القصه الفائزه بالمركز الثالث في مسابقة أوربت انترناشيونال مرقت السيارة من أمام المقهى وقد عُلق على مقدمتها مكبراً للصوت موصولاً بسماعات ضخمه تطلق أغان لمطرب شعبي كان له حظ للقمة عيش في الدعاية للأنتخابات …بينما عم احمد يجلس على المقهى بصحبة جاره وصديقه عم بشندي الرجل الطيب يشربان الشاي ويلعبان الطاوله … وعلى مقربة منهم كان الأستاذ رشيد حكيم مدرس التاريخ ثم موجه لمادة التاريخ سابقاً يجلس منفرداً على طاولته وبصحبته أجندته السوداء التي لاتفارقه إبداً وكذلك قلمه الجاف …فهو يسجل كل مايدور حوله ومايحدث في حياته ويبدو أن دراسته وتدريسه لمادة التاريخ أكسبته تلك الهواية ومن ضمن ماكان يهتم بتسجيله هو تاريخ حارته حارة الحساسنه لم يكترث أي من عم أحمد أو عم بشندي لمن ينادي في ميكرفون السياره أوعلى أي شيئ ينادي ، فقط ازعجتهم أغنية شعبان عبد الرحيم وهو يدعو لأنتخاب عم محسوس بياع العرقسوس لعضوية مجلس النواب ربنا يجعله عامر بمحسوس بيه عامر بينما الأستاذ رشيد كان يسجل كل شيئ يدور حوله وبالذات مايخص الأنتخابات فقد شرع في التأريخ للانتخابات البرلمانيه المصرية منذ أول برلمان وحتى هذه الانتخابات التي تدور رحاها في ساحات الحي والحارات … .وماإن ابتعدت العربة بمن فيها وماعليها حتى بدا من بعيد جمهرة غريبه وصوت هتاف بسم عم محسوس …تنتخبوا مين ….محسوس محسوس ….انتبه عم أحمد هذه المره ليسأل صديقه : مين محسوس ده ؟؟؟ فردعليه عم بشندي …أنا سامعهم بيقولوا محسوس محسوس …طارد الهكسوس …فأرهف عم أحمد سمعه للهتاف ثم أردف معقباً : مين دا دول بيقولوا محسوس محسوس بياع العرقسوس …ضحك عم بشندي حتى بان حلقه واستقام شنبه فصار كذيل قطة فوق فمه …يمكن يشيخ بعد ماطرد الهكسوس زهق من قعدة البيت فابيسترزق من بيع العرقسوس واهي لقمة عيش بالحلال …فاعتدل عم احمد في جلسته مقررا أن يبدأ مناقشة سياسيه مع صاحبه وجاره عم بشندي …لكن يابشندي ايه دخل العرقسوس بمجلس الشعب ….ردعم بشندي : جرى ايه ياحمد مانت عارف أن كل الشعب المصري بيشرب عرقسوس علشان ينزل الضغط …هو اكيد هايوفر لهم العرقسوس ببلاش أو يمكن هايعمله على البطاقه التمونيه لازم عنده خطه لزراعة العرقسوس وصناعته علشان يبقى متوفر لعامة الشعب …وماأن انتهى عم بشندي من كلامه إلا وأحد حراس الأستاذ محسوس يهزه من كتفه فينتفض مفزوعاً ليباغته الحارس بسؤال قولي اسمك ايه أول بشندي هم اللي موجودين في القهوه دول تبعك يا عم بشندي ؟ لا يافندي دول ولاد الحاره ..ودا عم احمد جاري وصاحبي ….بس ليه لموآخذه ؟؟؟ لا أبداً كنا عاوزين نخدم الحاره ونوزع على الناس كلهم شربات محسوس بيه مقدماً شراب العرقسوس علشان دي رسالته لما ياخد العضويه … رد عم بشندي : عضوية ايه لا موآخذه .. الحارس : عضوية مجلس النواب ياعم بشندي عم بشندي : اللي كانوا بيسموه مجلس الشِعب الحارس : ايوه عليك نور …هو انت مش داري أن في انتخابات اليومين دول لمجلس الشِعب عم بشندي : لا والله …ودي هاتبقى امتى ؟ الحارس لا ماعرفش هابقى اسأل محسوس بيه هو اللي عارف هنا تدخل عم أحمد في المناقشه …طيب ممكن أسأل حضرتك سؤال يابيه ؟؟؟ الحارس : إسأل بس متطولش عليا أنا عندي شغل ومحسوس باشا مستنيني عم أحمد : هو لا موآخذه محسوس بيه بيشتغل إيه ؟؟