عبر نافذتي الصغيرة، توالت صور حلمٍ طويل وكنت أتمنى أن لا يتوقف، رأيت فيما يرى الحالم، شوارع مصر الواسعة العريضة نظيفة منظمة، بلا أزمات ولا إختناقات، وبلا ضحايا للسيارات والقطارات. رأيت الأشجار خضراء وارفة كما كانت حين كنا نشاهدها بأفلام عبد الحليم حافظ وشادية. ورأيت الجامعات متحضرة وصرحاً للعلم والثقافة خالية من التطرف والجهل الذي لايداويه حتى العلم لأنه جهل الأرواح لا العقول. ثم رأيت مدارس مفتوحة الأبواب لكل الجنسيات والثقافات، ومقاعد دراسة جميلة زاهية الألوان بساحاتٍ رحبة واسعة، ثم هناك يصطف المدرسون المخلصون الصادقون والذين أيضاً يحصولون على معاشات لائقة بمجهوداتهم ولا يضطرون لإهدار كرامتهم لأجل الدروس الخصوصية ليتمكنوا من البقاء على قيد الغلاء؛ وهناك على الطرف الآخر طلاب يحبون العلم ويقدسون المدرسة ولا ينتمون للموبايل والكمبيوتر أكثر من إنتماءهم للأهل والعلم والمجتمع والأمه بأكملها. تم بيوتاً وبنايات كبيرة عالية ولكنها جميلة منظمة مرتبة تضم جميع فئات المجتمع بُنيت فوق ما كان يُسمى عشوائيات فأصبح الناس بها لهم هوية وإنتماء، توقفوا عن القتل والضرب والعنف ليس لأنهم مجرمون بالسليقة ولكن لأنهم يكتظون في مكانٍ ضيق أضيق من أمالهم وكاسراً لكرامتهم. وهناك بعيداً تقف حكومة رشيدة مؤمنة لها ضمير وخطة وهدف وقبل كل شيء حب عميق لهذا الشعب الذي أصبح متعباً يرزح تحت الفقر والقهر وتوالي الحكومات. وامرأة مصرية تعود لتكون سيدة في بيتها وعملها وليست سلعة في الكليبات والأفلام. ثم رأيت أفلام راقية انسانية تقول لنا بأنه هنا يوجد شعب صاحب أقدم الحضارات وصاحب الروح المرحة الخفيفة التي لا تعرف اليأس ولا القنوط. حلمٌ طويل لبلد ليست بلدي، ولكنها تقبع دائماً كقطعة من قلبي، أراقبها وأستمع لأخبارها لأنها فعلاً نبضاً في العروق؛ ثم تأتي الإسكندرية الغارقة في المياة لتزيد من القهر لأجل شعب آن له أن يعرف شيئاً من الراحة والإستقرار؛ شعب يحمل طاقات بشرية وفكرية ومادية جبارة ولكنه من مأزق إلى مأزق ومن مأساة لأخرى؛ هناك شعوب تعاني من الحروب ويبدو أن هذا شيء له تبرير فالحرب هي الحرب، ولكن مصر تخرج عن القاعدة لأنها لا تعاني حرباً ولكنها تعاني قهراً بتجاهل أبسط إحتياجات الشعب، والأسوء هو تجاهل قدرات الشعب، سحقه تحت إحتياجات بدائية ومن ثم إعتبار مطالبه الأعلى رفاهية وليست حقاً مكتسباً. يبلغ عدد سكان ألمانيا وفرنسا حوالي 80 مليون نسمة ولا يتذمرون حول إزدياد تعداد السكان بل يريدون المزيد، وسوف يُقال بأنه لا مجال للمقارنة بين مصر وبين هذه الشعوب المتقدمة، ولكن ربما لابد من المقارنة بمجال الإحتياجات الأساسية، فهي دول ذات شوارع نظيفة مرتبة، ومدارس حكومية راقية، وحدائق ومكتبات ولا تتأفف حكوماتها من ثقل التعداد السكاني، لأنها وجدت الحل له بالتنظيم والإهتمام المحلي لكل بلدة على حدة. ولكن حين لا يتبقى للشعوب سوى الحلم، فلابد أن تكون أحلامها طويلة كي يندفن الجزء الأكبر من الواقع بين تفاصيل حلم ليته لا ينتهي. فصباح الخير يا مصر