ارتفاع إيرادات مصر السياحية إلى 12.5 مليار دولار خلال 9 أشهر    محافظ شمال سيناء يستقبل عددا من المواطنين لبحث مطالبهم    كامل الوزير: الكويت أكثر من مجرد شريك اقتصادي لمصر بل حليف استراتيجي نعتز به    صحة غزة تعلن توقف الخدمة في 6 مرافق طبية    «غادر المستشفى».. طارق يحيي يكشف التطورات الصحية ل حسن شحاتة    خروج 3 حالات من مصابي تسمم غذائي بعد تناول وجبات فاسدة من أحد المطاعم في الفيوم    مدبولي: نرتب مع الجهات المعنية للإعلان عن موعد جديد لافتتاح المتحف المصري الكبير    عالم أزهري يكشف عن أدعية مهمة لطلاب الثانوية العامة قبل النتيجة    مزايا خاصة بقسم الضُباط المُتخصصين.. شروط وضوابط القبول في كلية الشرطة 2025–2026    التعليم العالي: 72 ألف طالب يسجلون لأداء اختبارات القدرات    الرحيل سيتأجل؟ سبورت: اتجاه لإجراء تير شتيجن جراحة في الظهر    تطور جديد في إصابة حسين الشحات قبل مباراة الأهلي والبنزرتي    بقيادة مصطفى محمد.. نانت يواجه بطل أوروبا في افتتاح الدوري    المشاط تبحث مع البنك الدولي دفع التعاون متعدد الأطراف لتعزيز التنمية الاقتصادية بمصر    الداخلية تواجه سرقة التيار الكهربائي ب4120 قضية في يوم واحد    البورصة تخسر 12.5 مليار جنيه في نهاية تعاملات الثلاثاء    بينها ندوة أحمد نبيل.. برنامج عروض وفعاليات «القومي للمسرح المصري» اليوم    محمد ممدوح تايسون ضيف برنامج فضفضت أوى على watch it غدا    وزير قطاع الأعمال يبحث مع هيئة الشراء الموحد التعاون بقطاع الأدوية والمستلزمات الطبية    أسباب الشعور بالإرهاق بعد تناول الطعام بدلا من اكتساب الطاقة    فى ضربة قاضية لتعليم الانقلاب …أولياء الأمور برفضون الحاق أبنائهم بنظام البكالوريا    حملات مكثفة على مخابز الوادي الجديد ومتابعة تطبيق مبادرة حقك بالميزان    زيلينسكي يعرض مجددا لقاء بوتين: نريد إنهاء الحرب    الجامعة العربية تطالب العالم ب« تحرك فاعل» لإنهاء مذابح الاحتلال في غزة    انتظام محمد السيد في معسكر الزمالك بالعاصمة الإدارية    البورصة المصرية تخسر 12.5 مليار جنيه في ختام تعاملات الثلاثاء    ملك البحرين يهنئ الرئيس السيسي بذكرى ثورة يوليو المجيدة    بمشاركة رجال الشرطة.. حملة للتبرع بالدم في مديرية أمن أسيوط    مصرع دكتور جامعي وإصابة 5 من أسرته في حادث مروع بالمنيا    وسائل إعلام سورية عن مصدر أمني: اتفاق وقف إطلاق النار في السويداء يجري تطبيقه في معظم المناطق بلا خروقات    كريم نيدفيد لميركاتو : الإصابة وزحمة نص الملعب عرقلت مشواري مع الأهلي..تريزيجيه رجع بدري وزيزو انهى مقولة المستحيل في الكرة    مصر وفرنسا تبحثان سُبل تعزيز التعاون في مجال الطيران المدني    فيلم الشاطر ل أمير كرارة يحصد 22.2 مليون جنيه خلال 6 أيام عرض    أحمد عصام عن «كتالوج»: «كنّا أسرة مع بعضينا ووليد الحلفاوي شغل الكاميرا» (فيديو)    تفاصيل تجربة يوسف معاطي مع الزعيم عادل إمام في الدراما    ظاهرة ألبومات ال15 أغنية .. مغامرة فنية فى زمن ال «السينجل»    يضم 24 مدرسة، قيادات الأزهر يفتتحون المقر الرسمي لأكاديمية «مواهب وقدرات» للوافدين    حملة دعم حفظة القرآن الكريم.. بيت الزكاة والصدقات يصل المنوفية لدعم 5400 طفل من حفظة كتاب الله    هل يجوز المسح على