زحام على اللجان مرشحو الأحزاب والنواب السابقون فى المقدمة وإجراءات مشددة لإجراء التحاليل    دعوى أمام القضاء الإداري لوقف نشر صور متهمات وقاصرات جرائم الآداب    نائب محافظ الجيزة يتوقف بسيارته في العياط لستماع شكاوى الأهالي ويوجه بحلها فورًا    نبيلة مكرم: التحالف الوطني نموذج فريد للحماية الاجتماعية على أرض الجيزة    وزير المالية: حصيلة الضريبة الإلكترونية حاليا قفزت إلى 19 مليار جنيه    بتنسيق مصري إماراتي.. المساعدات الإماراتية تصل غزة يوميًا رغم التحديات    سيطرة روسيا تتوسع فى أوكرانيا وزيلينسكى يشكو «أسطول الظل»    بوتين يصل دوشنبه ويلتقي نظيره الطاجيكستاني    الرئيس السيسي يُهنئ المنتخب الوطني لكرة القدم لتأهله لبطولة كأس العالم    افتتاح بطولة العالم للسباحة بالزعانف في المياه المفتوحة بالعلمين    نهضة بركان يتعرض لضربة قوية قبل مواجهة بيراميدز في السوبر الأفريقي    عدم اكتمال الجمعية العمومية غير العادية لسحب الثقة من مجلس الإسماعيلي    إصابة 10 أشخاص في حادث تصادم بالشرقية    حبس 3 أشخاص بتهمة الاتجار في المخدرات بالبحيرة    مقتل طفل وإصابة 3 أشخاص إثر تجدد خصومة بين طرفين في سوهاج    محمد رمضان يكشف موعد طرح أحدث أغانية «واحد اتنين تلاتة»    فرقة الإسماعيلية للفنون الشعبية تشارك ب «معرض الزمالك الأول للكتاب»    زاهي حواس: كنت على ثقة بفوز العناني بمنصب مدير عام اليونسكو(فيديو)    رحمة أحمد تنضم ل«نصيب»بطولة ياسمين صبري    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 8-10-2025 في محافظة الأقصر    داعية يكشف تفاصيل رؤية الراحل أحمد عمر هاشم للنبي في المنام(فيديو)    جامعة أسيوط: وحدة التأهيل الرئوي نقلة نوعية لخدمة المرضى بالصعيد    مدير مستشفيات قصر العيني يتفقد مستشفى أبو الريش الياباني ويشيد بالالتزام    صحة الدقهلية تحصد المركز الأول على مستوى الجمهورية في ميكنة مراكز السعار    ريال مدريد يكشف تفاصيل إصابة مدافعه.. وشكوك حول لحاقه بالكلاسيكو    شهر رجب يتكرر للمرة الثانية فى عام واحد ب 2025    مشاهد من معركة أكتوبر    مقترحات مسرحية على طاولة اليونسكو    تقرير دنماركي: يس توروب وقع على عقود تدريب الأهلي 3 سنوات    هيئة الدواء: دستور الدواء المصرى يواكب التطورات العالمية للصناعة    خالد سليم وعبد الباسط حمودة يجتمعان فى دويتو ليلة مِ اللى هيا    تأجيل محاكمة 21 متهما بخلية دعاة الفلاح لجلسة 24 ديسمبر    إثيوبيا يعبر غينيا بيساو ولا تغيير فى ترتيب مجموعة مصر بتصفيات المونديال    "التحالف الدولي" يعيد تموضع قواته في سوريا لمواجهة بقايا "داعش"    ندوة تثقيفية لجامعة أسيوط الأهلية حول "الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان ودور الجامعات في تعزيزها"    محافظ الجيزة يعتمد حركة مديري ووكلاء الإدارات التعليمية    وكيل «تعليم البحيرة» يشهد ندوة «التعليم بين تحديات الحاضر ورهان المستقبل»    وزارة الاتصالات: تنفيذ برنامج عالمى لأكاديمية إتش بى للابتكار فى مدارس WE    أحمد عمر هاشم.. تعرف على أبرز 10 معلومات عن جهوده الدعوية    «نادية عمارة» تكشف الأسس الشرعية والاجتماعية لاختيار شريك الحياة    تكاثر السحب الممطرة على هذه المناطق.. الأرصاد الجوية تكشف حالة الطقس في القاهرة والمحافظات    ضبط سائقي سيارتين سمحا لأطفال بالجلوس فوق النوافذ خلال زفة فى القليوبية    ضبط 19 طن دقيق مدعم بالمخابز السياحية    استئصال ورم ليفى يزن كيلوجرام من أذن تيس بالطب البيطرى جامعة القاهرة    انطلاق برنامج مصر جميلة لاكتشاف المواهب الفنية والأدبية بالوادي الجديد    أسعار الدواجن بأسواق الإسكندرية تصل إلى 80 جنيها للكيلو    علاج 1928 مواطنا مجانا ضمن قافلة طبية بقرية في الشرقية    الإحصاء: 36.8 % زيادة بقيمة المبالغ المودعة فى صندوق توفير البريد 2024 / 2025    رجال لا يكررون الخطأ مرتين.. 