قنصوة: جامعة الإسكندرية تقدم كل الدعم للفعاليات الثقافية والفنية لخدمة المجتمع    بالأسماء، تنازل 21 مواطنا عن الجنسية المصرية    تخطت ال 17 ألف جنيه، مصروفات المدارس المصرية اليابانية بالعام الجديد    ارتفاع مفاجئ فى سعر جرام الذهب صباح اليوم الثلاثاء 16 أبريل 2024    محافظ قنا يستأنف استقبال المواطنين بمكتبه لبحث شكاواهم    البورصة المصرية، المؤشرات تقفز لمستوى جديد في بداية جلسة اليوم    الجيش الأردني يعلن تكثيف طلعاته الجوية، اعرف السبب    12 مليون دولار مساعدات إنسانية من كوريا الجنوبية للسودان    "البسولهم الجزيري بيخافوا منه"، ميدو يسخر من الأهلي بعد الهزيمة أمام الزمالك    موعد مباراة بوروسيا دورتموند وأتلتيكو مدريد في دوري أبطال أوروبا والقناة الناقلة    بعد واقعة إمام عاشور، الأهلي يقرر تغليظ عقوبة "السوشيال ميديا"    إبراهيم نور الدين: أنا الحكم رقم 1 في مصر    مصرع شاب دهسا أسفل عجلات قطار في المنيا    مصرع 7 أشخاص وإصابة 13 آخرين فى انقلاب سيارة بطريق أسيوط الغربي    برنامج مباشر من مصر يستضيف حفيد عالم المصريات سليم حسن في ذكراه    تعرف على موعد عزاء الفنانة الراحلة شيرين سيف النصر    الرقابة الصحية: اعتماد 350 منشأة طبية في 18 محافظة    الرعاية الصحية: تكنولوجيا التحليل الجيني المستقبل الواعد للتشخيص والعلاج الشخصي خلال 2024    وزارة الصحة تطلق البرنامج الإلكتروني المُحدث لترصد العدوى في المنشآت الصحية    الخارجية الأمريكية: العراق يمتلك إمكانيات هائلة لتجديد الطاقة بالشرق الأوسط    الرئيس الصيني يدعو إلى تعزيز التعاون مع ألمانيا    استعدادات طلاب صيدلة قناة السويس للمؤتمر الطلابي السابع    استعدوا لتغيير الساعة.. بدء التوقيت الصيفي في مصر خلال أيام    وزيرا البيئة والإسكان يبحثان مقترحات تشغيل مشروع تطوير موقع التجلي الأعظم    المراكز التكنولوجية تستقبل طلبات التصالح من المواطنين 5 مايو المقبل    أهم ألف مرة.. ماهر همام يعلق على مباراة الأهلي ومازيمبي    أستاذ في الاقتصاد الزراعي: «التموين» تستهدف توريد 3.5 مليون طن قمح هذا العام    التعليم تخاطب المديريات لتنفيذ المراجعات النهائية لطلاب الشهادتين الإعدادية والثانوية    الأرصاد: طقس حار نهارًا على القاهرة.. والعظمى 31    تحرير 31 محضرا بمخالفات لمخابز فى السنبلاوين    أمطار غزيرة تضرب دولة خليجية وبيان عاجل لإدارة الطوارئ والأزمات والكوارث    مصرع منجد بالبيلنا سوهاج فى مشاجرة بسبب خلافات الجيرة ولهو الأطفال    اليوم.. الجنايات تستكمل محاكمة متهمين ب"داعش قنا"    ننشر جدول امتحانات الفصل الدراسي الثاني لصفوف النقل والشهادات في بورسعيد    الصين تؤكد ضرورة حل القضية الفلسطينية وتنفيذ حل الدولتين    "معلومات الوزراء": الطباعة ثلاثية الأبعاد تقنية صناعية سريعة النمو    فيلم شقو يتصدر الإيرادات بتحقيق 41 مليون جنيه في 6 أيام    رد الدكتور أحمد كريمة على طلب المتهم في قضية "فتاة الشروق    كندا تدين الهجمات الإجرامية للمستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية    «التحالف الوطني» أرسل 4 آلاف طن مساعدات لغزة في المرحلة ال6    خادم الحرمين وولى العهد يعزيان سلطان عمان فى ضحايا السيول والأمطار    مستشار الرئيس: نهدف إلى حصول كل مواطن على الرعاية الصحية الكاملة    وزارة الصحة تكشف أسباب مقاومة المضادات الحيوية للبكتيريا.. التفاصيل    جدول امتحانات المرحلة الثانوية 2024 الترم الثاني بمحافظة الإسكندرية    حظك اليوم برج القوس الثلاثاء 16-4-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    رئيس تحرير «الأخبار»: المؤسسات الصحفية القومية تهدف إلى التأثير في شخصية مصر    موعد انتهاء خطة تخفيف أحمال الكهرباء.. متحدث الحكومة يوضح    دعاء ليلة الزواج لمنع السحر والحسد.. «حصنوا أنفسكم»    أحمد كريمة: تعاطي المسكرات بكافة أنواعها حرام شرعاً    أبرزها عيد العمال.. مواعيد الإجازات الرسمية في شهر مايو 2024    ميدو: إبراهيم نور الدين كان سيجلس في منزله إذا طرد لاعب الأهلي    حسن مصطفى: أخطاء كولر والدفاع وراء خسارة الأهلي أمام الزمالك    "كنت عايز أرتاح وأبعد شوية".. محمد رمضان يكشف سبب غيابه عن دراما رمضان 2024    دعاء السفر قصير: اللهم أنت الصاحبُ في السفرِ    مصطفى عسل يتأهل لنهائي بطولة بلاك بول الدولية للإسكواش    لماذا رفض الإمام أبو حنيفة صيام الست من شوال؟.. أسرار ينبغي معرفتها    رئيس تحرير «الأخبار»: الصحافة القومية حصن أساسي ودرع للدفاع عن الوطن.. فيديو    خالد الصاوي: مصر ثالث أهم دولة تنتج سينما تشاهد خارج حدودها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خالد منتصر يفتح الملف المسكوت عنه:بمناسبة عيد الحب لماذا يعجز المصريون عن الحب؟!
نشر في الصباح يوم 13 - 02 - 2016

إحسان عبد القدوس تعرض لحملة مطاردة حيًا وميتًا.. وقصصه تعرضت للإخصاء لتصبح «مطابقة للمواصفات»
الشعب الذى لا يعرف الحب سيفشل فى بناء برلمانه وأحزابه وحكومته
رفضوا الصلاة على جثمان نزار قبانى بسبب قصائده
الحوار الزوجى أصبح صناعة منقرضة ك«الطرابيش».. والعلاقات تصاب بالسكتة العاطفية بعد الزواج

نحن قوم نكره الحب، برغم أننا أكثر الشعوب التى تغنى للحب، بل إن فوبيا الحب مرض جديد انضم إلى قائمة الأمراض المصرية المزمنة، مثل التراكوما والبلهارسيا والأنيميا التى تصيب قلب المواطن المصرى وجيبه، ومن أهم أعراضه الخوف من الحميمية، والرعب من البوح بالمشاعر، والفزع من إعلان العواطف، والكذب فى العلاقات، وأمية العشق، والجهل بأبجديات الحب، ومحاولة خداع الذات بأن ما نمارسه من علاقات مشوهة هو حب حقيقى، فبرغم أننا أكثر شعب غنى للحب وعن الحب فنحن أفقر شعب فى ممارسته بجد وبحق وحقيقى، فنحن شعب ثرثار فى النميمة عنه، ولكننا نعانى من الخرس حين يقترب منا، البعض يدفعه بعيدًا وبقسوة، والبعض يمزق جسده بالسكاكين، أما الكل فيتفق على شىء واحد هو أننا فى الحب نرتدى دومًا «ماسك» ونتصرف بتصنع وافتعال، فنحن لا نعيش الحب وإنما نمثله وكأننا كومبارس فى مسرحية مملة.