الكم بدلًا من غسل اليدين في الوضوء؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    تنسيق كلية تجارة 2025 علمي وأدبي.. مؤشرات الحد الأدنى للقبول بالجامعات    افتتاح نموذج مصغر للمتحف المصري الكبير بالجامعة الألمانية في برلين (صور)    حملة «100 يوم صحة» قدّمت 8 ملايين خدمة طبية مجانية خلال 6 أيام    استخراج جثامين طفلين من الأشقاء المتوفين في دلجا بالمنيا    ضبط شخص لإدارته كيانا تعليميا دون ترخيص للنصب والاحتيال على المواطنين بالجيزة    طقس السعودية اليوم الثلاثاء 22 يوليو 2025.. أجواء شديدة الحرارة    افتتاح فعاليات المؤتمر العلمي لأقسام "التربية النوعية" بجامعة جنوب الوادي    الصحة تكشف حقيقة نقص الأنسولين داخل مستشفيات التأمين الصحي    هل يجوز عمل عقيقة واحدة ل 3 أطفال؟.. أمين الفتوى يجيب    حقيقة مفاوضات الأهلي مع أحمد حسن كوكا    «أونروا»: سكان غزة يصابون بالإغماء من شدة الجوع    «الصحة» تبحث التعاون في الذكاء الاصطناعي مع شركة عالمية    وزير الخارجية يسلم رسالة خطية من الرئيس السيسي إلى الرئيس النيجيري    «حرب الجبالي» الحلقة 43 تتصدر التريند.. أسرار تنكشف وصراعات تشتعل    «أزمات في أوضة اللبس؟».. رد صريح من نجم الأهلي    من الهند إلى أوروبا.. خطة سرية كبرى بين نتنياهو وترامب لليوم التالي بعد إنهاء الحرب في غزة    «الداخلية» تعلن شروط قبول دفعة جديدة بكلية الشرطة    فلسطين.. 15 شهيدًا في قصف إسرائيلي استهدف خيام نازحين بمخيم الشاطئ غرب غزة    لا علاقة له ب العنف الجسدي.. أمين الفتوى يوضح معنى «واضربوهن»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الكتل التعبيرية المتوهجة عند كريم عبدالله
نشر في شموس يوم 13 - 10 - 2017

التوهج النصي المتقوم بالادهاش و التكثيف من اهم مميزات كتابات كريم عبد الله
و الظاهر لكل من يطالع اي نص من نصوص كريم عبد الله يجده لا يقبل ابدا ان يكتب نصا الا بكلمات متوهجة تتلألأ . انك حينما تقرأ نصا لكريم عبد الله تشعر و كأنك ترى سماء صافية و نجوم مشعة تبهر و تدهش .
هنا سنحاول تتبع الخصائص الابداعية في كتابات كريم عبد الله و التي تعطيها هذا الوهج الجمالي الفتان ، و الميزة الاهم لكتابات كريم عبد الله الجمع بين الفنية العالية بمثل هذا التوهج النادر و بين العذوبة و القرب و في الواقع اننا ندعو دائما الى ادب قريب و ممتع و في نفس الوقت احترافي و عالي الفنية ، يجمع بين الابداع و القرب و بين الفنية العالية و الامتاع ، وهذا ما لا يجيده الا قليليون من كتاب الادب اليوم ، لكن و بصراحة الشعر السردي و السردية التعبيرية قد مهدت الارضية لهكذا ادب نادر و فذ ، و شعراء مجموعة الشعر السردي قد حققوا تلك الغايات ، وهذا امر مهم و تأريخي .
هنا سنحاول تتبع تلك الميزات و الخصائص الجمالية و التعبيرية في قصيدة ( كلّما أناديكِ تتعطّرُ حنجرتي )وهي نموذج لكتابات كريم عبد الله في هذا الشكل الكتابي .
كريم عبد الله ؛ كلّما أناديكِ تتعطّرُ حنجرتي
هذا النص قصيدة تعبيرية باسلوب الشعر السردي ، يجمع بين البوح الرقيق و القرب و الامتاع و بين التوهج العالي للمفردات و التراكيب و الفنية العالية محققا كما و كيفا ابداعيا حسب قانون الابداع في جوانب معادلته من الاصالة و التجديد و الرسالية .
