قراءة في نصّ للكاتب السّوري جمال رافع/ " هل المرأة سيّئة؟" النّصّ: —- هل المرأة "سيئة" ؟ انفلت المطر بغزارة… غادرت أنا معطفي. _ الحبّ يشكّل الحقيقة المطلقة والوحيدة والكاملة. إنّ المجال النّسبي وُضع كي نشعر بذواتنا. _ هل كان ما حصل بين آدم وحواء الخطيئة الأولى؟ _ لم يكونا كما يشاع عنهما، بل هما رجل وامرأة كانا أب وأم التّجربة الإنسانيّة الأولى، وإنّ فكركم الباطن سمح لكم بجعل المرأة "سيئة" و"سبب كل مصائب" الرّجل. ما كان هذا سبباّ في التّشوهات العديدة والمحتملة للواقع. سأقول لك: كيف يمكن للمرء أن يشعر بذلك السّرور بالنّظر لما هو بذلك "السوء" ؟ _ حدّثني عن العواطف _ العواطف يا صديقي هي حبّ الطّبيعة للانتقال للفعل. وهي وقود محرّك للإبداع. وهي الّتي تحوّل النّظرية إلى تجربة. لا ترفض العاطفة أبداً فذلك مساوٍ لرفض من تكون ومن ترغب بصدق أن تكون. العواطف هي حبّ الفعل والفعل هو الواقع شعورياّ. _ لكن ما الّذي غالباّ يشكّل جزءاً مكوّناً للفعل؟ _ إنّه الانتظار. أن تحيا حياتك بدون انتظار بدون التّعلق بنتائج محدّدة.. ها هي الحريّة. هل ما زلت تعتقد أنّ المرأة سيّئة؟ _ طبعا لا القراءة: —- يتوجّه الكاتب إلى القارئ في هذا النّصّ اللّطيف والعميق بما يشبه الاختبار المعرفي. فهو يستدرج القارئ بعنوان استفهاميّ ( هل المرأة سيّئة؟)، ليبحث عن مفاتيح التّعابير حتّى يدرك فحوى المعنى الكامن بين السّطور. – " هل المرأة سيّئة؟" عنوان استفهامي يسمح للقارئ أن يجيب قبل أن يقرأ النّص. إلّا أنّ العالم الّذي ابتناه الكاتب بعيد عن الإجابة على السّؤال، ونلاحظ ذلك في سياق النّص، ونتبيّن أنّه عنوان يندرج ضمن الأسئلة الفلسفيّة الخاضعة للتّحليل المؤدّي إلى خلاصة معيّنة. – " انفلت المطر بغزارة… غادرت أنا معطفي." جملة بسيطة تبيّن تناقضاً واضحاً بين انهمار المطر والاستغناء عن المعطف، وتحدّد ملامح النّصّ بشكل عام. كما أنّها ترسم الخطّ الأوّل نحو الهدف. ففي حالة المطر الغزيز، لا بدّ من الإحساس بالبرد واللّجوء إلى وسيلة تدفئة. إلّا أنّ الكاتب استغنى عن معطفه الّذي من المفترض أن يؤمّن له الدّفء، لأنّ الدّفء ينبعث من الحقيقة الحاضرة في داخله. يؤكّد هذا المعنى الكلمات الأولى من الحوار القائم في النّص: – " الحبّ يشكّل الحقيقة المطلقة والوحيدة والكاملة. إنّ المجال النّسبي وُضع كي نشعر بذواتنا." نقرأ في هاتين الجملتين تصاعداً عكسيّاً من النّتيجة إلى النّظريّة. أيّ أنّ الكاتب انطلق من الحقيقة إلى التّحليل وليس العكس. وكأنّي به لم يعد بحاجة إلى البحث عن الحقيقة وإنّما يعوزه أن يعيشها، ثمّ يثبتها للآخر. اختار الكاتب قصّة يتّفق عليها أغلب النّاس كمنطلق للبحث