الفصل الثالث – رائحة الصباح توارت مخاوف الليل فى أحضان الأم الحنون ,وصمتت أشباحه لتستمتع بهمسات ليلى وصوتها الناعم الرقيق,الذى ما أن سمعته هبة حتى إستغرقت فى النوم ,ونسيت ما رأته فى حلمها المرعب الذى أفزعها. نامت ليلى وهبة نوما عميقاً لم يوقظهما سوى شعاع الشمس الذى بدأ يتسلل عبر زجاج نافذة غرفة هبه ,مداعباً عيون ليلى النائمة ليوقظها بدفىء ويبشرها بشروق شمس يوم جديد , فتستيقظ ليلى من نومها وتفتح عينيها,وتشد ذراعيها وأرجلها (تتمطع) حتى تستفيق,ثم نظرت الى إبنتها لتطمئن عليها,وأخذت تتلمس وجهها برقة وتحاول ان توقظها من نومها بقبلة على الجبين وتقول لها : هبه .. حبيبتى .. روح .. قومى يلا ياحبيبتى احنا بقينا بكرة خلاص .. الساعه 6 قومى بقى هتتأخرى على المدرسة .. هبه تفتح عينيها لتجد وجه أمها أمامها,فترتسم على وجهها إبتسامة رقيقة,وتبادر بتقيبل أمها وتقول لها: صباح الخير بحبك اوى اوى ياماما انتى اجمل ام فى الدنيا انا بحبك اوى اوى فتقول لها ليلى : صباح النور ياقلبى … ماشى يابكاشة بتعرفى تضحكى عليا بكلامك الحلو ده.. قومى ياشقية يلا بلاش كسل خضيتينى عليكى امبارح . هبه وهى تضحك : هو لازم مدرسة النهاردة ؟؟ خلينى قاعدة معاكى ياماما ليلى : وبعدين …. بلاش دلع يلا قومى هبة: حاضر قومت اهو ليلى لهبة: يلا ع الحمام بسرعة ثم تنظر ليلى الى ابنها احمد وهو نائم على السرير المجاور…فتجلس الى جواره وتحاول ايقاظه بهدوء بقولها .. احمد حبيب ماما .. قوم .. يلا ياحبيبى عشان متتاخرش انت كمان قوم يلا بسرعه ادخل حمامك وجهز نفسك على مااحضرلكم الفطار .. فينظر أحمد لها وهو يفرك عينيه بيديه ويتثائب حاضر ياماما قومت اهو … هو كل يوم مدرسة ؟؟ أنا مش عايز اروح النهارده عايز انام شوية . ليلى : لا مفيش الكلام ده قوم يلا.. احسن ازعل منك .. هروح اجهز الفطار ارجع الاقيكم لابسين وجاهزين . احمد ممتعضا .. يووووووووووووووو بقى طيب ادينى قايم.. تتركه ليلى وتخرج من الغرفه تخفى ابتسامتها عنه حتى لايأمن غضبها ,ويحاول استعطافها , ويتكاسل عن الذهاب الى المدرسة . تفتح ليلى نوافذ منزلها لتشم رائحة الصباح الذى تعشقه , وتستمع الى زقزقة العصافير التى تشعرها بالحرية , وتمتع ناظريها بزرقة السماء ولحظات شروق الشمس التى تعلن عن بزوغ يوم جديد ,ينشر الأمل فى النفوس ويقضى على ظلام اليأس . تتجه ليلى الى المطبخ لتحضير الشاى والافطار للأولاد , كل هذا فى هدوء تام فزوجها مازال نائما فموعد إستيقاظه لم يحن بعد , فلم يعتاد أن يشاركها مسؤلية أبنائه , فالإهتمام بهم من وجهة نظره فقط هى تدبير وتوفير إحتياجاتهم المادية ,أما باقى المسئوليات فمن إختصاصها. وأثناء تجهيزها للساندوتشات سمعت أحمد ينادى: فين الشراب ياماما ليلى : فى الدرج يا احمد دور كويس هبه : ياماما تعالى سرحيلى شعرى ليلى : حاضر روحى على اوضتك هخلص تحضير الفطار وجيالك وهكذا يظل المنزل كخلية النحل حتى تنتهى ليلى من تجهيز الاولاد , وافطارهم , وتحضير ساندوتشاتهم , واذا بكلاكس اتوبيس المدرسة يناديهم , فيهرع احمد وهبه مسرعين الى باب المنزل … احمد وهبه : ماما ….. العربية جات احنا نازلين باى باى ياماما .. باى ليلى : مع السلامة ياقلبى ,, خلوا بالكم من نفسكم .. امسكوا ايدين بعض .. خللى بالك من اختك يااحمد .. متتشاقيش ياهبه واسمعى كلام اخوكى .. خلصوا وتعالوا على طول مفيش لعب كورة يا احمد فاهم . احمد وهبة : حاضر