بخلاف الفنون البصرية فان الكتلة التعبيرية – و هي الوحدة المادية التي يشتغل عليها المبدع لانتاج فنه – و التي تتوحد في الفنون البصرية ، فانها في الفنون السعمية كالنص هي في الاصل متعددة ، فالوحدة الكتابية في الاصل تعتمد البناء الطولي الزماني و ليس العرضي المكاني البصري ، فلدينا المفردة ثم الاسناد بين مفردتين او اكثر ثم الجملة ثم النص ، فهذه اربع وحدات كتابية كل منها يمكن ان تكون كتلة تعبيرية ابداعية . و لقد اجاد كريم عبد الله في ابداعه الادبي على المستويات الاربعة ، فعلى مستوى المفردة هو معروف باستخدام خاص للمفرادت و التطعيمات و على مستوى النص هو معروف بالنص المفتوح و المجانية و على مستوى الجملة ايضا معروفة كتابته بالكثافة و الومضة و الضربة الشعورية ، و اما على مستوى الاسناد وهو العمل على جزء الجملة فهذا مما يتقنه كريم عبد الله فعلا وهو ما خصصنا هذا المقال له لان الحديث عن المستويات الاربعة يطول فعلا ، كما ان كلامنا هنا اي على مستوى الاسناد وجزء الجملة سيكون نموذجا لتبين جماليات التعبير عند كريم عبدالله في المستويات الاخرى .
و بخصوص الفردية و الاسلوب الخاص الذي تتميز به كتابات كريم عبد الله ، فان اي متتبع و متأمل في تلك لكتابات سيجد واضحا الضربة التأثيرية التي يعتمدها كريم عبد الله في اجزاء الجمل معطيا اياها توهجها الخاص المستقل عن الجملة ، بمعنى اخر ان كريم عبد الله ليس فقط يعمد الى التأثير الجملي و توهج الجملة الشعرية ، بل انه يعمد الى تركيب الجملة و تكوينها من اجزاء متوهجة لها تأثيرها الجمالي الخاص .
ان فهمنا للكتلة التعبيرية كمؤثر جمالي ضمن ادوات النقد التعبيري يختلف عن الفهم الاسلوبي له الذي يتمحور حول الشكل و النص و العلاقات النصية لذلك كان الانحراف و الانزياح و الذي هو فهم متطور للمجاز مركزيا في الاسلوبية . اما النقد التعبيري الذي نتبناه فانه ينظر الى التوهج اكثر من النظر الى الانحراف ، و يرى الفردية و التفرد في تلك القدرة على تعظيم الطاقات التوهجية للوحدات التعبيرية ، و ما الانزياح الى جزء من ذلك التوهج ، ذلك التوهج الذي يمتد في عمق النص باعتباره كلاما و نظاما لغويا و في الانظمة الماوراء نصية باعتبارها انظمة جمالية و تأثيرية و شعورية و انسانية ، بمعنى اخر ان النقد التعبيري يهتم بالانظمة الجمالية للوحدات التعبيرية اللغوية اكثر من لغويتها و نصيتها . وهذا الفهم يعطي مساحة و فهم اوسع للظواهر الجمالية و الادبية . لذلك يمكننا وصف النقد التعبيري بانه تجاوز للفهم الاسلوبي و انه يمثل مرحلة ( ما بعد الاسلوبية )للحقائق التي بيناها .
في قصيدة ( كلما أناديك تتعطر حنجرتي ) و اضافة الى نراه من ان هذا العنوان وخحده نص تقليلي متكامل ، و بجانب الابهار و الضربة الشعورية و الجمالية في هذه الجملية الشرطية و الرابطة لانسانية العميقة التي يصورها ، فاننا نلاحظ ان التوهج في عبارة ( تتعطر حنجرتي ) غير مقتصرا على الانزياح ، و انما هناك عمق تعبيري حقيقي ، و أثر جمالي يعطي للكلمات معان اخرى وهذا ما نسميه ( الرمزية النصية ) حيث تصبح للكلمات رمزية و معان تختلف عن معانها و دلالاتها خارجه ، كما ان هذا التوصيف للشعور الانساني الذي يصف بها الشاعر نفسه ، اي تعطر حنجرته يعد من حالات بلوغ الحدود الشعورية القوى ، اي ان المعبرقد بلغ اقصى درجات و مستويات التجربة الانسانية في هذا الشأن و هذا حقيقة يذكرنا بالشعر العذري عند العرب ، حيث انهم يبلغون مثل تلك المستويات القوى جدا في تعبيراتهم و تعلقهم و وضعهم الانساني مع من يحبون ، و لقد وصفناه في كتابات لنا ( بالبوح الاقصى ) وهذا بلا ريب عامل من عوامل الصدمة و كاشف عن معادل جمالي عميق يتحرك في مجال ما وراء النص في وعي القارئ و الانسانية . و من المهم التأكيد ان التأثير التعبيري و الجمالي و الشعوري عموما بل و الانساني لا يوجد في النص حقيقة بل يوجد في عوامل الوعي الانساني و المجالات الجمالية و اللغوية الماوراء نصية ، و وظيفة الشاعر ليس اختيارات نصية فقط ، بل اختيارات ماوراء نصية ، بل الشاعرية تكمن في امساك الشاعر بتلك المعارف الماوراء نصية ثم يترجمها الى عوامل نصية تعبيرية .