هل تصدقون أن من قال: «الحب فى الأرض بعض من تخيلنا لو لم نجده عليها لاخترعناه»، رفض أهل وطنه الصلاة على جثمانه لأنه كافر وخارج وزنديق؟ نعم رفض كهنة هذا الزمان أن يصلوا على جثمان نزار قبانى لأنه كتب عن الحب بصراحة وصدق، كرهوه لأنه فضح زيفهم وكشف حالة العصاب والفوبيا التى تتلبسهم عند ذكر كلمة الحب، رغم تراثهم الغنى بقصائد الغزل الصريح قبل العفيف. إنه قبل أن يعرى حبيباته ويبوح بعلاقاته، عرى كذبنا المزمن وباح بأخطر سر عن القناع الذى نرتديه دومًا لدرجة أننا ندخل الحياة ونخرج منها دون أن نحب بجد. وهذه كارثة. إنها ليست حياة ولكنها مجرد عيشة.
إذا حسبنا الحب بعدد قصائد الشعر التى كتبناها فيه، فنحن أغنى وأكثر الشعوب التى تغنت به. وإذا حسبنا الحب بعدد العلاقات العربية المجهضة والاغتصابات الشرعية المقننة وكتل الجليد التى تغلف الحب العربى الزائف وقصص النصب باسم الحب والدجل على شرف الحب والبيزنس بجثث الحب، نجد أننا أفقر شعوب الأرض وأكثرها بخلًا فى إبداء مشاعر الحب. فنحن لدينا آلاف المترادفات لكلمة الحب من الهوى والغرام حتى الكلف والعشق والهيام، ولكننا دائمًا ما ننسى أن نتبادلها!
مجتمع لا ينمو فيه الحب، لن يحصد الديمقراطية ولا التقدم
هناك درجات للحب. نعم.. هناك أنواع للحب. لا.. ودرجات الحب يحددها التعبير عن الحب، ويجب ألا نفترض أننا يمكن أن ندرك الحب ونشعر به بدون تعبير، فنحن قد نسينا الطبطبة والربت على الكتف والحضن، كل هذا من أجل شىء تافه أو بالأصح خوفًا من شىء تافه وهو ألا يفهمنا الآخرون خطأ، والسؤال الذى يفرض نفسه: هل هذا الخوف يساوى أن ندخل جحورنا بهذا الشكل المفزع؟ علينا أن نطبق قول بوسكاليا للإجابة على هذا السؤال، فهو يقول «الحب فى حاجة للتعبير عنه جسديًا».
فى يوم عيد الحب تتوالد فتاوى تحريم الفلانتين والزهور كخلايا السرطان، فى الوقت الذى تجهض فيه مشاعر الحب الجنينية، وتطارد علاقات التواصل كمرضى الجذام، وقبل نزار قبانى تعرّض إحسان عبد القدوس لحملة مطاردة حيًا وميتًا بسبب الحب، فقد كان يقول فى ختام برنامجه الإذاعى الليلى: «تصبحوا على حب»، فهاجت الدنيا وماجت واستفزت غدد الازدواجية الشرقية، وأفرزت هرمونات ادعاء الطهارة والعفة والشرف، واتهموا إحسان بتهمة المجون، وقد كانت الأرض ممهدة أمامهم فإحسان عبدالقدوس من وجهة نظرهم كاتب مغرق فى الحسية، وروائى يتخطى الخطوط الحمراء فى رواياته وقصصه، ويلمّح ويصرح بالجنس الذى يلوث الحب، وطالبوا بالحب المعقم الذى يتربى فى صوبة لا فى الأحراش والغابات، وظل إحسان عبدالقدوس يمثل لهؤلاء شبحًا يؤرق طهارتهم المدعاة، فقرروا بعد وفاته أن يقوموا بعملية إخصاء لرواياته الإباحية لتصبح روايات شرعية وقصصًا مطابقة للمواصفات القياسية، لتحصل على شهادة أيزو الشرف والعفة،
وبالفعل قام أحد دور النشر بحذف العبارات المخلة والسطور الإباحية التى تتناول الحب، وخرج بطبعات مهذبة مؤدبة، مثلما قامت الجهات الرسمية من قبل بقصقصة ريش ألف ليلة وليلة ومنعها من الطيران والتحليق بدعوى نشر طبعات منقحة، وهى الصيغة المهذبة للدعبسة واللغوصة فى أدمغة البشر وقلوبهم، ومحاولة عمل كتالوج حكومى للعواطف، وباترون فقهى لمشاعر الحب.
