مديرية الطب البيطري بشمال سيناء تشارك في سوق اليوم الواحد لتوفير السلع بأسعار مخفضة    سعر الدولار أمام الجنيه المصري مساء اليوم الإثنين 21 يوليو 2025    دراسة: الأمريكيون يحولون مدخراتهم إلى أدوات مالية ذات عائد    حماس: اعتقال مدير المستشفيات الميدانية بغزة أثناء عمله إمعان في الاستهداف الإجرامي    بابا الفاتيكان يبحث هاتفيًا مع الرئيس الفلسطينى الوضع فى غزة    بيراميدز يصل إلى ملعب مباراته الودية أمام باندرما سبور التركي    حسن شحاتة يخضع لجراحة عاجلة بعد أزمة صحية مفاجئة    الداخلية تكشف ملابسات مشاجرة عنيفة بالخرطوش في شبرا الخيمة    مشادة زوجية تنتهي بجريمة قتل.. ضبط المتهم بخنق زوجته في شبين القناطر بالقليوبية    من المنصورة إلى الخشبة.. أحمد عبد الجليل يروي رحلته في ندوة تكريمه من القومي للمسرح    أبو.. من مهرجان الجونة إلى "توبة" في فرح شعبى    عماد أبو غازي يتحدث عن السياسات الثقافية في مصر بمعرض مكتبة الإسكندرية للكتاب    ولادة نادرة لطفل شمعي بمستشفى سنورس.. والصحة: إنجاز طبي يعكس كفاءة أطقم الفيوم    صحة الدقهلية توضح حقيقة حالة الطفل المصاب إثر سقوط من علو    وزير الصحة يتابع تجهيز المخزن الاستراتيجي لفرع هيئة الرعاية الصحية بالإسماعيلية    منتخب مصر للسلة يواجه إيران في بطولة بيروت الدولية الودية    محافظ المنوفية يتفقد شركة صيانة الآليات بميت خلف لمتابعة منظومة العمل.. صور    وزير التعليم العالي: "كن مستعدا" مبادرة متكاملة لتأهيل مليون شاب لسوق العمل    لقطات حديثة لسد النهضة تكشف ما تخفيه إثيوبيا، البحيرة ممتلئة والأعمال مستمرة لتغطية التسرب    الجريدة الرسمية تنشر قرارا جديدا لرئيس الوزراء    الأمم المتحدة: يجب وقف إطلاق النار في غزة وإدخال المساعدات الإنسانية    10 انفصالات هزت الوسط الفني في 2025 (تقرير)    دارين حداد: "المداح نجح بالتعب مش بالكرامات"    برلماني: مصر قطعت الطريق على "حسم" الإخوانية.. والأجهزة الأمنية تسطر نجاحًا جديدًا    لتعويض رحيل محمد إسماعيل ل الزمالك.. زد يطلب التعاقد مع مدافع المحلة    طريقة عمل الشيش طاووق بتتبيلة لا تقاوم    حدث في بنجلاديش .. سقوط 16 قتيلا جراء تحطم طائرة عسكرية سقطت بحرم مدرسة وكلية مايلستون    حزب الجبهة الوطنية يعقد مؤتمرًا حاشدًا بكفر شكر لدعم مرشحه لانتخابات الشيوخ    "الدراسات العليا" بجامعة قناة السويس يفتح باب القبول والتسجيل لبرامجه "دبلوم - ماجستير - دكتوراه"    فريق طبي بمستشفى كفر الشيخ الجامعي ينجح في إنقاذ مريضة تعاني من ورم    وزير الخارجية يؤكد حرص مصر على نقل خبراتها المتراكمة في مكافحة الإرهاب لدعم القدرات النيجيرية    27 شهيدا جراء غارات الاحتلال على قطاع غزة منذ فجر اليوم    ملتقى التفسير بالجامع الأزهر: حديث القرآن الكريم عن الليل والنهار شامل ودقيق لإظهار التعبير والمعنى المراد    ما الضوابط الشرعية لكفالة طفل من دار الأيتام؟.. الإفتاء توضح    المفتي يوضح حكم كيِّ الماشية بالنار لتمييزها    المؤبد لطالب وشقيقه بتهمة قتل سيدة بمركز البلينا فى سوهاج    من هو عدي الدباغ المرشح لخلافة وسام أبو علي في الأهلي؟    