اليكم الحكاية ونقولها من البداية لا يوجد في إحدى العواصم الأوروبية فندق تتوافر به وسائل الراحة والتسلية، كتلك التي وجدتها في فندق شبرد» تلك كانت كلمات سفير بلجيكا في برلين البارون «دونوتونيا» الذي زار مصر في نهاية القرن التاسع عشر، والتي ذكرها في معرض حديثه عن مستوى الخدمة التي يتميز بها ذلك الفندق العريق الذي استقر به مقامه أثناء وجوده بمصر. .. وتبدأ حكاية الفندق عندما نعود بالذاكره لمحمد بك الالفى أحد أمراء المماليك في مصر.الذى أتى اليها بواسطة بعض التجار عام 1189 ه، واشتراه أحمد بك جاويش أحد أمراء المماليك،ثم اشتراه سليم أغا الغزاوي الملقب بتيمور لنك وبعد شهور أهداه إلى مراد بك الكبير ودفع ثمنه ألف أردب غلة ومن هنا كانت تسميته بالألفي. …. شيد الألفي قصرا كبيرا في الأزبكية ذو أعمدة رخامية ضخمة ونوافذ من الخشب الثمين وزينه بالتحف والنجف مما أهداه له بعض أثرياء أوروبا وكان يحيط بالقصر بستان شاسع. بعد أن انتهى من بناء القصر أتت الحملة الفرنسية على مصر وكان وقتها الألفي في الشرقية، فاختار نابليون قصر الألفي مقرا لاقامته. …… وعندما تولى كليبر قيادة الحملة اتخذ من قصر الالفى مقرا له الى ان قتله الثائر السوري سليمان وهو يتناول طعامه مع كبير مهندسيه قسطنطين بروتاني ، فى حديقة القصر … قام القائد العسكرى محمد بك الدفتردار زوج نازلي هانم ثاني أكبر بنات محمد علي باشا. بهدم قصر الالفى وأعاد بنائه على الطراز العثماني وبعد وفاته ورثت القصر أرملته نازلي هانم. … بعدها بسنوات أهدي محمد علي القصر لأبنته زينب هانم التي لم تهتم به فقام محمد على باشا فى عام 1835 بتحويل جزء من هذا القصر الى أول متحف للآثار في مصر تحت إشراف الشيخ رفاعة الطهطاوي , كما قام بإنشاء مدرسة الألسن فى جزء آخر منه .اما الجزء المتبقي منه اصبح قصر يوسف كامل باشا صهر محمد على ، ثم انتقلت ملكية القصر للأمير حليم الاخ الأصغر لزينب هانم الذي قام بهدمه وتقسيمه سنة 1892 ……. اسس فندق شبرد صامويل شبرد الذى ولد في 21 يناير 1816 في نورث هامبتون شير بإنجلترا . وصل شبرد لمصر على متن احدى السفن البحرية التي كان يعمل عليها إلي السويس في 30 يناير 1842م وهو لايملك فى جيبه سوى عشرة جنيهات فقط … غادر شبرد السويس متجها للقاهرة واخذ يبحث عن عمل وبالفعل عمل في مقهي يمتلكه أحد اليونانيين ثم تركه و عمل بعد ذلك في الفندق البريطاني الذي يملكه الانجليزى هيل الذى جاء الى إلي مصر لينشئ إستراحة لإقامة السياح و القادمين إلي مصر في طريقهم إلي الهند فأقام مبني متواضع في إحدي الحارات الضيقة بالقرب من درب البرابرة في حي الأزبكية و أطلق عليه إسم الفندق البريطاني و جعله كفرع لفندق يحمل نفس الإسم في السويس. تفوق شبرد في عمله الجديد و ادخر مالا و يقال إنه اقترض بعض المال بفائدة عالية و اشتري الفندق البريطاني من هيل و رفع لافتة باسمه سنة 1846م على نفس موقع الفندق القديم المطل على بحيرة الأزبكية بالقاهرة … ولما وصل الخديوي عباس حلمي الأول إلي الحكم منح القصر هدية لصامويل شبرد بناء علي وساطة من قنصل إنجلترا تشارلز مري كما ذكرت نينا نلسون في كتابها : فندق شبرد . . و قدم شبرد للخديوي عباس حلمي الأول هدية ردا لجميله كانت عبارة عن كلبين من كلاب الصيد الجراي هاوند . . و فتح الفندق الجديد أبوابه في يوليو 1851م …. فى عام 1845 أطلق عليه «فندق شبرد» , .. ونظراُ للخدمة المتميزة التي تمتع بها نزلاء هذا الفندق، إكتسب صمويل شبرد وفندقه سمعة عالمية، حتى أن هذا الفندق كان حديث الصحافة العالمية خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر. كتبت عنه مجلة أخبار لندن المصورة الشهيرة عام 1857 قائلة: "ربما لا يمكن لك بأي فندق في العالم أن ترى هذا الخليط من البشر ذوي المكانة المرموقة من مختلف دول العالم كما يرى المرء بشكل يومي لو جلس على منضدة في الصالون الرئيسي بفندق شبرد …….. في عام 1855م فقد