغ هذه الأسفار أقصاها ومداها.)
يدلّ عنوان الكتاب على المضمون الرّوحانيّ ويكشف صوفيّة حضرة بهاء الله، كحالة ترتقي نحو الله بحثاً عن ملاقاته وذلك من خلال سبع مراحل يتدرّج فيها الإنسان لتكتمل العلاقة في المرحلة السّابعة. ولئن كان للرّقم سبعة الّذي يجمع العالم الإلهي المرموز إليه بالرقم ثلاثة والعالم الأرضيّ المرموز إليه بالرّقم أربعة، دلالة الكمال. تشكّل معنى العنوان (الوديان السّبعة) المنطلق من التّراب نحو العلو. ولعلّ كلمة (وديان) تشير إلى العمق الإنسانيّ الّذي سيتحرّر منه الإنسان تدريجيّاً منطلقاً من الوادي إلى قمّة الجبل. وكأنّي بحضرة بهاء الله يتطلّع إلى الجبل مجازيًّا ويشرح كيفيّة الصّعود من الوادي.
يمكن اعتبار الأقسام الأربعة الأولى متعلّقة بالمجاهدة الأرضيّة والأقسام الثّلاثة الباقية مرحلة العلاقة الفعليّة مع الله حيث إنّ الرّوح تحرّرت وانطلقت نحو الله.
في الوادي الأوّل “وادي الطّلب”، يتحلّى الإنسان بالصّبر والمثابرة مطهّراً قلبه وسمعه عن كلّ ما رأى. فتبدأ رحلة التّجرّد وإفراغ الذّات من كّل ما فيها استعداداً للامتلاء من النّور الإلهيّ. وفي ذات الوقت يتمدّد الإنسان في العالم روحيّاً من خلال بناء العلاقة مع الآخر في أي مكان بحثاُ عن سرّ المحبوب الإلهيّ. وهنا نتلمّس العلاقة العموديّة الأفقيّة المشتركة بين كلّ المحبّين. فبلوغ قلب الله يبدأ بعلاقة المحبّة مع الآخر. (والسّالك في هذا السّفر يفترش كلّ تراب ويسكن كلّ بلد ويتوسّم جمال المحبوب في كلّ وجه ويطلب الصّديق بكلّ دار، ويجالس أية جماعة في مجمع، ويرافق كلّ شخص عساه أن يلمح فيه سرّ محبوبه أو يشاهد في وجه ما جمال معشوقه.) والمعنى الضّمنيّ لكلام حضرة بهاء الله يدلّ على أهمّيّة حضور الآخر
في ارتقاء الرّوح نحو الله. ولا بدّ من أنّ الدّيانة البهائيّة الّتي تدعو إلى وحدة البشريّة، تعي أنّ تآلف البشر ووحدتهم تبلّغهم قلب الله.
في الوادي الثّاني “وادي العشق”، يتبيّن الشّوق إلى الله إذا ما لمس الإنسان شعاعاً من نوره. فينجذب إليه ويشتعل شوقه إلى السّماء. ويتحدّث حضرة بهاء الله عن عنصر الألم، كعنصر مهمّ في هذه المرحلة المرافقة للعشق الّذي يمنح العاشق القدرة على احتمال كلّ ألم في سبيل إعلاء الكلمة الإلهيّة. ولا يحتمل العاشق الألم مرغماً وإنّما تلقائيّاً في سبيل معشوقه. بل يصبح العشق معبد العلاقة مع الله، (أشعل نار العشق ثمّ احرق الحياة طرا // ثمّ اخط بقدمك داخل كعبة العشّاق)
في الوادي الثّالث “وادي المعرفة”، بالعشق تتكوّن المعرفة، أو العشق هو المعرفة فهو الّذي إذا ما امتلك العاشق أنار عقله فاستنار وبدأ بتلمّس الحقائق والأسرار، فيبصر بقلبه ما لا يرى ولا يُدرك. (في هذه الرّتبة يرضى السّالك بالقضاء ويرى الحرب صلحاً ويدرك في الفناء معاني البقاء ويرى بعين الظّاهر والباطن في آفاق الوجود وأنفس العباد أسرار المعاد ويلحظ بالقلب الرّوحانيّ الحكمة الصّمدانيّة في المظاهر الإلهيّة اللّامتناهية يرى في البحر قطرة ويلحظ في القطرة أسرار البحر.) يحيلنا هذا المعنى إلى قول القدّيس يوحنّا الإنجيليّ (من لا يحبّ لم يعرف الله، لأنّ الله محبّة)، فيربط المعرفة للعالم الإلهيّ بالحبّ، لأنّه بالحبّ نعرف الحبّ. وينكشف لنا جوهره. وبنوره نعاين النّور، فالشّيء بالشّيء يُعرف.