في الحقيقة الإنسانيّة، ( هل كان ما حصل بين آدم و حواء الخطيئة الأولى؟). لكنّه ذهب أعمق من المعنى المخبّأ في الأسطورة، ليُبعد عن الحبّ كتجربة إنسانيّة، معنى الخطيئة الّتي أدّت إلى سقوط الإنسان. والجدير بالذّكر أنّ أسطورة ( آدم وحوّاء) لم تهدف إلى إرجاع سبب السّقوط إلى الحبّ بين الرّجل والمرأة ولا حتّى إلى المرأة نفسها. ويعرّج الكاتب على المعنى الأصيل للأسطورة ليشرح نضوج الحقيقة في ذهنه ويحدّد ملامحها، ويوضح أنّ الرّجل والمرأة يكوّنان معاً صورة الحبّ، بل يتطرّف قليلاً ليمنح المرأة رتبة فيض الحبّ. أي أنّها الممتلئة من الحبّ والمانحة الأولى له. (كيف يمكن للمرء أن يشعر بذلك السّرور بالنّظر لما هو بذلك "السوء" ؟ ). هذا الحبّ الحقيقة المتجلّي في فكر الكاتب، تُهيّئ له العواطف، إلّا أنّها بالنّسبة له أقلّ رتبة من الحبّ، لأنّها الحبّ النّظري، أي الحبّ بالقوّة. وأمّا الحبّ بالفعل فهو انسكاب المشاعر بكلّيّتها لتظهر شفافيّة الإنسان فتظهر إنسانيّته. وبقدر ما يخوض التّجربة فبذات القدرة يتحقّق اكتمال إنسانيّته. ( العواطف يا صديقي هي حبّ الطّبيعة للانتقال للفعل. وهي وقود محرّك للإبداع. وهي الّتي تحوّل النّظريّة إلى تجربة. لا ترفض العاطفة أبداً فذلك مساوٍ لرفض من تكون ومن ترغب بصدق أن تكون. العواطف هي حبّ الفعل والفعل هو الواقع شعورياً.). بين الحبّ النّظريّة والحبّ الفاعل في الحياة الإنسانيّة تتأرجح العواطف في مسيرة اختباريّة حتّى تلتقي الحبّ الحقيقيّ المفجّر للإبداع الإنسانيّ. وأمّا هذا الحبّ الحقيقة فهو يحتاج إلى عنصر أساسيّ يغذي اتّقاده ويؤجّج وهجه. ما نقرأه في الجملة التّالية: ( إنّه الانتظار. أن تحيا حياتك بدون انتظار بدون التّعلق بنتائج محدّدة.. ها هي الحرّية.) ويتّضح لنا أنّ الحرّيّة مساوية للحبّ، ويعززها الانتظار الحرّ والمتفلّت من كلّ قيد. ولعلّ الكاتب أراد أن يعبّر عن تفلّت من المواعيد والسّيطرة والتّملّك، بل عن تخطٍّ للزّمان والمكان والاتّجاه نحو الحقيقة بدافع الحبّ وحسب. ويأخذنا هذا الانتظار إلى أبيات اتّسمت بالانتظار المتّجرّد والمرتبط بالحبّ الخالص للشاعر محمود درويش: ولا تتعجل فإن أقبلت بعد موعدها فانتظرها، وإن أقبلت قبل موعدها فانتظرها، ولا تُجفل الطير فوق جدائلها وانتظرها. تعيدنا الجملة ما قبل الأخيرة إلى العنوان (هل ما زلت تعتقد أنّ المرأة سيّئة؟)، لكن هذه المرّة لتكشف عن خلاصة بشكل سؤال، وهي خلاصة نهائيّة تتضمّن قناعة ثابتة، تؤكّدها الإجابة (طبعا لا). وهنا تظهر قيمة النّصّ الأصليّة الّتي تهدف إلى إيصال مفهوم عميق وفلسفي من خلال حوار بسيط وظريف وغزير المعاني، ألا وهو مفهوم الحبّ كحقيقة إنسانيّة.