سعد مطر عبود الدكتور/ القصة مجموعة من الأحداث يرويها الكاتب, وهي تتناول حادثة واحدة أو حوادث عدة تتعلق بشخصيات إنسانية مختلفة تتباين أساليب عيشها وتصرفها في الحياة, ويكون نصيبها في القصة متفاوتاً من حيث التأثر والتأثير. للقصة عموماً أشكال مختلفة في التفاعل مع معطيات أو مستويات الواقع المحسوس أو المعاش وإذا كانت هذه الأشكال تتوالد ضمن ظروف الزمان والمكان محددة ومعينة, فمعنى ذلك أن الشكل القصصي في زمن القصة غير ثابت, بل يرتبط بجملة من المتغيرات المؤثرة أوالفاعلة في مجرى العملية القصصية. أن القصة القصيرة تكتسب خصوصيتها التقنية والفكرية من كونها فناً قائماً على وحدة موضوعية متشكلة في الرواية والموقف والبطل. بحيث أن أي خلل حاصل في إحدى هذه المقومات يجعلها تفتقد الدقة في إصابة الهدف الذي توجه إليه. يقول رولان بارت: يمكن للقصة القصيرة أن تستند إلى لغة منطوقة شفاهاً أو كتابة على وفق صورة مثبتة أو متحركة على وفق حركة أو خليط مرتب من كل هذه المواد. فالقصة القصيرة موجودة في الخرافة وفي الأحدوثة وفي الحكاية وفي الملحمة وفي التراجيديا وفي الدراما وفي الكوميديا وفي الأحداث العامة.أن القصة لدى صالح جبار خلفاوي عالم مزدحم بالإشكالات والأجواء الغامضة, وتمثل القاص ذاته في بحثه الميتافيزيقي عن القيم الإنسانية, عبر عملية ذهنية – داخلية تفترض ضرورة تجاوز الذات. أن فلسفة الكاتب صالح جبار واتجاهه الأخلاقي في الحياة فهو يختار في ترجمة الحوادث التي تحيط به ويقدم لنا شخصياته الخاصة, ويسلط عليها نوعاً معيناً من الأضواء الكاشفة أو تطويره للحبكة ينم عن رأيه في القيم الإنسانية. ومهارة القاص صالح جبار جاءت في توظيفه نمط المعرفة الكلية المحايدة بما يتيح له من أمساك الحدث ومن ثم نقل مختلف التطورات داخل النص وتضمينها بنية سردية. أن أهمية البنية السردية لا تجيء من اعتمادها نمطاً معيناً وهو هنا المعرفة الكلية المحايدة, وإنما محمولات بناها السردية, أي من خصوصية خطابها الذي تضمنته مجمل البنية السردية للقصة. من مفهوم أن البنية السردية هي البنية الخارجية التي عبر دراسة عناصرها ومكوناتها يمكن الوصول إلى التقاط عناصر البنية الدلالية والتي تجسد على مستوى النص البنية الداخلية. آخذين بعين الاعتبار أنه لا يمكن بلوغ البنية الداخلية للعمل دون دراسة بنيته الخارجية. وأننا بمنطلقنا هذا, أنما ننظر إلى البنية ليس كمحصلة لعناصر وأجزاء وحدها بل كنظام للتفاعل المتبادل لهذه العناصر والأجزاء, وعلى أن البنية هي العلاقة الجوهرية بين أجزاءها. يتحدد هذا الجوهر بوظيفة القوة الفاعلة في البنية. وليست العناصر أو الأجزاء المؤلفة لها, فأجزاء بنية الجسم هي أعضاءه ووظيفة كل عضو في اندماجه ببنية الجسم عامة لكن وظيفة البنية الجسدية الشاملة هي الحياة. أن بطل صالح محدد الملامح, باحث في طريق معلوم تستهويه المغامرة الشكلية في نشدان الخلاص في وجود تمثيل فيه ذروة الصراع النفسي والاجتماعي والسياسي. كما جاء في قصة (الكاظمين الغيظ) و (همس الدراويش) وقصة (مأوى الجن)). أن الوصف يشكل عنصراً أساسياً لا غنى عنه في القصة أكثر من السرد. حيث ينتهج القاص صالح طريقة وصفية في تحليل جزيئات الأشياء, فهو يتعامل مع الواقع بأشكال وطرق ميتافيزيقية معتمداً بذلك على طابع البحث داخل الأشياء. كما ورد في قصة (الشيخوخة), (خديجة), (عمتي النخلة), (عطر التوبة), (صفعة الحمار), (حب من حجر), (الغيرة), (الخوذة الحديدية), (الخطيئة), (اللص)), (الأرملة). نستنتج من ذلك- أن القاص (البطل) يتموضع في معادل موضوعي بين واقع الخيبة و والاستلاب, وبين واقع آخر يتمثل اليقين المنشود في تطلع الإنسان نحو المطلق, والانعتاق في الأزمات المهيمنة على الواقع. وما يميز القاص صالح جبار خلفاوي فرادة البناء القصصي القائم على دمج العقلاني باللاعقلاني والشعور باللاشعور, اليقظة بالحلم, المُعاش بالمتخيل, الواقعي بالفنطازي. بالإضافة إلى استخدامه طريقة السرد المباشر أو الترجمة الذاتية وهي طريقة تيار الوعي أو المونولوج الداخلي. بالإضافة إلى تغلغل الحوار إلى صميم العمل القصصي وتضامنه مع العناصر الأخرى تضامناً عضوياً مناسباً للشخصية والموقف. وما يميز القاص صالح جبار خلفاوي أنه يسعى إلى التجديد في الشكل وكما هو معروف أن الشكل مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالتجديد في المضمون فالوسائل التي يتم بواسطتها إيجاد الشكل ليست غاية بذاتها إلى أن مصدر التجديد في المضمون والشكل كليهما هو الواقع نفسه الذي يضع في تطوره أمام القاص أخلاقا وصدامات تستلزم بطبيعة الحال أشكالا جديدة. وأخيرا لابد لنا أن نقول أن القاص صالح جبار استطاع أن يوظف فلسفة الحياة في النص القصصي, وأن يحقق توازناً في الشكل والمحتوى, ومعياره في ذلك الصدق الفني.