وهكذا لوحق وطورد إحسان عبدالقدوس حيًا وميتًا، ليس بسبب كتاباته النارية فى السياسة ولكن لكتاباته الصادقة فى الحب وتشريحه الصريح لعلاقاته والتجول الحر فى سراديبه وكهوفه السرية.
«ليو بوسكاليا» من أصل إيطالى يمتلك دفء وحرارة ونزق وجموح الإيطاليين لذلك لم يفهمه المجتمع الأمريكى فى طفولته، وتعامل مع أسرته بعنصرية، وعندما كان يدرّس فى إحدى الجامعات الأمريكية انتحرت إحدى طالباته، ولم يعرف هو لماذا انتحرت ؟، واستبد به حزن شديد وأيقن أنه مخطئ فى حقها لأنه لم يحاول أن يفهمها ويقدر كم هى محتاجة إلى الحب، وفى مجتمع مثل المجتمع الأمريكى يلتقى فيه الناس ولا يتلاقون، كان على بوسكاليا أن يستدعى مخزون التواصل الإيطالى الحميم ويعطى كورسًا أو برنامج دراسى فى الحب، وبالطبع اتهمه زملاؤه من الأساتذة بالجنون والشذوذ والتفاهة، ولكنه واصل طريقه ليصبح أشهر أستاذ فى علم الحب !.

يؤكد كتاب بوسكاليا على أن الحب سلوك مكتسب، وهو ما يناقض البديهيات التى تربينا عليها، وهى أن الحب سلوك فطرى يقترب من الوظائف البيولوجية مثل الأكل والتنفس، وأكد أيضًا على أن الحب مشاركة وليس عطاء بلاحدود، فهو لا يعيش فى يوتوبيا مزيفة، وإنما يقرأ واقعًا حيًا نابضًا، حاول معه أن يحذرنا من أننا بالفعل نعيش مع بعضنا البعض ولكننا جميعًا نموت من الوحدة.
البداية لكسر هذه الوحدة الباردة أن نكن أنفسنا، فقديمًا رفع شعار «اعرف نفسك»، ونحن حاليًا نرفع شعار «كن نفسك»، ولا تندهش عزيزى القارئ وتتساءل «ما أنا نفسى أمال أنا مين؟»، والإجابة للأسف أنت لست نفسك ولكنك النموذج الذى يريده المجتمع لك فى أثناء صناعته لخرافة المواطن الصالح، فأثناء طفولتك مثلًا وحين تطلب منك مدرسة الرسم أن ترسم شجرة فأنت تحصل على إعجابها وعلى درجتها النهائية حين ترسم شجرتها هى وليست شجرتك أنت، وتظل طوال حياتك ترسم شجرات الآخرين وتسير فى طرقهم المعبدة، وتسكن فى مساكن أفكارهم المعلبة سابقة التجهيز، فالبداية الصحيحة والسليمة هى أن تهرب وترسم شجرتك أنت، وتضحك حين تريد أن تضحك وتبكى حين يخنقك البكاء، وفى هذا المعنى يكتب ليو بوسكاليا «لا حاجة بنا لأن نخشى أن نلمس، وأن نشعر، وأن نبدى الانفعال، إن أيسر شىء فى الدنيا هو أن تكون «كما أنت»، وإن أشق شىء تكونه هو ما يريدك الآخرون أن تكونه»
الحب يحتاج إلى الحرية، والطيور لا تغرد أبدًا فى الكهوف، والمجتمعات الديكتاتورية تغتال الحب، والمواطن المقموع يجهل الحب، ونحن فى مجتمعاتنا نمثل الحب ولا نحياه، ونرتدى قناعًا أثناء ممارساته ونزيف مشاعرنا لنرضى الآخرين ونتكيف مع السائد، ونظل ننتظر الحب ولكننا فى الحقيقة ننتظر «جودو» البطل الغائب فى مسرحية العبث الشهيرة، ولا نعرف أن الحب ليس للتفكر والتنظير ولكنه للخوض فيه والممارسة من خلاله، والحب شىء مختلف تمامًا عن الاحتياج ويتم تعلمه منذ الطفولة، فمثلًا إذا كانت الأسرة من تلك الأسر التى تجاهر بعواطفها فسوف يتم تدعيم الطفل باستجابة إيجابية عندما يعبر عن هذا، فيقفز الطفل إلى حضن أبيه ويزرع قبلة على فمه، قبلة خصبة حافلة بالحيوية، فيرد الأب عليها بود وفرح، وهنا تبدأ أول رسالة تعليمية عن الحب، أما إذا حمل الأب الطفل بعيدًا عنه ناهرًا إياه قائلًا :
-الرجال الكبار لا يحضن بعضهم البعض !.
