الأرض بكل ما تحمل من تضاريس وكائنات حيَّة وجمال.. في خطر, هذا الأمر يشغل كثيراً العلماء والمهتمين بشؤون سلامتها وبقائها, لأنه يتعلَّق بمصير البشرية على وجه الخصوص, ومن هنا تأتي أهمية البحث الذي اختاره الأديب (علي إسماعيل السليمان) ليكون موضوعاً هاماً لمحاضرته ضمن فعاليات الجمعية الكونية التي ألقيت في المركز الثقافي العربي في (أبو رمانة) بدمشق. بعنوان: الكوكب الحي. كانت البداية تحمل عرض لمحة تاريخية عن الحياة على وجه الأرض, حيث وفرت للإنسان المأوى والدعم ليتناسل ويراكم طفرات وراثية حفزت استمراره وارتقاءه سلم التطور من مجرد وحيد خلية إلى كائنات معقدة, متنوعة بأشكال وأحجام وأصناف لا تحصى, استوطنت البحيرات الضحلة والمحيطات وسطح وباطن التربة والغلاف الجوي, فعاشت جنبا إلى جنب, وابتدعت سلاسلها الغذائية على قاعدة الغالب والمغلوب, فكانت ولادة ذلك الكائن الذكي والأناني في الوقت نفسه الذي هو الإنسان! الأرض في خطر, مرد ذلك حسب سياق المحاضرة إلى اكتشاف النار, وما تبع ذلك من أساطير تؤكد العقاب على سرقتها وإعطائها للإنسان, ومن هنا يأتي خطر العبث بالأرض. لقد تسارع التطور الصناعي والاقتصادي.. مما أحدث وقوع الكارثة الحقيقية لمناخ الأرض؛ حيث بدأ الإنسان بحرق الوقود الأحفوري وقطع الغابات وإلقاء نفاياته ومخلفات صناعاته في الأراضي والمحيطات؛ دونما رادع, وتضاعف الخطر من خلال المرور بمرحلة الثورة الخضراء المتمثلة باستخدام المبيدات والأسمدة الكيماوية والمضادات الحيوية, واكتشاف الوقود الأحفوري والكهرباء وتطور الصناعات المختلفة والثقيلة والكيماوية, وبالطبع ستكون النتائج كارثية على المدى المنظور. وفي عقد الثمانينات, أدرك العلماء احتمال التغير المناخي الخطير نتيجة لتلويث الهواء بكميات كبيرة, وقد أدى هذا إلى إقناع عالم المناخ السويدي البارز (بيرت بولن) الأممالمتحدة بتشكيل اللجنة الحكومية لتغير المناخ, وعقدت المؤتمرات وأصدرت التقارير… ومن خلال جهود المجموعة المؤلفة من أكثر من 1000 عالم من 188 دولة, نعلم اليوم ما يكفي بشأن الغلاف الجوي للأرض. وتتابع المحاضرة في هذا المجال عارضة تنبؤات IPCC التي كانت على قدر كبير من التفاؤل. فقد أثبت العلماء الذين قاموا بقياس درجات الحرارة وارتفاع مستوى سطح البحر أن سطح البحر يرتفع ب 1.6 مرة ودرجة الحرارة ب 1.3 مرة أعلى من تلك التي تنبأت بها IPCC فالجليد الذي يطفو على سطح القطب الشمالي قد انصهر فعلا عدا 40% منه, وقد يجادل البعض بأن الضياع الذي لوحظ في 2008 هو أقل من ذلك مع أنه قد نحف فعلا ب (1.5) قدماً على الأقل, والحقيقة أن التغير المناخي قد يشهد انهيارات دراماتيكية مفاجئة ومأساوية. تتوالى مفاصل المحاضرة الغنية تمد المتلقي بمزيد من المعلومات الدقيقة الهامة, والتي تعرض كوامن الخوف