الزراعة تطلق منافذ متنقلة لبيع منتجاتها للمواطنين بأسعار مخفضة فى الجيزة    النفط والضرائب والسوق السوداء.. ثلاثية الحوثيين لإدارة اقتصاد الظل    وصول الطفل ياسين مع والدته إلى محكمة جنايات دمنهور مرتديا قناع سبايدر مان    اليوم.. أولى جلسات محاكمة 39 متهما ب«خلية العملة»    حسن الصغير رئيسًا لأكاديمية الأزهر لتدريب الأئمة والدعاة    وزير العمل: التأمين الطبي لعمال «الدليفري» من ضمن أشكال السلامة المهنية    أسامة الجندي يوضح حكم الأفراح في الشرع الشريف    الشركة الوطنية للطباعة تعلن بدء إجراءات الطرح فى البورصة المصرية    سوداني يوجه رسالة شكر للمصريين على متن «قطار العودة»: «لن ننسى وقفتكم معنا» (فيديو)    السيطرة على حريق في مصنع زجاج بشبرا الخيمة    فات الميعاد.. أحمد مجدي: شخصية مسعد تعبتني.. وبحاول أتخلص منه لحد دلوقتي    الجامعة الألمانية تفتتح نموذجاً مصغراً للمتحف المصري الكبير في برلين    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 21-7-2025 في محافظة قنا    زعيم المعارضة الإسرائيلية: نهاجم في الشرق الأوسط حيثما نشاء دون سياسة واضحة    أوكرانيا: مقتل شخص وإصابة اثنين آخرين في أحدث الهجمات الروسية    ناقد رياضي يكشف تطورات صفقة وسام أبو علي بعد الأزمة الأخيرة    أحمد غنيم: المتحف المصري الكبير هدية مصر للعالم    تعرف على حالة الطقس اليوم الإثنين فى الإسماعيلية.. فيديو    "يريد أكثر من مبابي".. سبب تعقد مفاوضات تجديد فينيسيوس وخطوة ريال مدريد القادمة    الشناوي يتحدث عن صعوبة المنافسة على الدوري.. وتأثير السوشيال ميديا    أنغام فؤاد ومنيب تتألق في صيف الأوبرا 2025 بحضور جماهيري كبير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشاعر بدر شاكر السياب
نشر في شموس يوم 14 - 11 - 2015

هو بدر بن شاكر بن عبد الجبار بن مرزوق السياب وال السياب من قبيلة ربيعة العدنانية وجدهم (سياب ) كان من امراء ربيعة في ( البصرة ) وهو ماكدته الروايات والمصادر التاريخية المتعلقة بالموضوع وهذه الاسرة انجبت العديد من رجال العلم والادب والسياسة في تاريخ العراق الحديث .
اما والده فهو شاكر بن عبدالجبار بن مرزوق السياب، فقد ولد في قرية (بكيع) واكمل دراسته في (المدرسة الرشيدية ) في (أبي الخصيب) في ( البصرة ) أثناء العهد العثماني، وزاول التجارة والأعمال الحرة الا انه خسر في الجميع ثم اصبح وظفا في دائرة (تموين أبي الخصيب) توفي في 7/5/1963. له ثلاثة أولاد هم : عبدالله وبدر ومصطفي وبدر مات قبل والده .
و اما والدته فتدعى كريمة بنت سياب بن مرزوق السياب، وهي ابنة عم ابيه وقد توفيت قبله بمدة طويلة، وتركته واخوانه صغارا، مما حدى بوالده ان يتزوج بامرأة أخرى .
ولد الشاعر بدر شاكر السياب بتاريخ \ 25/12/1925 في قرية (جيكور) وهي احدى ثلاث قرى تقع على نهر ( ابو فلوس ) المتفرع من نهر( شط العرب ) وهي ( جيكور) و(كوت بازل) و(بكيع ) التابعة لقضاء (أبي الخصيب) في محافظة البصرة.
