الشعر كلام ممزوج بالإحساس، يعبر عن واقع الناس،ولهذا من الضروري أن يكون الشاعر مثقفا يستوعب الأحداث ويتوغل في أعماق القضايا فينتزع الدلالات ويمزجها مع ثقافته الخاصة لتكون الأساس الذي تبنى عليه القصيدة، الثقافة والتجربة ورهافة الشعور أمور يجب أن تتحكم ببنية القصيدة، وشفافية الشاعر تُضيء على فظاعة أو تفاهة ما يجري، وليس من الضروري أن يقدم الشاعر إجابات أو استنتاجات نهائية، بل يكفي تقديم تساؤلات أو إشارات ويترك مساحة للقارئ للتفكير والإجابة، ولكن المشكلة حين يأتي النص محيراً غامضاً لا يقدم شيئاً من التصور أو الاستنتاج، ولا حتى موضوعاً للتأمل! وهذه فوضى تؤدي إلى كد وجهد لدى القارئ دون طائل، فالغموض لم يعد شفافا ووصل إلى حد الانغلاق والإبهام، وعدم التماسك أو التجانس بين الأفكار، وبهذه الحالة يفقد الشعر خاصية التعبير عن الواقع أو معرفة الجانب الآخر من الأشياء، لقد أصبحت أكثر قصائد الحداثة مجرد كلمات مبعثرة لا قيمة لها ولا دلالة ولا جمالية ولا سياق ينظمها. فالحداثة في الشعر لا تعني أبداً كل هذا الانغلاق ولا الانفلات من أصول اللغة وهدم أسسها الجمالية،فحين لا تتوفر اللغة يصبح الغموض لا يتوقف على مستوى القارئ العادي بل على مستوى القارئ الأكاديمي أيضا. لا شك أن هناك أشياء كثيرة أثرت في توجهات الشعراء فأخذوا شواهد من التاريخ والسياسة والأساطير والميتافيزيقا والحرب… وهذه الرموز المأخوذة لن يكتشفها القارئ العادي،فالرموز يفهمها القارئ المثقف والمتمرس بقراءة الشعر ولكنها تصعب على القارئ الآخر فتبقى مبهمة. هناك عبارة شهيرة للنفري يقول: "كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة" وهذا القول اعتمد عليه كثر من شعراء الحداثة منهم أدونيس، ولكن يجب أن نسأل هنا إلى أي مدى يمكن الاعتماد على هذا القول؟! وإذا كان هذا العصر عصر التناقضات والسرعة والغموض هل من الضروري أن تضيق العبارات كما تضيق بنا معظم السبل؟! الشعر هو المتنفس والحلم الجميل الذي يحررنا من الانغلاق ويدفعنا إلى عالم الشفافية فلماذا لا نتركه لشفافيته ونقاؤه؟! سنترك الحكم لكل من يعشق الشعر! ولماذا التضييق فالشعر الرومنسي يرتبط بالعفوية والتلقائية والبعد عن التعقيد! وكذلك الشاعر حين يكتب يكون في حالة تدفق شعوري لا يسمح له بالتوقف، فكيف له بتضييق العبارة أو التمويه؟!وهذا التضييق والتمويه هو ما يبعد القارئ عن الفهم فيضفي على النص أبعادا جديدة أو دلالات قد لا يكون لها وجود في النص، وإذا كان دور الشاعر أو الكاتب تثقيفي نهضوي فكيف له أن يقوم بهذا الدور التثقيفي مع غياب الدلالة غيابا كاملا داخل النص المغلق؟! وكيف يمكن للمتلقي أن يعرف عمَ يتحدث الكاتب؟ ربما هناك ظروف تدفع بالبعض إلى التمويه كالقمع مثلا ولكن معظم النصوص المبهمة لا صلة لها بمواضيع يمكن أن تُقمع أو أن تُفهم على الأقل! لنترك للشعر عفويته وجماليته! ألا يكفينا التشويه الحاصل في أيامنا!. ندا ذبيان.