تحاول فصول هذا الكتاب الإقتراب من قضية الإدمان في سياق وجهتي نظر العلم وقوانينه وتراكم خبراته المنطقية المنظمة، والمريض وأفكاره وأزماته، وعلاقته بهذا المرض المتحدي للنفس والعقل والمجتمع بقوانينه وأعرافه وكافة قيمه المادية والروحية. ويمكن إعتباره كتابا يغوص في عقل المدمن المأزوم بعد أن قرر طواعية وبكامل إرادته التخلي عن أهم حدث أو شيء في حياته لحظة اقترابه من أسوار مصحة العلاج من الإدمان وتسليم نفسه لفئة من البشر يعتقد أنهم قادرين على إدراك ما يدركه هو شخصيا، وتفٌهُم ما يفهمه هو شخصيا، وأيضا يشعرون بمثل ما يشعر به هو شخصيا. وبقدر جسامة مشكلة الإدمان المتحدية خاصة الجانب العلاجي الذي نتناوله في سياق فصول الكتاب الخمسة نظل شغوفين دائما بمسألة إدراك المريض مثلما يدرك هو نفسه شخصيا، وكذلك تفهمه والتواصل الأصيل مع مشاعره وأحاسيسه، أملا في التعامل الجدي مع شفرات والغاز هذا المرض الغامض الذي يصطحب فيه الشخص الذي وقع في براثينه الى رحلة حياة تطول معظم الأحيان لسنوات بعيدة قبل أن يعيد صياغة أو برمجمة عقله وسلوكه ووجدانة حتي يتسنى لهذا الشخص الذي أصبح مدمنا أن يتوافق ويتكيف مع واقع الرحلة وظروفها الشاقة والمتحدية بكل تأكيد لمنطق، ولقيم، وأعراف وتقاليد الواقع الشخصي الإجتماعي الذي يعيش داخله المدمن. ونهتم في السياق بالمنظور الدينامي عموما وخاصة عندما يتعلق الأمر بمسألة علاج المدمن الى جانب المنظور المعرفي السلوكي بالطبع. ويهدف الكتاب كذلك الى القاء الضوء على الظاهرة الإدمانية فكرا وسلوكا من خلال رؤية خاصة لمفهوم الإدمان في ضوء الممارسة الاكلينيكية المباشرة مع المرضى في مصحة العلاج، وكذلك السعي الي التوصل الى فهم أعمق لما يسمى علاج الإدمان، والدافع نحو العلاج، والانتكاسة، والعوامل المؤدية اليها، وأيضا محاولة الفهم الأعمق لما يسمى علاج في ضوء المفهوم المتسع لكلمة علاج التي هي مرادف لمفهوم تغير نمط حياة المريض المدمن المتوقف، بمعنى بذل الجهود الإضافية من أجل إحداث نسق شامل من التغيرات الدراماتيكية بالنسبة للشخص المدمن المتوقف تشمل أفكاره وسلوكه وتصرفاته وقيمه واتجاهاته وروحانياته حتى يتسنى له الخروج من أزمة أو ورطة سجن الإدمان الذي قرر دخوله باختياره، ولا يملك وسيلة أخرى سوى الخروج باختياره أيضا. ومن أجل ذلك أهدى هذا الكتاب الى الأسرة المصرية والعربية لعلها تجد بين دفتي صفحاته ما يعينها على اقتحام عقل الإبن أو الإبنه، وتفهُم خلجات تفكيره وظروفه، والنظر للأمر من خلال عيون المدمن ذاته وليس بمنظور نسقنا القيمي الشخصي الراسخ، حتى يتسنى لنا مساعدتهم ودعمهم على النحو الصحيح بعيدا عن ما هو سائد الآن من ثقافة وعرف اجتماعي بخصوص مسألة الإدمان والمدمنين، متخم بالمفاهيم والأفكار الخاطئة المعوقة والداعمة للنشاط الإدماني بكل قوة، ولسؤ الحظ كانت النتيجة الفشل الذريع في التعامل مع الظاهرة، والفشل الذريع أيضا في التعامل مع الإبن او الإبنة ومساعدتهم على التحرر من سجن الإدمان. أتمنى أيضا أن يكون هذا الكتاب رافدا للمعرفة ووسيلة للتفهم الأعمق للإبن المدمن أو الإبنة المدمنة على نحو إيجابي صحيح يسهم في دعم المريض المتوقف أو الإبن الحائر الباحث عن مخرج من أزمته. وأيضا لعل المريض المدمن المتوقف أو الذي ما يزال متأرجح في قراره أن يجد بين صفحاته بعضُ من