و(جيكور) قرية يسقيها نهر صغير يسمى( بويب ) كما ذكره الشاعر في قصائده ياخذ ماءه من شط العرب فيسقي حقولها وبساتينها التي كانت غناء خضراء فيها من اطايب الفاكهة والنخيل ويسقي مزارعها الواسعة والكثيرة .
توفيت والدة بدر وتركته واخوته صغارا فقد حنان الام فعاش واخوته يتامى الام وكانت تحنو عليه جدته ام ابيه .
درس بدر في مدرسة ( باب سليمان ) الابتدائية في أبي الخصيب
ثم انتقل إلى مدرسة ( المحمودية) في مدينة ( ابي الخصيب) وفي هذه المدينة وقرب المدرسة يوجد بيت فخم تزينه الشرفات الخشبية المزججة بالزجاج الملون (الشناشيل ) لتكون فيما بعد اسما لمجموعة شعرية له ( شناشيل ابنة الجلبي ) احدى دواوينه الشعرية – والجلبي هو لقب للأعيان الأثرياء- وفى هذه المدرسة تعلم أن يردد مع أترابه أهزوجة يرددها أبناء الجنوب عند هطول المطر، وقد ضمنها فيما بعد لإحدى قصائده يقول :
يا مطرا يا حلبي
عبر بنات الجلبي
يا مطرا يا شاشا
عبر بنات الباشا
وكانت محبة جدته له ولاخوته تمنحه العزاء والطمأنينة والعطف والحنان انه سرعان ما فقدها فقد توفيت في أيلول\ 1942 ليكتب في رثائها قصيدة يقول فيها :
جدتي من أبث بعدك شكواي؟
طواني الأسى وقل معيني
أنت يا من فتحت قلبك بالأمس
لحبي أوصدت قبرك دوني
فقليل على أن اذرف الدمع
ويقضى على طول أنيني
وتخرج من مدرسة المحمودية في الاول من تشرين الثاني (أكتوبر ) 1938م. ثم أكمل الدراسة الثانوية في البصرة ما بين عامي 1938 و 1943م. وقد تغيرت اوضاعه وكثرت مصاعبه فقد فقد أمه وخسر أباه و توفت جدته وسلبت حبيبته منه. وهذا كله احتشد في أعماق روحه ليندلع فيما بعد مثل حمم بركانية او بحر زاخر هائج تدفق شعرا ملتهبا وقصائد من حنين .
انتقل إلى بغداد فدرس في دار المعلمين العالية من عام \ 1943 إلى \1948، والتحق بفرع اللغة العربية، ثم الإنجليزية. ومن خلال تلك الدراسة أتيحت له الفرصة للإطلاع على الأدب العربي والإنجليزي بكل تفرعاته وخاصة الشعر .
تزوج السياب إحدي قريباته، وأحب زوجته وكان لها الزوج المثالي ، وانجبت منه ثلاثة اولاد: غيداء وغيلان والاء، بعدها اصيب بمرض عضال فكانت له مثال المرأة الحنونة، وتحملت كل متاعب والأم الحياة، حيث كانت الأيام معه اياما قاسية. تقول عنها زوجته :
(عندما تغدو قسوة الأيام ذكريات، تصبح جزءا لا يتجزأ من شعور الإنسان، تترسب في أعماقه طبقة صلبة يكاد يشعر بثقلها إذ ما تزال تشدني ذكرياتي معه كلما قرأت مأساة وسمعت بفاجعة..).
ويكسب في بغداد ومقاهيها صداقة بعض من أدبائها وينشر قصيدة لبدر في جريدته الاتحاد هي أول قصيدة ينشرها بدر في حياته .
.
واسس ندما كان طالبا في دار المعلمين العالية في السنة الدراسية 1944-1945 مع اخرين جماعةاطلقت على نفسها ( أخوان عبقر) كانت تقيم المواسم و المهرجانات الشعرية فظهرت مواهب للشعراء الشبان، ومن الطبيعي ات يتطرق أولئك إلى أغراض الشعر بحرية وانطلاق و وجد هؤلاء الشباب من عميد دارالمعلمين الدكتور متى عقراوي،وهو أول رئيس لجامعة بغداد و من الأساتذة العراقيين والمصريين تشجيعا .