بدت على الحارس بواكير علامات الغضب والتململ من السؤال ولكنه مضطر لإجابة الرجل عن سؤاله فوظيفته المؤقته والتي وعِد اذا نجح فيها و هي تجميع الأصوات لانتخاب السيد محسوس أبو عامر أن يدبر له محسوس بك وظيفه ميري ثابته . الحارس : هو في حد في المنطقه ولا الدايره ميعرفش محسوس بيه …دا أكبر خبير على مستوى البلاد العربيه ويمكن العالم في العرقسوس والعلاج بالأعشاب وهو اللي أثبت بالأدله العلميه العالميه أنه شِفا وخمير وأسهب معقبا …لا لا خدوا كلامي ثقه أنتوا عارفين أنا بس بخدم أهل منطقتي ودايرتى وبقولهم على الأفضل علشان ينتخبوه ويبقى هو النايب اللي بيوصل صوتهم للحكومه كمان هو عنده خطه جامده جداً لتعميم شرب العرقسوس على كل المقاهى كمشروب أساسي قبل طلب أي مشروب آخر علشان ضمان هدوء المناقشات بين الجيران والصحاب لأنه اكتشف أن المناقشات دي بتزعل الناس من بعضهم وتفرقهم عن بعض …كان عم بشندي يسمع لهم وقد اتسعت حدقتاه ليستوعب أكبر قدر مما يقوله الرجل ثم اندفع قائلا : عم بشندي : طيب نقدر نخدمك بإيه يابيه الحارس : هي خدمه بسيطه …وأنا رقبتي سداده معاكم لو قدرتوا تعملوها بنجاح عم أحمد وعم بشندي في نفس واحد خير يابيه اتفضل أحنا نخدم محسوس بيه بعنينا الحارس : شوف ياعم أحمد أنت وعم بشندي ..إحنا النهارده عاملين احتفال هنا بمناسبة ترشيح العرقسوس …يووووووه الأستاذ محسوس …..يووووووه قصدي محسوس بيه …وانا مكلفكم نيابة عني أنكم تدعوا كل أهل الحاره …الحفله هايحييها الفنان الكبير ملك الاغنية الشعبية وأغاني الميكروباص والتوك توك الفنان العاطفي تيجا أوماتيجا وماتنسوش تركزوا جداً على حضور سيدات الحاره …الحفله هايكون المشروب الاساسي فيها العرقسوس وهيكون فيها مسابقات لشرب أكبر قدر منه وطبعاً في جوايز كتيره وكبيره …همتكم معايا يارجاله عايزين نخليها ليله أُبهه …أنا عاوز تركزوا على الشباب علشان دول ولادنا ومستقبل بلدنا …وكمان الستات علشان أنتم عارفين طبعاً أنهم الخير والبركه في كل حاجه وبالذات في الأنتخابات …ودلوقت أسيبكوا للشغل الجد …ونظر الحارس لعم بشندي والأستاذ أحمد مؤكداً .. الحارس : ياعم بشندي ..ياعم أحمد ..أنا عاوز ليله من نار ..عايزين اسم محسوس بيه يلعلع فيها وهمة الستات في الزغاريد وخلافه .وأشار الحارس الى أحد رجاله الواقفين على بعد خطوات فألقى إليه بلفافتين من نبات العرقسوس ناول الحارس كل من عم بشندي وعم احمد لفافته وأسفل منها كانت هناك عشر ورقات من فئة المائة جنيه ..نهاركم أبيض يارجاله ثم انطلق عائداً الى التظاهره الدعائية لمرشحه المرتقب محسوس بيه على وعد بالعودة في المساء مبكراً بعض الشيئ للمشاركة والاشراف على الحفل الانتخابي . عاد عم أحمد وجاره عم بشندي للجلوس على المقهى ليضعا خطة الاعلان عن المفاجأة …ألا وهي احتفال الليلة الذي سيحييه مطرب الميكروباص والتوك توك وقررا فيما بينهما ان يستعينا بزوجتيهما ست عديله وست كريمه لنشر دعوة حفلة الليله وصل الرجلان الى منزليهما المتجاورين وماإن قابل كل منهما زوجته إلاوأخبرها بالقصة كاملة …وطلب منها أن تدعو جيرانها وأهلها واحبابها …ولم تمض ساعة إلا وجميع أهل الحي قد علموا بالحدث وجاء المساء والحارة تضج بالبشر والسرادقات ومكبرات الصوت في كل مكان ولكن المفاجأة ان كل الحضور كانوا من سيدات الحارة وشيوخهاكبار السن . ذهب الحارس المكلف بالإشراف على الاحتفال الانتخابي الى عم أحمد وعم بشندي وبصوت لا يخلو من الغضب وجه السؤال الى عم أحمد : فين الشباب ياعم أحمد دول أهم ناس لا زم يكونوا حاضرين …دا محسوس بيه أصلا مرشح نفسه علشان يمثلهم تردد عم أحمد في الإجابة قليلا ثم استجمع شجاعته وقال عم احمد : يابيه والله قولنالهم …لكن كان بعضهم معترضاً على كل شيئ وأي شيئ …والبعض كان بيقول أحنا منعرفوش يبقى ننتخبه ليه …والله