بالطبع تؤدى مثل تلك الرسالة السابقة إلى خلق شخص من الممكن أن يكون مقبولًا اجتماعيًا لكنه وللأسف منبوذ وأخرس عاطفيًا، وهذا القبول الاجتماعى المزعوم والذى يسعى إليه الجميع يؤكد على أن الحب صناعة اجتماعية تشكلها للأسف الثقافة السائدة، وليست الذات الصادقة، ومن الأمثلة الثقافية الصارخة التى تشكل الحب مثال اللغة، فاللغة لها مضمون عقلى وعاطفى، وكلمة مثل «حب» حملتها اللغة فى ثقافتنا معنى الإثم والذنب والخطيئة، ولهذا نقول كما قال أحد علماء اللغة إن اللغة تمجيد للحقيقة، وغالبًا ما تتوه الحقيقة فى سراديب اللغة.
من أهم الخرافات التى تقتل الحب خرافة الكمال، فالشخص المحب لاحاجة له أن يكون كاملًا، بل إنسان فقط، ونحن كثيرًا ما نخاف على أن نقدم على فعل أشياء كثيرة لمجرد أننا لا نستطيع فعلها على نحو كامل، فلا تخافوا من النقصان، وثقوا فى إمكانية التغيير، فالتغيير هو الشىء الوحيد الثابت فى هذه الحياة، وعليك أن تعرف أن نقيض الحب ليس الكراهية، وإنما هو اللامبالاة وفتور الشعور، فإذا كرهنى شخص ما فلابد أنه يشعر بشىء ما إزائى وإلا ما استطاع أن يكرهنى، والذى يكرهنى لى طريق معه، أما الذى لا يبالى بوجودى فلا طريق معه، فإذا وجدت نفسك لا تستطيع التفاهم مع من هم بجانبك على مسرح الحياة فلابد أن تغير مشهدك وترسم ستارة خلفية جديدة لمسرحك، وتحيط نفسك بممثلين جدد، وتكتب مسرحية جديدة لتؤديها بصدق، يقول الكاتب اليونانى كازانتزاكس صاحب زوربا «لديك فرشاتك وألوانك، فارسم الفردوس وادخله آمنًا».
لدى حساسية خاصة من عبارة «وقع فى الحب»، فهذه العبارة قد ضللت الكثيرين ومنحت انطباعًا مزيفًا عن ماهية الحب، واتخذها الكسالى شماعة لتعليق فشلهم العاطفى وأنانيتهم ونرجسيتهم المفرطة عليها، فنحن عندما اعتنقنا هذا المبدأ ورفعنا ذلك الشعار وضعنا قاعدة خطيرة وهى أن الحب مثل الأتوبيس علينا أن ننتظره فى المحطة حتى يصل إلينا ونصعد على درجات سلمه لننحشر فى أجساد راكبيه، مثله مثل الوحى فى الشعر الذى يهبط من وادى عبقر على المبدعين بلا سابق إنذار، وأيضًا مثل الحفرة التى نغطيها بفروع الأشجار وبقايا الأوراق الذابلة ليقع فى فخها أى عابر سبيل !.