كان السياب من أعضاء هذه الجماعة البارزين وكانت الشاعرة نازك الملائكة من أعضائها.
وتعرف بدرشاكر السياب على مقاهي بغداد الأدبية ومجالسها مثل مقهى الزهاوي ومقهى ا لبلدية و المقهى البرازيلية وكان يرتادها مع مجموعة من الشعراء الاخرين فشكلوا فيما بعد (رواد حركة الشعر الحر) منهم بلند الحيدري وعبد الرزاق عبد الواحد ورشيد ياسين وسليمان العيسى وعبد الوهاب البياتي وغيرهم .
والتقى امرأة فاحبها لكنها لم تبادله الشعوربالحب فكتب يقول :
أبي.. منه جردتني النساء
وأمي.. طواها الردى المعجل
ومالي من الدهر إلا رضاك
فرحماك فالدهر لا يعدل
.
وكتب لها بعد عشرين عاما- وكانت تكبره عمرا- فقال :
(وتلك.. لأنها في العمر اكبر
أم لأن الحسن أغراها
بأني غير كفء
خلفتني كلما شرب الندى ورق
وفتح برعم مثلتها وشممت رياها؟ …
غلام ضاو نحيل كأنه قصبة،
ركب رأسه المستدير كحبة الحنظل،
على عنق دقيقة تميل إلى الطول،
وعلى جانبي الرأس أذنان كبيرتان،
وتحت الجبهة المستعرضة التي تنزل في تحدب متدرج أنف كبير يصرفك عن تأمله العينين الصغيرين العاديتين
على جانبيه فم واسع،
تبز (الضبة) العليا منه
ومن فوقها الشفة بروزا يجعل انطباق الشفتين فوق صفي الأسنان كأنه عما اقتساري
تنظر مرة أخرى إلى هذا الوجه الحنطي فتدرك أن هناك اضطرابا في التناسب بين الفك السفلي الذي يقف عند الذقن كأنه بقية علامة استفهام مبتورة وبين الوجنتين الناتئتين وكأنهما بدايتان لعلامتي استفهام أخريين قد انزلقتا من موضعيهما الطبيعيين.)
وتزداد شهرة بدر الشاعر النحيل القادم من أقصى قرى الجنوب، وكانت الفتيات يستعرن دفتر أشعاره ليقرأنها ، فكان يتمنى أن يكون هو الديوان يقول :
ديوان شعر ملؤه غزل
بين العذارى بات ينتقل
أنفاسي الحرى تهيم
على صفحاته والحب والأمل
وستلتقي أنفاسهن بها
وترف في جنباته القبل
وفى قصيدة أخرى يقول:
يا ليتني أصبحت ديواني
لأفر من صدر إلى ثان
قد بت من حسد أقول له
يا ليت من تهواك تهواني
ألك الكؤوس ولى ثمالتها
ولك الخلود وأنني فاني؟
وبعدى تخرج السياب وعين مدرسا لكادة اللغة الإنجليزية فيثانوية في مدينة (الرمادي) التي تبعد عن ( بغداد) قربة تسعين كيلومترا وتقع على نهر الفرات غرب العراقلا .الا انه ظل يرسل قصائده من هناك إلى الصحف البغدادية تباعا.
وفى يناير ( مايس) 1949 ألقي عليه القبض في جيكور أثناء عطلة نصف السنة ونقل إلى سجن بغداد وتم الاستغناء عن خدماته في وزارة المعارف العراقية رسميا فى25 يناير 1949 وقد افرج عنه بكفالة بعد بضعة أسابيع الا انه بقي مفصولا من وظيفته ومنع إداريا من التدريس لمدة عشر سنوات، فعاد إلى قريته ينشد الراحة من الراحة بعد المعاملة القاسية التي لقيها في السجن .