شبرد أصغر أبنائه بسبب الكوليرا فقررت زوجته السفر خوفا علي باقي أولادها و بعد سفرهم شعر شبرد بالوحدة فقرر تصفية أعماله و اللحاق بهم في إنجلترا فقام فى عام 1860 ببيع فندقه الشهير للألماني فيليب زاخ بمبلغ عشرة آلاف جنيه إسترليني … كان عام 1869 نقطة تحول مهمة في تاريخ هذا الفندق، ففي هذا العام نزل به العديد من الشخصيات العالمية التي جاءت لمصر لحضور حفل افتتاح قناة السويس بدعوة من الخديوي إسماعيل. وكان على رأس الزوار الملكة الفرنسية «أوجيني» التي استقبلها الخديوي إسماعيل في فندق «شبرد» وأقام لها حفلا أسطوريا به، وهو ما جعله قبلة مشاهير العالم من الذين زاروا مصر. ………. وعلى مدار أعوام عديدة تمتع سجل النزلاء في شبرد القديم بشهرة غير عادية، ففي هذا السجل الذي يبدأ من عام 1851، كان على النزيل أن يسجل إسمه وإسم السفينة التي أبحرت به من الميناء الأجنبي إلى ميناء مصر ويرسم أمام الإسم علم السفينة الذي يميز الدولة التابعة لها …. حرصت إدارة الفندق على ان يحتوي الكتاب الذهبي الخاص بالفندق على توقيعات العديد من الضيوف والمشاهير والشخصيات العالمية ومنهم الملكة مارى ملكة رومانيا ، وملك بلجيكا ليوبولو ، وملك اسبانيا الفونسو ، وونستون تشرشل ، والملك «فيصل» ملك العراق الراحل، وأغاخان، ورئيس وزراء بريطانيا الأسبق السير وينستون شرشل، والرئيس الأميركي الأسبق تيودور روزفلت. ……….. لم يقتصر نزلاء الفندق على الشخصيات العالمية ولكنه صار أيضا المكان المفضل للطبقة الأرستقراطية في مصر في مطلع القرن العشرين، وكان تراس الفندق بمثابة الملتقى المفضل لدى كبار العائلات لاحتساء الشاي في فترة بعد الظهيرة، …………… وكان الملك فؤاد الأول ومن بعده ابنه الملك فاروق والزعيمان الوفديان سعد زغلول، وخليفته مصطفى النحاس من بين زوار الفندق الراغبين في الاستمتاع بالجلوس فيه. ……….. وظل موقع فندق «شبرد» يحتل مركز الصدارة في الكثير من الأحداث والمناسبات التي وقعت في القرن الماضي ومن بينها انه اتخذ كأحد مراكز قيادة الحلفاء في الحربين العالميتين الأولى 1914-1918، والثانية 1939-1945. كما استضافت غرفه الوفود العربية التي حضرت الى مصر لإعلان إنشاء جامعة الدول العربية عام 1946. ………. تعرض الفندق لحريقبن هائلين كان اولهما بعد سنوات من إنشائه، ولكن أعيد بناؤه وقتها من جديد في نفس المكان …. وفى يوم السبت الأسود 26 يناير 1952 شب حريق القاهرة الذي دمر العديد من المباني والمحال المهمة في وسط القاهرة وكان من بينها فندق شبرد، حيث أتى الحريق على المبنى تماما تاركاً إياه جثة هامدة لبصبح اثرا من بعد عين . وعبرت الكاتبة البريطانية إيفيلين وو عن مشاعرها قائلة : القاهرة لن تكون القاهرة بدون فندق شبرد ولابد أن ينهض ثانية كطائر العنقاء في الأسطورة المصرية القديمة الذي ما إن يحترق حتي يخلق ثانية في مكان آخر أكثر بهاء وجمالاً ……… واستمر التخطيط والإعداد للبناء الجديد نحو عامين في موقعه الحالي علي النيل بجوار فندق سميراميس وروعي أن يحتوي كل ثراء ماضيه العريق ، وتكلف المبني الجديد أكثر من مليون جنيه و فى يوليو 1957 افتتح تم افتتاح الفندق وبهذه المناسبة أصدرت هيئة البريد طابعاً تذكارياً تخليدا لهذه المناسبة ……….. وبعد ثورة 23 يوليو عام 1952، تولت شركة «الفنادق المصرية» نقل مبنى الفندق الى أكثر أحياء مصر رقيا في ذلك الوقت وهو حي «جاردن سيتي»، حيث اختارت الضفة الشرقية لنيل القاهرة بجوار فندق سميراميس، كموقع للفندق وقامت بتشييده من جديد. وفي عام 1957، تم افتتاح المبنى الجديد للفندق في الحي الذي يعد اليوم حي السفارات بالقرب من السفارات الأمريكية والبريطانية والإيطالي وجُدِّد في أواخر ثمانينيات القرن الماضي. وهو اليوم يتكون من 302 غرفة علاوة على العديد من القاعات المختلفة. أما الموقع القديم للفندق بتاريخه الحافل، فصار اليوم موقعاً لمحطة وقود تقابل بقايا حديقة الأزبكية ……………. أميمه حسين