نحن لا نقع فى الحب، بل نحن ننمو فى الحب، هذا هو المفهوم الذى لابد أن يحكم سلوكنا تجاه هذه العاطفة الجميلة التى تم تشويهها وابتذالها حتى صارت بلا معنى مثل الماء النظيف بلا طعم ولا لون ولا رائحة!، لابد أن نفهم أن الحب كالبذرة الصغيرة لابد لها من الرى والرعاية والجهد حتى تنمو إلى نبتة ثم شجرة كبيرة يستظل بظلها الحبيبان، والحب ليس نباتًا شيطانيًا يظهر فجأة وليس أيضًا نبات صبار يحتمل هجير الصحراء الموحشة وجفافها القاسى، إنه زهرة رقيقة تحتاج إلى مزيد من العناية والبذل والتنازلات والتخلى عن النرجسية حتى تخرج من الصوبة المعقمة لتضرب بجذورها قوية وسط الأحراش والعواصف وبراكين المجتمع الذى لا يكره شيئًا فى الكون مثل كراهيته للحب، فهو يتغنى فى العلن باسمه فى كل وقت ويغتاله ويغتابه فى الخفاء فى كل مكان، ولكل هذه الأسباب وغيرها تملكنى الفرح حين عرفت أن باحثًا أمريكيًا هو ليو بوسكاليا قرر تدريس الحب، ومن أجل هذا الغرض وضع بوسكاليا «كورسًا» مكثفًا فى الجامعة للكشف عن غموض هذا الكائن الذى يولد فى مجتمعنا بعملية قيصرية، ويشيع بجنازة صامتة، ويدفن فى مقابر الصدقة !.
أين نتعلم الحب ؟، نحن نتعلم الحب من الأغانى والسينما والشعر والإعلانات...إلخ، تعلمنا الحب على أيدى عماد حمدى وفاتن حمامة، وصنعته لنا متروجولدين ماير، وحلمنا به مع إعلان برفان منعش لا تقام علاقة حب بدون أن نشم عطره النفاذ من خلال الشاشة!!، إننا ولدنا وعشنا وشاهدنا نموذج الحب وكتالوج العواطف وباترون المشاعر ولكننا للأسف لم نشاهد أو نعش الحب نفسه، والنتيجة أن كل إثنين أحبا اكتشفا فى نهاية العلاقة أنهما تحولا إلى جثتين.
على المحب أن يقول لنفسه من آن لآخر إنى أحب لأننى يجب أن أحب، لأنى أريده، أنا أحب من أجل نفسى لا من أجل الآخرين، إننى أحب من أجل ما يكسبنى الحب إياه من مرح وبهجة، فإذا دعمنى الآخرون فسيكون ذلك طيبًا، لأننى أريد أن أحب، ولنستمع إلى تلك الأغنية اليابانية التى تقول:
أما وقد احترقت صومعة غلالى
حتى سويت بالأرض
فإنى أستطيع الآن أن أرى القمر !!
فلو فشلت فى علاقة حب فمن المؤكد أنك قد استفدت، ولا تيأس ولاتبتئس فمن المؤكد أن هناك شيئًا ما أجمل
أما لماذا يفشل الحب فهذا هو السؤال الخطير ؟، إنه يفشل أولًا لأننا كيانات كسولة تخشى التغيير، وثانيًا لأننا لا نعرف كيف نحب ذواتنا وأنفسنا، وهذه ليست دعوة للنرجسية ولكن من المؤكد أن من لم يعرف أن يحب ذاته لن يعرف حب الآخر، وحبك لنفسك هو أن تناضل لكى تعيد اكتشاف تفردك، وأن تصونه وتحافظ عليه، إنه يعنى فهم وتقدير فكرة أنك سوف تكون «أنت» الوحيد مدى حياتك على هذه الأرض، وتذكر أنك تعيش بأقل من 10 فى المائة من طاقتك الكامنة، وأخيرًا الحب يفشل عندنا لأننا مرعوبون من الاختلاف، ومن تحمل المسئولية، والحب ملخصه اثنين مختلفين يحبان ويتحمل كل منهما مسئولية ذلك الحب، لو فهمنا ذلك من المؤكد أننا سننجح فى الحب.