ياماما سلام بعد ساعة متواصة من التوتر والاجهاد النفسى والبدنى , مع أولادها يعود الهدوء الى البيت, فتتجه ليلى الى اقرب مقعد لتستريح عليه تلتقط انفاسها , مرتخيه الاطراف , تتنتفس بعمق , وتمسح بيديها على شعرها لتجمع خصلاته الثائرة وتأسرها داخل توكة شعر من الاستيك . وحينما تشعر بالإرتياح تنهض من مقعدها لتقوم بإعداد فنجانا من القهوة السريعة " النسكافيه" تشربه وهى تشاهد الاخبار اليومية فى التليفزيون وعينيها على ساعة الحائط , فلم تنتهى مسؤلياتها عند الاولاد فقط , فعليها ايقاظ ممدوح فى الثامنه صباحا ليذهب الى عمله هو أيضا . أكملت ليلى فنجان قهوتها, وتوجهت لغرفة أبنائها لترتيبها ,واذا بالساعه تدق الثامنة فتتذكر ليلى موعد إيقاظ ممدوح فتتوجه الى حجرته بهدوء , وتقترب من سريره , تطبطب على ظهره , وتهمس بجانب اذنه . قوم ياحبيبى الساعة 8 يلتفت اليها ممدوح , وينظر اليها وهو ناعسا متثائبا متكاسلا صباح الخير ,, العيال نزلوا المدرسة؟ ليلى : ايوة من زمان ,, يلا عشان متتاخرش هروح احضرلك الشاى والفطار ممدوح : طيب وإعمليلى فنجان قهوة سادة كمان ليلى: حاضر ينهض ممدوح من نومه ليجلس على طرف السرير يحرك يديه يمينا وشمالا ثم يقوم ليرتدى الشبشب , حاملا المنشفة على كتفه ,متجها الى الحمام ليستحم, ثم يعود الى غرفته وهو يجفف شعرة بالمنشفه ويتركها على السرير , ويبدأ فى ارتداء ملابسه , وتسريح شعره ,ورش العطر على ملابسه ووجهه ,وبعد أن ينتهى يتوجه الى حجرة السفرة ليتناول الشاى والافطار الذى اعدته له ليلى … فيجلس على المقعد الامامى ويمد يده ليمسك فنجان القهوة وينظر الى ليلى ويقول لها . ليلى .. انا يمكن اتاخر شوية النهارده ليلى : ليه رايح فين ممدوح : عندى مشوار كده هعمله فى السريع مش هغيب كتير هى ساعه بس ليلى : مشوار ايه ده ؟ ممدوح : واحد صاحبى قاصدنى فى خدمة كده ,, هو مشوار لحد حماته احاول اصالحه على مراته اصله متخانق معاها وسابتله البيت امبارح , شوية عيال تافهه والله , ال ايه بتغير عليه من زميلته فى الشغل وفاكره انه فى بينهم حاجه والواد مالوش فى الكلام ده , ده واد غلبان وعلى نياته , يلا بقى عشان متاخرش لما ارجع احكيلك , يلا سلام . ليلى : طيب مش هتكمل فطارك ؟ لا معلش اصلى اتاخرت يلا سلام ماشى مع السلامة ممدوح : عايزة حاجه ليلى : اه هات عيش وانت جاى بس ممدوح : طيب هتعمليلنا غداء ايه النهارده ليلى : صينيه بطاطس ورز ممدوح : ماشى ,,اى حاجه .. سلام ليلى : مع السلامة أسرع ممدوح الى الباب وهو يرتدى جاكت بدلته على عجل ,ثم أغلق الباب وراءه,ليهدأ البيت للمرة الثانية وتصير ليلى وحدها . جلست لتكمل مشاهدة البرامج الصباحية للتليفزيون,ثم نظرت الى ساعة الحائط لتجدها تجاوزت الثامنة والنصف بقليل ,فقررت أن تنهض لتمارس مهامها اليومية فى المنزل ,وهى تقول : يلا استعنا ع الشقا بالله .. اقوم اشوف اللى ورايا وتبدأ فى ترتيب المنزل وغسل الملابس وتنظيف المطبخ وأعداد طعام الغداء , كل هذا دون توقف أو راحة , حتى وجدت نفسها قد قامت بكل أعمال المنزل ولم تتجاوز الساعه الثانية عشر ظهرا , فجلست لتلتقط أنفاسها مرة آخرى وتستمتع ببعض الراحة , فمازال هناك ساعتين حتى رجوع الاولاد من المدرسة وعودة زوجها من مشواره الطارىء ,لم يكن أمامها شىء آخر سوى الرجوع الى التليفزيون فظلت تتنقل بين القنوات الفضائية , فهذا مسلسل وهذا فيلم , وهذا برنامج اخبارى , وهذا برنامج للمرأة , ثم قذفت بريموت التليفزيون على المنضدة وهى تتأفف . ليلى : أففففففففف … ايه الزهق ده ؟؟