بوابة شموس نيوز – خاص أوَّلُ معرفتي بالشاعر المصري الكبير محمد عفيفي مطر ترجعُ ربَّما إلى أكثر من عشر سنواتٍ.. كانت صورتهُ في مجلَّةٍ أدبيَّةٍ أظنُّها " الشرق " خُصِّصت لتكريمِ شاعرٍ فلسطينيِّ من عربِ الداخلِ هو الشاعر فاروق مواسي… فيما بعد سألتُ صديقاً شاعراً عنهُ فعرفتُ حينها أن هذا الشاعر المصريَّ الأسمرَ الذي تنتمي ملامحهُ إلى ملامحِ أجدادهِ الفراعنة أحد أهمِّ الرموز الشعريَّة في مصر والعالمِ العربيِّ بأسرهِ وأحدُ الذينَ شكَّلوا ظاهرةَ الشعرِ الستينيِّ وأغنوا تجاربها وجوانبها. ولكنَّهُ مغيَّبٌ في طبيعةِ الحالِ لعدمِ إتقانهِ الغناءَ في جوقةِ ببغاواتِ وطواويسِ القصرِ.. حزنتُ حينها ولم أفهم كيفَ يكونُ أحمد عبد المعطي حجازي في مقامٍ ومحمَّد عفيفي مطر في مقامٍ آخرٍ وشتَّانَ شتَّانَ بينَ المقامين. الحقُّ يقالُ بأنني لم أتوَّفر على تجربةِ الشاعرِ حتى ذلك الحين ولم أقرأ له إلاَّ قصائدَ متفرقَّة هنا وهناك. قراءةً لم تلقِ الضوءَ الكامل على تجربتهِ الشعرية بَيْدَ أنني قرأت أعمالَ مجايليهِ أمل دنقل وصلاح عبد الصبور وأحمد عبد المعطي حجازي. أتذكَّرُ الآن أنني عثرتُ في مطبعةِ صديقٍ حيفاويِّ على ديوانهِ الفذِّ الجميل والذي شدَّني من أوَّل وهلةٍ " إحتفالياتُ المومياءِ المتوَّحشة " ولكنني لم أقم باستعارتهِ لقراءتهِ.. قمتُ فقط بتصفُّحهِ تصفُّحاً عابراً ولاحظتُ أنَّهُ يحملُ في طيَّاتهِ نفسَاً متمرِّداً جديداً وتحوُّلاً خطيراً.. لا يشبهُ شعرَ أمل دنقل إلاَّ في جموحهِ وكبريائهِ وسخطهِ على بلاطِ السلطانِ الظالمِ.. هناكَ بعدٌ مميَّزٌ ينأى بغنائيَّتهِ عن قصائدِ عبد الصبور وحجازي أيضاً.. شعرٌ يحملُ النارَ المقدَّسة الطاهرةَ والخصوبة والتنوُّعَ العبقريَّ والموسيقا الوليدة التي تدغدغُ الأحاسيسَ قبلَ أن تصلها كإعصارٍ جامحٍ.. ندمتُ فيما بعد على عدمِ استعارتي هذا الديوان من الصديق ولكنني قرأتُ عنهُ كثيراً من خلالِ دراساتٍ عن الشاعرِ وتجربتهِ. ديوانُ "احتفالياتُ المومياء المتوَّحشة " كُتبَ داخلَ السجن في أوائل التسعينيَّات عندما عارضَ الشاعرُ وقوفَ بلادهِ بجانبَ القوَّات المتحالفة ضدَّ العراقِ… فزُّجَ بهِ في السجنِ وعُذِّبَ بأن عُلِّقَ من يدهِ في دهليزِ السجنِ فكانَ لا يرى إلاَّ الظلامَ ويظنُّ من شدَّةِ ألمهِ أنَّ أولادهُ معهُ في السجنِ فكانَ ينادي عليهم بأسمائهم.. وتجربةُ السجن التسعينيَّةُ هذهِ طالما حملتهُ إلى مشارف الجنون والهذيان. يقولُ الشاعرُ واصفاً ليلَهُ في سجنِ طرة في قصيدةٍ بعنوان" هذا الليل" : هذا الليل يبدأ دهر من الظلمات أم هي ليلة جمعت سواد الكحل والقطران من رهج الفواجع في الدهور! عيناك تحت عصابة عقدت وساخت في عظام الرأس عقدتها، وأنت مجندل – يا آخر الأسرى… ولست بمفتدى.. فبلادك انعصفت وسيق هواؤها وترابها سبياً – وهذا الليل يبدأ، تحت جفنيك البلاد تكومت كرتين من ملح الصديد الليل يبدأ والشموس شظية البرق الذي يهوي إلى عينيك من ملكوته العالي، فتصرخ، لا تغاث بغير أن ينحل وجهك جيفة تعلو روائحها فتعرف أن هذا الليل يبدأ، لست تحصي من دقائقه سوى عشر استغاثات لفجر ضائع تعلو بهن الريح جلجلة لدمع الله في الآفاق.. هذا الليل يبدأ فابتدئ موتا لحلمك وابتدع حلما لموتك أيها الجسد الصبور الخوف أقسى ما تخاف.. ألم تقل؟! فابدأ مقام الكشف للرهبوت وانخل من رمادك، وانكشف عنك، اصطف الآفاق مما يبدع الرخ الجسور.. ————– 27/3/1991 معتقل طرة