وبعد ذلك اخذ يبحث عن عمل في البصرة لعله يسد حاجته المالية فعين (ذوّاقا ) في شركة التمور في البصرة . ثم عين كاتبا فرشركة النفط في البصرة . وذاق في هذه الاوقات مرارة الفقر شظف العيش والشقاء والظلم مما حدى بت ان يترك كل اموره ويعود الى بغداد فيلتقي ببعض اصحابه فيها ثم عمل في مخزن لاحدى شركات تعبيد الطرق في بغداد وكان قد توقف عن قول الشعر ونشره كل هذه الفترة .
وفي عام 1950 نشر له مجموعته الشعرية الثانية ( اساطير )
وفي هذه المجموعة كتب مقدمة لها أوضح فيها مفهومه للشعر الجديد المسمى ( الشعر الحر) الذي يبشر به وبدأ بدر بكتابة المطولات الشعرية مثل أجنحة السلام و اللعنات وحفار القبور و المومس العمياء وغيرها
ولما اضطرب الوضع السياسي في بغداد عام 1952 حاول بدر ان يذهب الى ايران متخفيا ومنها انتقل الى الكويت بجوازسفر ايراني باسم ( على ارتنك) حيث وجد عمل له في شركة كهرباء الكويت وكتب كل ذلك في قصيدته ( فرار ) ثم كتب قصيدته ( غريب على الخليج )
يقول فيها :
مازلت اضرب، مترب القدمين أشعث
في الدروب تحت الشموس الأجنبية
متخافق الأطمار
أبسط بالسؤال يدا نديه
صفراء من ذل وحمى
ذل شحاذ غريب بين العيون الأجنبية
بين احتقار، وانتهار، وازورار.. أوخطيه
والموت أهون من خطيه
من ذلك الإشفاق تعصره العيون الأجنبية
قطرات ماء.. معدنية
وهكذا ظل يتنقل من عمل يومي إلى آخر، وفى عام 1950 ينشر له الخاقاني مجموعته الثانية (أساطير) بتشجيع من أكرم الوتري مما أعاد إلى روحه هناءتها وأملها بالحياة، وقد تصدرتها مقدمة لبدر أوضح فيها مفهومه للشعر الجديد الذي يبشر به ويبدأ بدر بكتابة المطولات الشعرية مثل أجنحة السلام و اللعنات وحفار القبور و المومس العمياء وغيرها .
. ولم يطل البقاء بالكويت حيث رجع الى بغداد ليعين موظفا في الاستيراد والتصدير.
وفي عام 1955 عاد الى البصرة ليتزوج من احدى قريباته معلمة في احدى مدارس البصرة . وتم نشر كتابه ( قصائد مختارة من الشعر العالمي الحديث) له وقد تعرف على مجلة ( شعر ) اللبنانية واخذ ينشر فيها قصائده وترجماته ثم دعته الصحيفة الى لبنان فسافر اليها عام 1957 فيلتقي بالشعراء والمتاب :أدونيس و أنسي الحاج وشوقي أبى شقرا وفؤاد رفقه ويوسف الخال وغيرهم بعدها ويعود إلى بغداد أشد ثقة بشاعريته. واكثر إحساسا بالغبن في بلده حيث كان يشعر وعائلته مصاعب الحياة براتب ضئيل. ويرزق بولده ( غيلان ) ليكتب قصيدته
( مرحى غيلان ) يقول فيها :
بابا .. بابا ينساب صوتك في الظلام إلى كالمطر الغضير
ينساب من خلل النعاس وأنت ترقد في السرير
من أي رؤيا جاء؟ أي سماوة؟ أي انطلاق؟
وأظل أسبح في رشاش منه، أسبح في عبير
أن أودية العراق
فتحت نوافذ من رؤاك على سهادي
كل واد
وهبته عشتار الأزاهر والثمار
كأن روحي
في تربة الظلماء حبة حنطة
وصداك ماء أعلنت بعثي
يا سماء
هذا خلودي في الحياة
تكن معناه الدماء
قلت سافرالى لبنان وفي اثناء وجوده في لبنان اعلنت مجلة( شعر )عن مسابقة ادبية فيقدم ديوانه المخطوط للسابقة فيفوز فيها لترفع من شانه وتقوم المجلة بطبع مجموعته الفائزة ( انشودة المطر)
عاد من لبنان فعين في الموانئ العراقية في البصرة ويسكن في دار حكومية تابعة للموانئ الا انه ظهرت عليه بوادر المرض فاعتلت صحته لتتأثر جراء ضغط العمل المضني والتوتر النفسي .
