بسم الله الرحمن الرحيم الحب لغة هوالمحبة وهو نقيض البغض واصله لزوم وثبات فيه واصله احب الشئ فهو محب له او محبوب اليه . واصطلاحا : ميل النفس الى ما تحب وتهوى وما تظنه او تراه خيرا والمحبة تعني تعلق القلب بمن يهواه ويحبه بين الهمة والانس. الحب هو التفاعل الحقيقي بين الاسماء الشريفة المنبثقة من الذات المقدسة في التصوير والفهم .فالحب اصله شعاع ينبعث من الذات الاقرب الى النفس وهو حقيقة الحبيب الذي احبته النفس وهواه القلب فهو يمثل تفاعلا بين قطبين في الاغلب يتجاذبان, فهو اذن موجود في كل شيء فاذا تم التفاعل انجذب القطبان الى بعضهما قال الله تعالى يصف المؤمنين ( يحبهم ويحبونه ) أي ان الله تعالى يحب المؤمنين والمؤمنون يحبون الله تعالى ، والحبّ أنواع ودرجاتٍ أعلاها حبّ العبد لربه وهذا هو الحبّ الخالد الباقي فالعبد حين يدرك خالقه تمام الإدراك ويستشعر معيّة الرّحمن له ورحمته فكأنه مالك العالم جميعه فيطمئن قلبه وتستكن روحه وتسمو نفسه وكلما زاد العبد محبة لربه تعالى زاد اقترابه منه فرقّ قلبه ونزلت دمعته فعشق الإختلاء مع الله سبحانه في ساعات الوحدة والتامل فيسأنس بمحبوبه ، وتشغله محبة الله تعالى حتى عن السّؤال والحاجة فيمن الله تعالى بالفضل والعطاء والنعم والا زدهاء. ثم تاتي بعد محبة الله تعالى محبة الخلق وتبدأ بمحبة الام فالإنسان يحبّ امه في طفولته لانها الاقرب اليه وهوالحبّ الصّافي النّقيّ من الشوائب الدنيويّة والمطامع الآنية ويأتي بعد ذلك حبّ الذّكر للإنثى او الانثى للذكر ولا تكتمل هذه المحبّة ولا تزدهر إلاّ بسلوك الطّريق الصّحيح لتلك العلاقة وارتدائها تاج العفّة والطّهارة ، وهذا النّوع من الحبّ له لذةً خاصة لا تضاهى ونشوةً في القلب عند رؤية المحبوب تتسامى فتملأ الرّوح نشوة وعبيراً فيصبح القلب أسير من احب فينعقد اللسان . ويصف الشاعر الكبير المتنبي الحب فيقول: الحب ما منع الكلام الالسانا والذ شكوى عاشق ما اعلنا اما الشاعر الصوفي الحسين الحلاج فيقول : انا من اهوى ومن اهوى انا نحن روحان حللنا بدنا فاذا ا بصرتني ا بصرته واذا ابصرته ابصرتنا وهذا الحب يبدأ بالهوى وهو انجذا ب النفس الى من تهواه مهما كان اذ ربما يكون هوى النفس في الجهالة او العلاقة غير الحميمة مثلما ورد في المصحف الشريف : ( ونهى النفس عن الهوى ) يعني عن الزيغ او الجهل كما جاء على لسان النبي يوسف الصديق حين دعى ربه ان يبعده عن النساء كي لا يقع في الجهالة حيث قال : (والا تصرف عني كيدهن اصب اليهن واكن من الجاهلين ). يعني اذا لم يتمكن من ردع نفسه عن فعل الفاحشة فيقع في الضلالة ومن هنا جاء ت كلمة الصبا او الصبوة وهو ما يقع للانسان ما ياتي بعد الطفولة