4 أبراج تتعلم بسرعة من التجارب    وزيرة التضامن تترأس اجتماع اللجنة العليا للأسر البديلة الكافلة    عزاء الدكتور أحمد عمر هاشم اليوم بمسجد الشرطة بالتجمع الخامس بعد صلاة المغرب    موقف عصام صاصا بعد اتهامه فى مشاجرة وصدور حكم بالحبس سنة مع إيقاف التنفيذ    الأهلي يستعد للمشوار الأفريقي بكتيبة غيابات    بن جفير يقتحم الأقصى مجددًا وسط توتر أمني في عيد العرش اليهودي    «الشكاوى الحكومية» تتلقى 13.5 ألف شكوى واستغاثة صحية    يد - بعثة الأهلي إلى المغرب للمشاركة في بطولة إفريقيا    أكسيوس: ويتكوف وكوشنر يصلان شرم الشيخ للانضمام لمفاوضات إنهاء حرب غزة    سعر سبيكة الذهب اليوم الأربعاء 8-10-2025 بعد الارتفاع الكبير.. بكام سبيكة ال10 جرام؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في إمكانيّة إدراك الله عقليّاً.
نشر في شموس يوم 21 - 06 - 2015

قراءة في نصّ: " إدراك الله عقليّاً- القدّيس غريغوريوس النزينزي
ليس القدّيسون مجرّد أشخاص يصلّون ويصومون ويتعبّدون، أو مختارون لهذه الغاية أو تلك. وإنّما القدّيسون هم الّذين سلكوا طريق المعرفة بيسوع المسيح، فاتّضحت لهم أمور كثيرة وحقائق شتّى. عندما نقرأ لهم، لا نفهم الكلمة الإلهيّة وحسب، بل يتبيّن لنا الطّريق السّليم في البحث الفكري والنّفسي والرّوحي. إذ إنّهم سلكوه قبلنا وثابروا فيه فصاروا خير مثال يُحتذى به. إنّ نصوص الآباء تحمل في طيّاتها وسائل معرفيّة تقرّبنا من الله وتحثّنا على اكتساب الوعي الإيمانيّ والعمل بالذّكاء العقليّ والرّوحي. والطّريق السّليم والصّحيح هو يسوع المسيح، لأنّ به تنكشف كلّ الحقائق، ولأنّه يتيح لنا أن نحرّك عقولنا بحرّيّة، مستنيرين بالنّور الإلهي، وبالحكمة الأزليّة. " أنا هو الطّريق والحقّ والحياة" ( يو 6:14). هو الطّريق لكلّ الطّرق والحقّ الّذي يحوي كلّ الحقائق، والحياة الّتي تخلص إليها كلّ الحيوات.
يعلّمنا القدّيس غريغوريوس النزينزي في هذا النّص أنّ للعقل دور في البحث عن الله، ويشرح لنا في ثلاثة أقسام عن إمكانيّة إدراكه عقليّاً. ولكن ينبغي لنا أن نعلم ونعي جيّداً أنّه على الرّغم من أنّ إدراك الله عقليّاً أو محاولة إدراكه، اجتهاد فكريّ مشروع، ذلك لأنّ للعقل دور مهمّ جدّاً في حياة الإنسان وفي نشاطه المعرفيّ المؤدّي إلى الوعي الإيماني. إلّا أنّ هذه المعرفة لا ينبغي أن تكون في سبيل التّمرّد على الله. فالعقل، إذا ما استولى عليه الكبرياء الإنساني، تمرّد على صاحبه وعلى الله، وسقطت حكمته وهوى رشده واتّزانه واستبعد الله. " المعرفة تزهو بصاحبها، والمحبّة هي الّتي تبني. من ظنّ أنه يعرف شيئاً، فهو لا يعرف بعد كيف يجب عليه أن يعرف. لكنّ الّذي يحبّ الله يعرفه الله." ( 1 كورنثس 3،2،1:8). ما يعني أنّ المعرفة العقليّة وحدها لا تكفي لمعرفة الله، ولا تعرف السّبيل الصّحيح إليه بل ينبغي أن تنطلق من محبّة الله حتّى تبلغه. نتفاعل مع حبّ الله فنسعى لإدراكه، فنعرفه.