الكبير حيال الأرض وبعض الحلول القاصرة, فما الانفجارات البركانية الهائلة وحرائق الغابات إلا مؤشِّراً كبيراً على اقتراب الخطر نحو الحياة على سطح الأرض, بما يطلق من غاز ثاني أكسيد الكربون, قد تصل إلى أضعاف ما أطلقه البشر في تاريخهم, إلى أن ذلك سيعد نشاطاً طبيعياً ل غايا (ربة الأرض عند اليونان) الأرض التي تعرف كيفية استخدام أدواتها في الزمان والمكان المناسبين لها, لأنها تحيا لأجلها لا لأجلنا, وهذا ما سوف ينعكس على المناخ أكثر من جميع الحلول المقترحة من قبل الجيولوجيين, ولكن ليس بالضرورة أن يكون ذلك لصالح حياة البشر على الأرض. ويمكننا أن نقول: قد تدخل (غايا) بعصر جديد حار, يحوِّل معظم الأراضي القارية إلى صحار شاسعة, باستثناء بعض الجزر والأراضي الشمالية التي ستكتظ بلاجئي المناخ الباحثين فقط عن البقاء على قيد الحياة. يتساءل المحاضر:هل نحن تكيفنا مع الجيولوجيا كما هي, أم كيفناها وفق أنانيتنا وتمسكنا المستميت بالحياة؟! إذا علمنا بأن جميع الأكسجين قد أصبح ساماً ومهدداً الحياة في مرحلة لاحقة, وأن تغيير تركيزه بنسبة 1% سلبا سيبطئ احتراق المواد العضوية بنسبة 70% وبأن إزاحة الأكسجين جزئياً من الممكن أن يطفئ حريقاً كبيراً, وبأن زيادة الأكسجين إلى 25% قد يقتل الأشجار؛ فمن هنا يمكننا أن نفهم معنى كون الأرض كوكبا حيا! لقد تعرَّض المحاضر إلى نظرية (غايا) والتي طرحت في ستينات القرن الماضي من خلال البريطاني (جمس لوفلوك) والتي تفيد بأن الأرض تتصرَّف بغلافيها الجولوجي والحيوي ككائن مفرد لتحقيق هدفها النبيل, وهو الإبقاء على الحياة. لقد تضمَّنت المحاضرة الطابع العلمي بالدرجة الأولى إلى جانب مزجها بالأسلوب الأدبي, فجاءت غير مملة, سلسة, مشبعة بالمتعة والفائدة, يعود الأمر حقيقة لأن الأديب: (علي السليمان) يكتب في مجال القص وعلى وجه أهم الخيال العلمي. لقد حاول أن يوصل فكرة هامة وهي فكرة الوعي البيئي للمحافظة على الأرض على الرغم من أنها تستطيع ترميم نفسها بنفسها من خلال ما تطلقه من أبخرة وغازات متنوعة مثلاً كحمض الكبريت أثناء البراكين, وكما يحدث الآن في ترميم ذاتها ثقب الأوزون. ختاماً يمكن لي أن أقول: قد يخطر في مخيلة المتتبع للمحاضرة أن يشبه مقدرة الأرض على ترميم نفسها بخلايا بشرة الإنسان فباستطاعتها صناعة الحياة بطرق مذهلة, ومن هنا قد ينحسر منسوب الخوف عليها, ولو بشكل نسبي, على الرغم من أنه قد لا يمكن التفاؤل وسط هذا الهيجان الجارف للفكر الإنساني التدميري المخيف, وكما.صرَّح مؤلِّف كتاب: وجه غايا المتلاشي, العالم: جمس لفلوك بأن معظم تقارير وتنبوءات IPCC مسيَّسة, إذاً هم يتلاعبون بالتقارير المناخية التي تتعلَّق بأمن العالم, فلا غرابة من أن يتلاعب المتآمرون بأمن سورية بكل ما تحمل من مكونات بشرية وطبيعية واقتصادية..