ومن لم يكتمل عقله فربما لا يستطيع التحكم فيه بارادته . وفي الصبابة يقول الشاعر : تشكّى المحبون الصّبابة لَيْتني تحملت ما يلقون من بينهم وحدْي ولا يتمّ هذا ُ التفاعلُ سوى بحبَّ النقيضين ومحاولة إرجاعهما الى أصلٍ واحدٍ وهو الاصل الذي انبثق الطرفان منه ، و الحبيب سِرُ يسير في ركب كلِّ الأجساد والأرواح والأشباح والأشياء من الصغير والكبير وهو ذات الاشياء ، وربما كلُّ شيء . أخذ من الحبيب ما قد أعطاه له الحبيب ، لذا تباينت مفاهيم الامور ومحدثاتها وتواترت اسماء الحب في كلٍّ مرحلة من مراحله التي يمر بها في الحقب الزمنية ويقول ابن الدمينة فيه : هل الحُبُّ إلاّ زفرةٌ بعد زفرةٍ وحرٌّ على الأحشاءِ ليس له بَرْدُ وفيضُ دموعِ العينِ يهمي كلَّمَا بدا عَلَمٌ من أرضِكم لم يَكُنْ يَبْد فيبدا الحب بمرحلة الود او المودة وهو الحب الخالص ويتميز برقته وألطافه وفيه تتلازم عاطفة المودة وتنبعث منها الرأفة والرحمة قال الله تعالى : ( ان ربي رحيم ودود ) هود اية \9 فالرحمة والود هبة من الله تعالى للانسان . اما ما فاض عن هذه الحالة فيسمى : ( العلاقة ) وهو الحب اللازم للقلب ويتجلى في تنظيم علاقة التقرب من الحبيب . اما اذا زاد عن العلاقة فيقال له الكلف والكلف : وهو شدة في المودة والمحبة دليلها الحرقة في النفس يقول الشاعر : الله يعلم أنَّ الروحَ قد تلفتْ شوقاً إليكَ ولكنّي أمنّيها ونظرةٌ منك يا سُؤْلي ويا أملي أشهى إليَّ من الدنيا وما فيها ما أُسلم النفسَ للأسقام تتلفها إلاّ لعلمي بأنَّ الوصل يحييها نفس المحبِّ على الآلام صابرة لعلَّ مُسقمَها يوماً يُداويها فاذا زاد الحب عن الكلف واحس المحب ان في حبه اكثر من حرقة في نفسه فيكون ( العشق ) والمحب هوالعاشق والحبيب هو المعشوق وهو الاعجاب بالحبيب وبمعنى اخر فهو ميل النفس إلى الشيء الذي تستحسنه وتستلذّه فتعشقه ، وذلك أن الروح النفسانية قريب من النور بالعين ومتصل بالفكر،وهو الذُّكْر فإذا نظرت العين إلى الشيء المستحسَن، انضّم النور في البصر اليها، واندفع اليه بالانضمام والارتعاد ليتصل بالروح النفسانية ، فيستحسنه قبولاً حسناً، فيوجب ذلك المحبةَ الخالصة التي مسكنها القَلب،فتنفعل ويظهر ذلك في الجسد كله، فحينئذ يكون العشق والهم والسهر وفي هذا المقام يقول ابنُ عطاء الله السكندريِّ : وكنت قديماً أطلب الوصلَ منهمُ فلمّا أتاني العلم وارتفع الجهلُ تبيّنتُ أنّ العبدَ لا طلبٌ له فإنْ قرّبوا فضلٌ وإنْ بَعّدوا عدلُ وإن أظهروا لم يظهروا غيرَ وصفِهم وإن سَتَروا فالسَترُ من أجلِهم يحلو ثم ياتي الافراط في المحبة فيكون الوجد يقول الشاعر : قلبٌ أنا للهوى والعشقِ أوجَدَهُ ربُّ الجمَالِ الذي قد أَبْدعَ الصُوَرا مَن لَوّن الحُسْنَ إغْراءً لعاشقِهِ؟ مَنْ ألْهَبَ القلبَ أمْ مَنْ أَطْلَقَ البَصَرا مَن رَعْرَعَ الوَرْدَ مَزْهُوّاً بوجنتِهِ؟ أمْ مَن أَعارَ الدُجى مِن حُسْنِهِ قَمَرا ثُمَّ يحترق القلب وتنكوي النفس فيسمى في هذه المرحلة ( الشَعَفُ ) او ( الشغف )وهو إخترَاقُ الحُبُّ القلْبَ مَعَ لَذَةٍ تطغى على المحب فيَجِدُها في نفسه ، وَكَذَلِكَ اللَّوْعَةُ واللعجة ،وهذه حُرْقَةُ الهَوَى ويكون المحب مشغوفا في حبيبه حد الشغف وهذا هوَ الهَوَى المُحْرِق. وفيه يَبْلُغ الحُب شَغافَ القَلْبِ وهو الغشاء الذي يغطي القلب ويحفظه وفيه يَلْذَع الحُب شَغافَ القلب والشعف والشغف مرحلتان قريبتان من بعضهما او بمثابة مرحلة واحدة . قال الشاعر : يقولون إنّ الحُبَّ كالنار في الحشا ألا كذَبوا فالنارُ تَذْكو وتَخمد وما هو إلاّ جَذوةٌ مسّ عودها ندًى فهي لا تذكو ولا تتوقَّد . ثُمّ الجَوَى : وَهَو الهَوَى البَاطِنُ وهو حُرْقَةُ النفس وشِدَّةُ الوَجْدِ، والحرقة وشدة الوجد من عشق أو حُزْن. ثم يكون الغرام . اما الغرام فهو الحب اللازم التحمل يقول كثير عزة في حبها: قضى كل ذي دينٍ فوفّى غريمه وعزَّة ممطول مُعنًّى غريمُها ثُمَّ التَّيْم: وهو أنْ يَستعبدهُ الحُب، ومِنْهُ سُمِّي تَيْمُ اللّهِ أي عَبْدُ اللهّ، ومِنْهُ قيل رَجُلٌ مُتَيّمٌ . ثم الوصب وهو ألم الحب ومرضه، لأن أصل الوصب هوالمرض، وجاء في القرآن الكريم : (ولهم عذابٌ واصبٌ) الصافات الاية\9 أي عذاب متعب او شديد: وجاء في الحديث الشريف: ( لا يصيب المؤمن من همّ ولا وصب حتى الشوكة يشاكها إلا كفّر الله بها من خطاياه). ثُمَّ التَّبْلُ: والتبل يعني السقم في الهوى فهو في قمته أي غارق في الحب فاسقمه وقيل ( رَجُلٌ مَتْبُولٌ ). قال الشاعركعب بن وهير : بانت سعاد فقلبي اليوم متبول ُ مُتَيَّمٌ إثْرَها لم يُفَدْ مَكْبولُ ثُمَ التّدْلِيهُ: وهُوَ ذَهَابُ العَقْل مِن شدة الهوى، ومِنْهُ يقال ( رَجُلٌ مُدلّه ) أي استولى الحب على عقله فاذاه يقول الشيخ عيسى : جمالُكمُ لقد مَلأ الوُجودا فهامَ العارفونَ بهِ شهودا تَناهبهُ التَوَلُّهُ والشُجونُ وعقلي غاب مَن لي أنْ يعودا اما الهيام فهو يجعل المحب يهيم على وجهه – لغلبة الهوى والشوق عليه – في البراري والبوادي والاحراش ولا يعلم ماذا يفعل فهو مهيم أي هائم على وجهه واصابه الحرض وهو فساد العقل في الحب . قال احمد شوقي : ويقول تكاد تُجَنُّ به فأقول وأوشك أعبُده مولاي وروحي في يده قد ضيّعها سلِمت يده الكلام في الحب والمحبة والعشق كثير وطويل لكني اجملته بهذه السطور عسى ان وفقت . ولعلي اعود اليه فأتمه امير البيان العربي د فالح نصيف الحجية الكيلاني العراق- ديالى – بلدروز