– الله الكائن:
(الله كان كائناً دائماً وهو كائن في الحاضر وسيكون دائماً إلى الأبد، أو بالحري، هو كائن دائماً. لأنّ " كان" و "سيكون" هي أجزاء من الزّمن ومن طبيعتنا المتغيّرة. أمّا هو فهو " كائن" أبديّ، وهذا هو الاسم الّذي أعطاه لنفسه عندما ظهر لموسى " أَهْيَهِ الَّذِي أَهْيَهْ " (خر 3: 14). لأنّه يجمع ويحوي كلّ " الوجود"، وهو بلا بداية في الماضي، وبلا نهاية في المستقبل، مثل بحر عظيم لا حدود لوجوده، لا يُحد ولا يُحوى، وهو يتعالى كليةً فوق أيّ مفهوم للزّمان وللطّبيعة، وبالكاد يمكن أن يُدرك فقط بالعقل. ولكنّه إدراك غامض جداً وضعيف جداً. ليس إدراك لجوهره، بل إدراك بما هو حوله، أي إدراكه من تجميع بعض ظواهر خارجيّة متنوّعة، لتقديم صورة للحقيقة سرعان ما تفلت منّا قبل أن نتمكّن من الإمساك بها، إذ تختفي قبل أن ندركها. هذه الصّورة تبرق في عقولنا فقط عندما يكون العقل نقيّاً كمثل البرق الّذي يبرق بسرعة ويختفي.) ( القديس غريغوريوس النزينزي).
كي يفهم العقل كينونة الله الأزليّة الأبديّة، ينبغي أن يستدلّ على مفهوم الألوهيّة الحقيقيّ المرتبط بالمحبّة ( الله محبّة). ومتى أدرك هذا المفهوم تمكّن من ملامسة الحقيقة الإلهيّة، مع العلم أنّه من الصّعب جدّاً أن يبلغها وحده ( أي العقل). إذ لا يمكن للمحدود بالزّمان والمكان أن يدرك بشكل كامل غير المحدود الّذي يتخطّى المكان والزّمان. لذا فالعقل يتلمّس هذه الحقيقة ويتمتمها، ما يسمّيه القديس غريغوريوس، الإدراك الغامض جدّاً والضّعيف جدّاً. إنّ العقل يتلمّس هذه الحقيقة من خلال المخلوقات والمحيط ولا يتبيّنها بذاتها، تماماً كما يدرك مفهوم الجمال والحقّ والخير. فلهذه القيم الثلاث، شروحات ومفاهيم تنطلق من الطّبيعة والمادة، لأنّها ليست معادلة حسابيّة وإنّما قيم يختبرها العقل من خلال واقعه. ويضيف القديس غريغوريوس، أنّ العقل بحاجة إلى النّقاء والصّفاء حتّى يفهم، لأنّ العقل المشوّش بالكاد يفهم محيطه، ويتخبّط في البحث بدون أسس سليمة وصحيحة.
– الله من طبيعة بسيطة :
( أعتقد أنّ هذا الإدراك يصير هكذا، لكي ننجذب إلى ما يمكن أن ندركه، لأنّ غير المدرك تماماً، يُحبط أي محاولة للاقتراب منه. ومن جهة أخرى فإنّ غير المدرك يثير إعجابنا ودهشتنا، وهذه الدّهشة تخلق فينا شوقاً أكثر، وهذا الشّوق ينقينا ويطهرنا، والتّنقية تجعلنا مثل الله. وعندما نصير مثله، فإنّي أتجاسر أن أقول أنّه يتحدّث إلينا كأقرباء له باتّحاده بنا، وذلك بقدر ما يعرف هو الّذين هم معروفين عنده. إنّ الطّبيعة الإلهية لا حدّ لها ويصعب إدراكها. وكلّ ما يمكن أن نفهمه عنها هو عدم محدوديتها، وحتى لو ظنّ الواحد منّا أنّ الله بسبب كونه من طبيعة بسيطة لذلك فهو إمّا غير ممكن فهمه بالمرّة أو أنّه يمكن أن يُفهم فهماً كاملاً. ودعنا نسأل أيضاً، ما هو المقصود بعبارة "من طبيعة بسيطة" ؟ لأنّه أمر أكيد أنّ هذه البساطة لا تمثّل طبيعته نفسها، مثلما أنّ التّركيب ليس هو بذاته جوهر الموجودات المركبة.) (القديس غريغوريوس النزينزي).