في الوادي الرّابع، “وادي التّوحيد” يرتقي الإنسان فوق العالم متحرّراً من شهواته منجذباً نحو المعشوق فقط. بمعنى أنّه أصبح يرى العالم من فوق، بالنّور الإلهيّ، لا بعقله المحدود، فيرى الله في كلّ شيء دونما الحديث عن حلول أو اتّحاد مراعياً شرح كيفيّة رؤية الله في كلّ شيء إذ يقول: “لأنّ صاحب البيت يتجلّى في بيته فتستضيء أركان بيته جميعاً بضيائه وما فعل النّور وأثره إلّا من المنير حيث يتحرّك به الجميع وبإرادته يقومون… وحاشى أن يكون في هذا البيان ريح الحلول أو تنزيل لعوالم الحقّ إلى مراتب الخلق، فلا يشتبه الأمر عليكم، ذلك بأنّ الحقّ مقدّس بذاته عن الصّعود و النّزول والدّخول والخروج، لم يزل عن صفات الخلق غنيّا ولا يزال لم يدركه أحد ولم تصل إلى كنهه نفس.”
في الوادي الخامس “وادي الاستغناء”، يفتقر الإنسان إلى كلّ شيء ويغتني بالله. هو في العالم إلّا أنّ روحه تنعم في الأبديّة الإلهيّة. ومن العسير شرح هذه الحالة لأنّها فوق اللّغة وأعمق من أن توصف بالكلمات. “يمكن شرح حال العارفين قلبا لقلب، فليس هذا منهج القاصد ولا هذا حدّ المكتوب”، ويصف ابن الفارض هذه الحالة بقوله:
وأسكت عجزا عن أمور كثيرة بنطقي لن تحصى ولو قلت قلّت
في الوادي السّادس، “وادي الحيرة”، أي الدّهشة لما يحياه الإنسان في حضرة النّعيم الإلهيّ. فالبالغ هذه الحالة سكر بالمحبّة والجمال، ما عبّر عنه ابن الفارض قائلاً: “زدني بفرط الحبّ فيك تحيّرا// وارحم حشى بلظى هواك تسعّرا”. فالسّكر يأتي بعد فرط المحبّة والعشق.
في الوادي السّابع، “وادي الفقر الحقيقي والفناء الأصلي” يكون التّخلّي النّهائي عن العالم بالافتقار إليه، والعيش في دائرة الحقيقة الّتي يعبّر عنها حضرة بهاء الله قائلاً: “والافتقار عن النّفس والغنى بالمقصود وأمّا ذِكر الفقر في هذا المقام يعني الفقر عن كلّ ما في عالم الخلق والغنى بكلّ ما في عالم الحقّ.”
لعلّ حضرة بهاء الله كتب “الوديان السّبعة” وهو في المرحلة السّابعة، حتّى إذا ما شرع في الكتابة أصغى إلى حديث القلب، حديث الله السّاكن فيه. فأبصر المحبّة وعاين قدرتها على الارتقاء بالإنسان وخلاصه من بؤسه وشقائه. فأعاد قراءة جهاده الشّخصيّ في سبيل بلوغ الوطن الإلهيّ. ولعلّ ما أتى في الكتاب بعض ممّا في قلبه، فإنّ العاشقين عاجزون عن نقل الحالة حرفيّاً لأنّها حالة للتأمّل بصمت. (عندما بلغ القلم وصف هذه الحال // تحطّم القلم وتمزّق القرطاس).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.