احنا تعبنا معاهم ياباشا …بس بيني وبينك يابيه أنا لغاية ماجيت وكلمتني مع بشندي ماكنتش عارف مين عرقسوس دا …ياه لاموأخذه …قصدي محسوس محسوس ووضع عم احمد يده على رأسه وهو يتمتم (( أفهم بقى ياواد يااحمد …إحفظ بقى ياراجل أسمه محسوس محسوس بيه عامر . بدأالأحتفال الأنتخابي بتوزيع أكواب العرقسوس على الحاضرين ثم طُلبَ من الجميع أن يحتفظ بالأكواب الكرتونية الفارغة بعد الانتهاء من شربها …ومن يحتفظ بالعدد الأكبر يكون فائزاً بجائزة محسوس بيه…ثم انطلقت الهتافات لمحسوس بيه رجل العلم والتعليم …رجل البحث العلمي …مرشح الشباب ونصير المرأة ضد دوران الزمن ومعاناتها مع التجاعيد وتشريع العلاج بالأعشاب بالقانون وكلما انطلق هتاف اعقبته سيدات الحي بسيل من الزغاريد كصافرة قطار مغادر الى بقاع الجليد في سيبريا لا ينتظرون عودته سريعاً فيغمرونه بالحفاوة الزائده لتظل رائحة الوطن تزكم أنفه تسابق الحضور في شرب أكبرعدد من أكواب العرقسوس آملين في الجائزة التي وُعد بها من يحتسي أكبر عدد من أكواب العرقسوس . وفي العاشرة مساءً أطل على الحاضرين المطرب الموعود لترتفع الزغاريد والهتاف والتصفيق كل في نفس الوقت ويختلط الحابل بالنابل بين من يرقصون ويصفقون ويهللون ويهتفون لمن ولمن هل لمحسوس بك الذي منحهم تلك السهرة عربون محبه …أم للمطرب الذي لن تستطيع أن تدرك هل هو يغني بالعربيه أو بالأرديه او بلغة قبائل الواق الواق ، لم يكن هناك من جلوس سوى الأستاذ رشيد يجلس بعيداً على كرسيه المعتاد ويكتب ويسجل قصة من قصص الا نتخابات البرلمانية المصريه بتفاصيلها الغريبة أحيانا والمريبة أخرى وعند انتصاف الليل أنتهى الحفل الانتخابي لمحسوس بك ليعتلي هو المنصة بنفسه ملقياً كلمته موجها أياها لأبناء حيه معرفاً نفسه فأغلبهم لم يروه قبل تلك الاحتفالات والمسيرات الانتخابيه وفي الغالب لن يروه بعدها ..ثم يتفضل بمنح جائزته للشارب الفائز لتكون صك يمنحه حق اخذ مايلزمه من مشروب العرقسوس طوال حياته ( يعيش يعيش محسوس بيه ) هتاف تردد في أعقاب الجائزة الكبرى . انتهى الحفل وذهب كل الى داره بعد تأكيد من كلا الطرفين الناخب والمرشح أن يفوز محسوس بيه بأصوات حارة الحساسنه ويستيقظ الجميع بصعوبة في صباح اليوم التالي وكل منهم يعاني أعراضاً غريبه …ليتحاملوا على انفسهم مجاملة لابن حارتهم الذي أغدق عليهم العرقسوس فيدلون بأصواتهم لصالحه …ثم يتساقطون صرعى …فهم لم يعلموا …ولم يرشدهم أحد الى ان العرقسوس لا يُخفض الضغط ولكنه يرفعه …ولا يُخفض السكر وأنما يرفعه وفي نهاية اليوم تعلن النتائج ليفوز محسوس بك …ويغادر الى دار البقاء الأبدي بعض سكان حارة الحساسنه بعد أصابتهم بالسكتة الدماغيه، بينما يصاب البعض بالشلل الذي ربما سيظل ملازماً لهم لبقية حياتهم وينجو منهم من أدرك أن المرشح المذكور لا يمكن أن يكون هو من تصبو اليه العقول في مرحلة هي في أشد الحاجة الى عقول تفكر وتبني وتعمل بشرف من أجل مصر ومن أجلهم ابناء حارة الحساسنه الشرفاء ويكتب الأستاذ رشيد حكيم كلمته في آخر السطر مسجلا رؤية وحكمه…. ان الديمقراطية وحرية الاختيار لا ولن يكون لهما وجود إلا بالعلم والتعليم …فشعب يرزخ أربعون بالمائة من مواطنيه تحت وطأة الأمية والجهل لا يمكن أن يبني صروح الديموقراطية إلا بعد ثورة لمحاربة الجهل والأميه وتحقيق نظام تعليمي حقيقي ..وثقافي يُعنى بصقل العقول والأهتمام بالناشئه …عندها نستطيع أن نصل لمرحلة الاختيار الصحيح …المؤهل للديموقراطيه ثم كتب الأستاذ رشيد كلمة النهايه وحمل أجندته السوداء وغادر