ان كريم عبد الله في نصه هذا لا يرى الكلمات فقط بل يرى الشعور الانساني حتى انك تشعر انه عوالم شعورية و تأثيرية عميق في الوعي قبل ان يرا التعابير مكتوبة وهذا ما بديع الادب فعلا ، اذ يقول في قصيدته هذه :
( هذا الأثيرُ يحملُ عطرَ تصاويركِ وحدها تتنفتّحُ في ليلِ عيوني )
العذوبة و الهزة لا تكمن في التصوير البديع و البوح الرقيق ، و انما في الوقفات الانسانية في اجزاء هذه الجملة ،حيث نجد عمقا صوتيا شعوريا في اسم الاشارة و بدله في عبارة ( هذا الاثير ) و في الحقيقة لا يعطينا كريم عبد الله و في بداية قصيدته الا ان نلفظ هذه العبارة بهذه الكيفية ( هذااااااااا.. أل ...أثيييييييي...ر ) و بقدر النًفًس و عمقه تضرب هذه العبارة في عمق الانسانية و الشعور الانساني ، و تخبرنا و بوضوح ان الادب ليس نصا فقط بل هو عالم كبير واسع ، ثم يتقدم الشاعر في بناءاته الكتابية حتى يصل الى كتلة تعبيرية اخرى ايضا تضرب في العمق تتمثل بعبارة ( عطر تصاويرك ) و من الواضح اتقان كريم عبد الله لتجريد الاشياء من خصائصها المعروفة و تحويلها الى كيانات اخرى فالبصري المادي الجمادي يلبس صفة العطر وهذا المجاز و الانحراف بل و المجانية احيانا و ان كان فنا عاليا و بديعا لكن في العبارة و كما اشرنا ما هو اكثر عمقا و ابهارا الا وهو رؤية الشعور الانساني و تجسيده و تجلي الأثر الجمالية ، أي رؤية الكيانات و الانظمة الماوراء نصية العميقة في الوعي المنتجة لكم كبير من المعاني الجمالية و التأثيرية اللانصية و تجليها بقوة في الكتابةو لقد نجح الشاعر في ذلك.
تتكرر هذا الظاهرة الابداعية في باقي مقاطع النص حتى يقدم لنا الشاعر لوحة فريدة تقول كل شيء و تبوح بكل شيء و تدخل في مصافي البوح الانساني الجميل بما بذل الشاعر فيه من وقفات تعبيرية و ما قصده من تأثير جمالي و شعوري و توهج للمعاني في الوعي الانساني الكبير و العميق . ففي مقطع اخر :
( تمطرُ أحلاماً غزيرةً تسبحُ في ينابيعها الجديدةِ أصواتُ صبواتي ) و ايضا يتكرر البوح التعبيري الاقصى و بلوغ المستويات العليا من البوح و التعبير بعبارة ( تمطر احلاما ) وهو المناسب لهذا النص الوجداني الجياش .
و هكذا نجد ذلك الاداء و تلك القوة التعبيرية و الطاقات الواضحة في اجزاء الجمل كعبارات ( ألمَّ بريقَ عينيكِ) و ( النجوم تستجدي أنْ تغسلَ عتمتها ) و لا نحتاج الى كلام للاشارة الى بلوغ اعلى مستويات الانبهار الذي حل بالشاعر تجاه المثال الذي يحاكيه متمثلا في ( عتمة النجوم )، و عبارة ( أكاليلُ الأزهار تصطفُّ كلَّ صباحٍ على شرفتكِ ) و عبارة ( أسرابٌ مِنَ الطيور تحطّ ّ ُ على مائدتكِ لعلَّ فُتاتَ صوتك يجعلها تغرّدُ ) و عبارة ( فقبلَ أنْ أناديكِ تتعطّرُ حنجرتي ) لقد اراد كريم عبد الله ان يكتب هذه التجربة الانسانية الرفيعة قصيدة خالدة حيث يقول ( فأكتبكِ قصيدة خالدة ) و قد نجح فعلا .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.