وفي 7 يوليو 1961 رزق بابنة ثانية ليكون عدد اولاده ثلاثة الا
ان حالته الصحية ساءت فيه وكذلك أحواله المالية، وحملته حالة العوز إلى ترجمة كتابين أمريكيين لمؤسسة فرانكلين، لكن هذه جرت عليه العديد من الاتهامات والشكوك ثم تسلم في العام نفسه دعوة للاشتراك في (مؤتمر للأدب المعاصر) انعقد في( روما) برعاية المنظمة العالمية لحرية الثقافة .
وعاد الى البصرة منهكا الى الدار التي يقطنها منذ تعين في مصلحة الموانئ، يكابد أهوال المرض حيث امض فيه فلم يعد قادرا على المشي بمفرده ولم يعد أمامه سوى السفر لغرض العلاج فعاد إلى بيروت في أبريل( نيسان ) 1962 وفي الثامن عشر من الشهر ذاته أدخل مستشفى الجامعة الأمريكية في بيروت، وبعد عدة محاولات فاشلة لتشخيص مرضه ترك المستشفى بعد أسبوعين من دخوله إليه وكتب قصيدته (الوصية) مخاطبا فيها زوجته :
يا زوجتي الحبيبه
لا تعذليني، ما المنايا بيدي
ولست، لو نجوت، بالمخلد
كوني لغيلان رضى وطيبه
كوني له أبا و أما وارحمي نحيبه
وفي عام 1961 حصل على زمالة دراسية في لندن لدراسة الدكتوراه في اللغة الانطليزية و كانت وطأة المرض في بدء شدتها على الشاعر، حتى أخذ يفكر في أن لابد له من علاج في لندن قد يطول. وحصل لى موقع دراسي في جامعة(درم ) من جامعات شمال إنكلترا، المعروفة بدراساتها الشرقية وفي أوائل خريف 1962 سافر إلى إنكلترا لأول مرة والمرض يكاد يقعده، وتوجه إلى مدينة درم، وهو شديد القلق المخاوف على حالته الصحية . درم مدينة جبلية صغيرة، ابتنت شهرتا على وجود جامعة فيها هي من أفضل الجامعات البريطانية.
بيد أنها رغم جمالها الطبيعي، وجمال كلياتها التي يتباهى بعضها بروائع هندستها المعمارية، مدينة يلفها الضباب في معظم أيام السنة، ولقربها من مناجم الفحم المحيط بها من كل صوب، يشتد فيها الضباب قتاما أيام الخريف و الشتاء لدرجة الكآبة . فأقام فيها بضعة أيام كانت له أيام خيبة ومرارة، كتب في كل يوم منها.
ولم يستطع أن ير أحدا، ولم يره أحد. فعاد إلى مستشفي في لندن، حيث نظم شعرا كثيرا يحمل بعض ما أحس به من كآبة في تلك المدينة الصغيرة التي لم تتح له أن يرى فيها شيئا من فتنة كان يتوقعها .
وفي السنتين الاخيرتين ساءت حالته الصحية ولم يعد بمقدوره تحمل المرض فنقل الى الكويت ليدخل المستشفى في الكويت ثم يتوفاه الموت فيها. واخر قصيدة كتبها فيقول :
يا أم غيلان الحبيبة صوبي في الليل نظره
نحو الخليج. تصوريني اقطع الظلماء وحدي
لولاك ما رمت الحياة، ولا حننت إلى الديار
حببت لي سدف الحياة، مسحتها بسنا النهار
لم توصدين الباب دوني؟ يا لجواب القفار
وصل المدينة حين أطبقت الدجى ومضى النهار
والباب أغلق فهو يسعى في الظلام بدون قصد….
