الشّوق إلى الله حالة من الظّمأ الدّائم إلى سرّ الحضور الإلهي، وسعي صامت ودؤوب للمكوث فيه. ليس السّرّ جداراً نصطدم به فنعود أدراجنا دون أن نفهم. وإنّما هو استدعاء أعمق مكان في ذاتنا الإنسانيّة للتّأمّل في جمال الرّبّ، والدّخول معه في حوار يتدرّج من الإصغاء والتّعبير إلى الصّمت الخالص حتّى الاكتفاء بالحضور. عندها تولد اللّغة الأخرى المعدّة للمحبّين الّذين يتمكّنون من تخطّي الزّمان والمكان ليستأنسوا بالحبيب الإلهي. والتّفاعل بين المحبوب والحبيب الإلهي ينعكس سلاماً وسكينة على المحيط الإنساني، فيدخل الفرح والسّرور إلى قلوب كثيرة عطشانة إلى سرّ الكلمة الإلهيّة. لا يرتبط الشّوق إلى الله بالفرد وحسب وإنّما من خلاله يتحقّق حضور النّور الإلهي في العالم. هكذا نفهم تأثير آبائنا القدّيسين في محيطهم وفي حياتنا؛ فوَهُم الغائبون في الحضور ما برحوا أصدقاء ومعلّمين لنا، يفعلون في حياتنا ويؤثّرون فيها. وهكذا نستشفّ أهمّيّة أن نُسقط من مخيّلتنا كلّ مفهوم عن الله غير ذلك الّذي لمسناه بيسوع المسيح، ألا وهو الحبّ الخالص والمجّاني. كما علينا أن ننقّي عقولنا من ثوابت دخيلة أحدثت خللاً وتناقضاً رهيباً في مفهومنا للجوهر الإلهي، وأبعدته عن الإنسان مسافات قصيّة. هو الّذي اشتاق أوّلاً فسعى إلينا، وظلّ مشتاقاً حتّى الرّمق الأخير، وما زال إلى الآن وسيبقى يرغب بشدّة للقاء الكلّ، داعياً الجميع إلى مساكنه الرّحيبة. وكلّ مشتاق إليه يتلمّس الطّريق المؤدّية إليه، ويحيا معه قصّة حبّ لا تنتهي، حتّى تأتي ساعة اللّقاء النّهائي، فيكتمل اللّقاء ونعاينه وجهاً لوجه. إلّا أنّ الشّوق لن يخبو والحبّ لن ينطفئ لأنّ المحبّة لا تسقط أبداً. ( 1 كور 8:13).