…. مش عايزة افلام ولامسلسلات انا , ايه ده مفيش حاجه كويسه الواحدة تتفرج عليها ؟ ثم امسكت بالريموت مرة آخرى وبدأت رحلة البحث عن قناة تنال اعجابها , حتى وقع إختيارها على قناة للأغانى تسمى "زمان" كانت قناة ترفيهية غنائية , كلها اغانى شبابية حديثة , ذات موسيقى صاخبة سريعة , ومانيكانات مبهرات جمالا وحركة وازياء , فأعجبتها وظلت تتابعها وتردد أغانيها , الى أن وقعت عينيها على شريط اسفل الشاشة , مليىء برسائل الحب والغرام , وقصائد شعرية رومانسية جميلة , ورجال ونساء بأسماء وهمية يطلبون صداقات جادة , منهم من يكشف عن ملامحه وعمره وعمله , ومنهم من يعرض رغبته فى الصداقة من نساء طالبين مواصفات محددة كالطول والعمر والحالة الإجتماعية ومستوى الجمال . تابعت ليلى تلك الرسائل بشغف وفضول شديدين , وهى تشاهد محاولات الكثيرين منهم فى الوصول الى بعضهم البعض عن طريق ارسال ارقام تليفوناتهم عبر شريط الشات , ومدى اللوعة واللهفة التى يظهرون بها ويعبرون عنها فى كلماتهم على الشريط . أعجبتها اللعبة , فأخذت تتابعهم بشغف , وإندهشت من طريقة تعاملهم مع بعض,وكأنهم يعرفون بعض بالفعل, فمن يدخل الشات يلقى السلام والتحية , ويجيب عليه الموجودين بالشات,ثم يبدأ الحديث. إستطاعت ليلى بذكائها أن تحصل على أرقام تليفونات البعض منهم , وإحتفظت بها فى أجندة خاصة بها , لم تكن تنتوى إستخدامها أوالإتصال بها , لكنه كان نوعا من التحدى لتثبت لنفسها أنها اذا ارادت شىء يمكنها بذكائها الحصول عليه , وظلت تتابع حواراتهم وحكاياتهم حتى مرت الساعتين بسرعة البرق لتفاجأ بجرس الباب يدق فإذا بالأولاد قد عادوا من المدرسة فقامت لتفتح لهم الباب… وتقول أهلا بحبايبى احمد : ازيك ياماما هتأكلينا ايه انا ميت من الجوع . هبه : انت على طول كده همك على بطنك ليلى : طيب ادخلوا الاول وبعدين اتخانقوا , روحوا غيروا هدومكم واغسلوا ايديكم ووشكم على ما احضرلكم الغداء تجرى ليلى على التليفزيون وعينيها على شريط الشات وهى تحدث نفسها وتقول : ياترى حصل ايه ؟؟؟ يوووووووووه كنت عايزة اعرف البرنس قال ايه لملكة الحسن طيب أغدى الاولاد الاول وارجعلهم تدخل هبه على امها المطبخ شاكيه ياست ماما النهارده ضرورى لازم تجيبيلى علبة الوان مليش دعوة ميس نهى مدرسة الرسم زعقتلى وقالتلى لو مجيبتيهاش الحصة الجاية هتزنبنى بره الفصل ومرضيتش تخلينى اخد قلم الوان من صاحبتى . ليلى : ولايهمك ياقمر هقول لبابا يجيبهالك النهارده وهو راجع من الشغل هبه : ايوة كده والنبى ياماما اوعى تنسى ليلى : مش هنسى روحى بقى غيرى هدومك احمد : ماما يلا انا جعان اوى ليلى : اقعد على السفرة وانا جايه بلاش غلبه حضرت ليلى الغداء للاولاد ورصت الاطباق على السفرة وتركتهم لتعود امام شاشة التليفزيون . احمد : انتى مش هتاكلى معانا ليلى : لا هستنى بابا لما يرجع اكل معاه كلوا انتوا بالهنا والشفا , لما تخلصوا لموا الاطباق ونضفوا السفرة وادخلوا ناموا شوية هبه واحمد : طيب بسرعة إلتقطت ليلى الريموت وفتحت التليفزيون , وجلست تتابع قناة " زمان ", تعاطفت مع رسائل البعض, وضحكت من قلبها على رسائل آخرى خفيفة الظل ,وأعجبتها كلمات البعض , وهكذا وجدت ليلى أخيراً مايؤنس وحدتها , ويشبع رغبتها فى التعرف على العالم الآخر , عالم الرجال الذى لم تعلم عنه شىء ,ولكن عن بعد.