ثم ينهي بدر القصيدة بنغمة عاطفية فيقول :-
إقبال مدي لي يديك من الدجى و من الفلاه
جسي جراحي و امسحيها بالمحبة و الحنان
بك أفكر لا بنفسي : مات حبك في ضحاه
وطوى الزمان بساط عرسك و الصبى في عنفوان
توفي الشاعر بدر شاكرالسياب في يوم الخميس الخامس والعشرين من شهر كانون الاول (ديسمبر) من عام 1964 بالمستشفى الأميري في الكويت، عن عمر يناهز \ 38 عاما ونقل جثمانه إلى البصرة حيث دفن في مقبرة الحسن البصري في مدينة ( الزبير) من اعمال ( البصرة ).
ترك بدر شاكرالسياب مجموعة من الدواوين الشعرية وبعض الكتب التي ترجمها لقصائد لشعراء غربيين ومنها الكتب التالية:
الكتب الشعرية
أزهار ذابلة-
أساطير-
.حفار القبور-
المومس العمياء-
-الأسلحة والأطفال
أنشودة المطر-
.-المعبد الغريق
.منزل الأقنان-
-أزهار وأساطير
شناشيل ابنة الجلبي-
-اقبال
.قيثارة الريح –
أعاصير-
الهدايا –
– البواكير
– فجر الاسلام
اما كتبه الترجمة
عيون إلزا أو الحب والحرب
قصائد عن العصر الذري تاريخ
قصائد مختارة من الشعر العالمي
اتسم شعره في الفترة الأولى بالرومانسية وبدا تأثره بجيل علي محمود طه من خلال تشكيل القصيد العمودي وتنويع القافية ذلك واضحا في ديوانه أعاصير الذي حافظ فيه السياب على الشكل العمودي وبدأ فيه اهتمامه بقضايا الانسانية وقد تواصل هذا النفس مع مزجه يثقافته الإنجليزية متأثرا بإليوت وظهرت محاولاته الأولى في الشعر الحر وقيل ان قصيدته (هل كان حبا ) كانت نقطة التحول الى الشكل الجديد في الشعر (الشعرالحر ).وفي أول الخمسينات كرس السياب كل شعره لهذا النمط الجديد واتخذ المطولات الشعرية وسيلة لقول الشعر الحر وصار هو الشكل الأكثر ملائمة لشعراء الأجيال الصاعدة وأخذ السياب موقع الريادة بفضل تدفقه الشعري وتمكنه من جميع الأغراض وكذلك للنفس الأسطوري الذي أدخله على الشعر العربي بإيقاظ أساطير بابل واليونان القديمة كما صنع رموزا خاصة بشعره مثل المطر، تموز، عشتار، جيكور قريته التي خلدها. وتخللت سنوات الشهرة صراعات السياب مع المرض ولكن لم تنقص مردوديته الشعرية وبدأت ملامح جديدة تظهر في شعره وتغيرت رموزه من تموز ثم توغل السياب في ذكرياته الخاصة وصار شعره ملتصقا بسيرته الذاتية هذه الفترة الأخيرة من حياته كثيرا للتداوي والعلاج وكذلك لحضور بعض المؤتمرات الأدبية وكتب في رحلاته هذه بوفرة ربما لاحساسه الدفين باقتراب النهاية
: واختم بحثي بهذه الابيات من شعره
عيناك غابتا نخيل ساعة السحر
أو شُرْفَتَان راح ينأى عنهما القمر
عيناك حين تبسمان تورق الكروم
وترقص الأضواء كالأقمار في نهر
يَرُجّه المجذّاف وَهْناً ساعةَ السحر
وتبلغ القصيدة ذورتها في قوله:
أتعلمين أي حزن يبعث المطر
وكيف تنشج المزاريب إذا انهمر
وكيف يشعر الوحيد فيه بالضياع
بلا انتهاء كالدم المراق، كالجياع
كالحب، كالأطفال كالموتى هو المطر
اميرالبيان العربي
د.فالح نصيف الكيلاني
العراق- ديالى – بلدروز


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.