إنّ البساطة الكامنة في الطّبيعة الإلهيّة تبدو عصيّة على العقل البشريّ، وإلّا لكان أدركها كما أدرك حقائق أخرى أو أقلّه حدّد هذه الطّبيعة بتعريف واضح وصريح. ولئن كانت هذه الطّبيعة بسيطة جذبت العقل ليبحث عنها ويدور حولها ويتقبّلها كفكرة أوّلاً، ثمّ كحقيقة. ولا يتمّ هذا القبول إلّا إذا تحرّك القلب الإنساني وسمح لهذه الحقيقة أن تتسرّب إلى أعماقه. لأنّه إذا وقفت هذه الحقيقة عند حدود العقل تلاشت مع الوقت لأنّها تفتقد إلى عنصر التّفاعل. فالمحبّة تنتظر تفاعلاً مثلها، أي محبة تتفاعل مع محبّة، وهنا يبدأ الدّخول في قلب الحقيقة تدريجيّاً من خلال علاقة تفاعلية. بل يذهب القديس غريغوريوس إلى أبعد من ذلك، ليتحدّث عن الإعجاب والدّهشة الّتي تثيره هذه الطّبيعة، فتخلق الشّوق في الدّاخل الإنساني. هذا الشّوق المؤلم الّذي يطهّر الإنسان وينقّيه فيقترب تدريجيّاً ليصير مثل الله، ولا نقول ليصير الله، بل مثله. وعندها تتجلّى إمكانيّة الإدراك. ولمّا كانت هذه الطّبيعة لا تمثّل نفسها، بدا من الصّعب تحديدها. فعندما نقول أنّ الله محبّة، لا نعني بذلك أنّ الله في مكان والمحبّة في مكان آخر، كما أنّنا لا نعني أنّ المحبّة جزء منه، بل المحبّة جوهر الله، بل هي الله. وحتّى لو وصلنا إلى هذا المفهوم- أي الله محبة-، فنحن ما زلنا عند حدود التمتمات البشريّة لأنّه أعظم من ذلك وفوق كلّ شروحات بشريّة.
– النّظرة العقليّة للّانهائيّة في الله:
( يمكن التّفكير في اللّانهائيّة من ناحيتين، أي من البداية ومن النّهاية، لأنّ كلّ ما يتخطى البداية والنّهاية ولا يُحصر داخلها فهو لا نهائي. فعندما ينظر العقل إلى العمق العلوي، وإذ لا يكون لديه مكان يقف عليه، بل يتكّئ على المظاهر الخارجيّة لكي يكوّن فكرة عن الله، فإنّه يدعو اللّانهائي الّذي لا يُدنى منه باسم "غير الزّمني". وعندما ينظر العقل إلى العمق السّفلي وإلى أعماق المستقبل، فإنّه يدعو اللّانهائي باسم "غير المائت" و "غير الفاني". وعندما يجمع خلاصته من الاتّجاهات معاً فإنّه يدعو اللّانهائي باسم "الأبدي"، لأنّ الأبديّة ليست هي الزّمان ولا هي جزء من الزّمان لأنّها غير قابلة للقياس. فكما أنّ الزّمان بالنّسبة لنا هو ما يُقاس بشروق الشّمس وغروبها هكذا تكون الأبديّة بالنسبة للدّائم إلى الأبد.) (القديس غريغوريوس النزينزي).
لكّل شيء بداية ونهاية، بداية ينطلق منها الفكر الإنساني أو قاعدة، إن جاز التّعبير، يستثمر فيها كل طاقاته المعرفيّة ويُخضعها للتّحليل والتّمحيص، ثمّ يربطها بنهايتها أو يخلص إليها فيستدلّ على حقيقتها. وأمّا الله فلا بدايةً له تمكّن العقل الإنساني من الانطلاق منها، حتّى يتعرّف عقليّاً على هذه الطّبيعة. كما أنّ لا نهاية له تمنح الفكر ملامح تمكّنه من الاستدلال على حقيقته. ولو وُجدت أيّة إمكانيّة لتحديد بدايته ونهايته، لاستطاع العقل الإحاطة بها.
هذا الحضور الإلهي الأزليّ الأبديّ، هو حضور الحبّ، غير الخاضع للمادّة، وغير الملتزم بقواعد الابتداء والانتهاء. وهذا الحبّ يفوق قدرة العقل لأنّه لا يندرج في الإطار العاطفي لمعنى الحبّ، وإنّما يتخطّى العاطفة والمشاعر والأحاسيس. إنّه الحالة، حالة الحبّ، والتّجرّد الخالص المنزّه عن أي مادة، والأرفع من العقل وسقطاته. قد يستدلّ العقل على حالة الحبّ إلّا أنّ ليس بإمكانه أن يتفاعل معها، ويحتويها. ينبغي للقلب أن يتحرّك، وينبض ثمّ يستسلم لها، فتتسرّب إلى عمق أعماق الإنسان فيذوب فيها وتذوب فيه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.