أفكاره المضطربة البائسة، وكذلك بعضُ من الأمل في الخلاص والفكاك من سجن الإدمان. وهذا لن يتأتي سوى داخل السياقات والمواقف العلاجية. ولا يخفى على أحد المدى الذي بلغته ظاهرة الإدمان في العالم كله، لدرجة إنها أصبحت تمثل تحديا كبيرا لجميع دول العالم، المتقدم منها أو الدول النامية اذا كان الأمر يتعلق باقتصاديات هذه الدول أو البنيان الإجتماعي الذي يتهدده ذلك الانتشار الواسع للتعاطي والإدمان خاصة بين الشباب والمراهقين وما قد يترتب على هذا الأمر من خروج ملايين الشباب من سوق العمل وخسارة اقتصادية جسيمة وانتشار البطالة بصورة وبائية وانعكاس ذلك على تزايد معدلات الجريمة والإنحراف، يضاف الى ذلك الارتباط الوثيق بين ظاهرة التعاطي والإدمان بمعدلات الجريمة والإنحراف والاستغلال بواسطة عصابات الجريمة المنظمة، وكذلك الإرهاب السياسي، وتأثير ذلك السلبي على معدلات الأمن داخل المجتمعات، ناهيك عن التكاليف الباهظة التي تتحملها الدول والمتعلقة بظروف العلاج والوقاية. وتشير تقارير مكتب الاممالمتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة أن (5)% من البالغين في العالم ممن يتراوح اعمارهم بين (15-24) استخدموا المخدرات ولو لمرة واحدة على الأقل، ويموت أكثر من مائتي الف شخص سنويا بسبب تعاطي المخدرات. وهناك أكثر من 200 مليون مدمن في العالم يتعاطون المخدرات يوميا تتراوح أعمارهم بين (15-64) عاما وفق دراسات استرالية وبريطانية. ورغم عدم وجود بيانات احصائية دقيقة تتعلق باعداد المدمنين الحقيقية في العالم قفد ظهرت تقديرات مبدئية وفق اجتهادات بحثية استرالية تكشف عن وجود نحو 203 مليون شخص يتعاطون المواد المخدرة فقط يوميا مثل الحشيش والقنب. وأن أكثر من21 مليون شخص يتعاطون المواد الافيونية مثل الكوكايين والهيروين بصورة يوميه، يوجد منهم نحو 21 مليون يتعاطون الهيروين عن طريق الحقن، وتضيف هذه التقارير البحثية الاسترالية أن هناك نحو 36 مليون مدمن على الكحول والمهدئات. وفي مصر أصدرت أمانة الصحة النفسية وعلاج الإدمان بوزارة الصحة في أواخر مارس 2015 تقريرا يوضح خريطة انتشار الإدمان في مصر كشف عن أن معدلات الإدمان انتشار الإدمان في مصر شملت (6)% من المصريين بمعنى ان لدينا في مصر قرابة خمسة ملايين ونصف مليون مدمن وفق معايير الادمان كما جاءت في التصنيفات العالمية لتشخيص الأمراض النفسية. هذا غير ملايين المتعاطين المتجولين في الشوارع ويطلق عليهم التعبير العلمي Abusers "متعاطين" ، ولم يصلوا بعد لمرحلة الادمان. وأن الحشيش أكثر المواد المخدرة انتشارا في مختلف المحافظات المصرية يليه مباشرة الترامادول الذي اتسع نطاق تدوله بين المصريين بدرجة ملفتة وخاصة لدى الشباب حيث يتعاطاه قرابة ربع سكان مصر من الشباب بنسبة (23.4)%. وتحتل المواد الأفيونية وأبرزها الهيروين المرتبة الثالثة في التعاطي بالنسبة للمصريين، وقد يتفوق عليه أحيانا في المرتبة الامفيتامينات أو المنشطات. وتعتبر محافظة القاهرة صاحبة أعلى نسبة انتشار للتعاطي، أكثر من ثلث السكان بنسبة (33)% مقارنة ببقية المحافظات المصرية الأخرى، يليها في الترتيب محافظاتجنوب ووسط الصعيد بنسبة (22.4)%. وأخيرا لعلنا نٌوفق بإذن الله تعالى في الإقتراب أكثر من المريض المدمن، وفهمه على النحو الصحيح،حتى نتمكن من مساعدته وإخراجه من سجن الإدمان