سيأتى شخص ليقول حب إيه اللى أنت بتتكلم عليه دلوقتى فى الظروف دى، أقول له إن شعبًا لا يعرف الحب ويجهل مفرداته ولا يستطيع أن يبنى أعمدته، هو شعب سيفشل حتمًا فى بناء برلمانه وأحزابه وحكومته!!، لذلك سأكتب عن الخرس العاطفى الذى يعشش فى بيوتنا، وعن علاقاتنا الزوجية المتفسخة التى تجعل بيوتنا المصرية مغلقة على ديناميت قابل للانفجار فى أى لحظة، بيوت كالقروح المغلقة على صديد، هل للخرس العاطفى روشتة علاج؟. الحوار الزوجى أو الحوار العاطفى عمومًا عندنا أصبح صناعة منقرضة كصناعة الطرابيش، وكثيرًا ما أتخيل الزوج والزوجة فى مصر شخصين يتحدثان بلغتين مختلفتين، الرجل يتحدث اللغة الفارسية والمرأة تتحدث اللغة العربية، الحروف هى نفس الحروف، والكتابة هى نفس الكتابة، ولكنهما فى الحقيقة لايفهمان أنهما يتحدثان بلغتين مختلفتين تمام الاختلاف، ولن يتم التواصل أبدًا عن طريق التفاهم بهما!. الحل إذن هو أن يفهم الزوج مفردات لغة الزوجة، وأن تتقن الزوجة النحو والصرف الخاص بلغة الزوج، لابد أن يعرف كلاهما أن اللغة الخاصة بكل طرف لن يتم التنازل عنها لأنها قد أصبحت كالبصمة، وعلى كل طرف أن يتعلم لغة الطرف الآخر ويفهمها ويترجمها فوريًا، وإلا كانت النتيجة حوار الطرشان كما نسمع ونرى فى بيوتنا العربية. حاول علماء النفس والاجتماع البحث عن سر الخلل الذى يصيب الحوار الزوجى وتحليل أسباب التنافر الذى يحدث بعد مدة قصيرة من الزواج، والإجابة عن علامة استفهام تؤرق الجميع «لماذا يتحول الحوار الزوجى إلى خرس زوجى؟»، ولماذا تصاب العلاقة بالسكتة العاطفية؟، ومن أهم الكتب التى حاولت الإجابة عن هذا السؤال بذكاء ومهارة كتاب «آدم من المريخ.. حواء من الزهرة»، والكتاب مبنى على افتراض خيالى ولكن ترجمته على أرض الواقع حقيقية جدًا، والافتراض هو أن الرجل والمرأة قد هبطا على الأرض من كوكبين مختلفين، الأول هو المريخ والثانى هو الزهرة، كل منهما هبط من كوكبه بصفات مختلفة وسلوكيات متناقضة ولغة خاصة جدًا، وللأسف اعتقد آدم وحواء أنهما ما داما يقفان على نفس الأرض ويظلهما نفس السقف فإنهما متفاهمان، والحقيقة عكس ذلك تمامًا، فلابد من بذل بعض الجهد وبعض التنازل وبعض الوقت لفهم الآخر حتى لا تصاب العلاقة بتصلب الشرايين وزيادة كوليسترول الروتين العاطفى، والنصائح التى يقدمها د.جون جراى فى هذا السياق كثيرة ومتشعبة لكنها تشترك جميعًا فى كونها على أعلى درجة من الصدق.
البداية مهمة جدًا تلخصها هذه الجملة البليغة «لنتذكر اختلافاتنا ولا نتوقع من الجنس الآخر أن يكون مثلنا»، هنا سيزدهر الحب وتنمو العلاقة، ولنستمع إلى أكثر الشكاوى تكرارًا عند آدم وحواء لكى نضع أيدينا على مواطن الخلل والجلطات فى شرايين الحوار الزوجى، المرأة تشكو من أن الرجل لا يستمع إليها ودائمًا يتقمص دور المصلح، والرجل يشكو من أن المرأة دائمًا تسعى إلى تغييره، والسر فى هذه الشكوى من المرأة وهذا التذمر من الرجل يرجع إلى اختلاف طبيعتهما التى تحدثنا عنها، فأولويات المرأة هى التواصل ولا خجل عندها من طلب المساعدة، وأولويات الرجل تحقيق الهدف والإنجاز، وهو دومًا يخجل من النصيحة وليس عنده فن الإنصات، وعندما تصطدم هذه الأولويات تحدث الأخطاء التى تقوض العلاقة الحميمة التى تربط آدم وحواء، ويحاول الرجل أن يبدل مشاعر المرأة بإصرار وإلحاح وأحيانًا بعنف، وسرعان ما يتقمص دور المصلح الاجتماعى وتنفتح عنده حنفية النصائح!، وتحاول المرأة تشكيل لجنة تحسين منزلية لإصلاح عيوب الرجل، والمدهش أن عش الزوجية ينهار دون أن يكلف الرجل نفسه عناء البحث فى سبب ثرثرة المرأة، إنها تطلب منه التعاطف لا المشورة، وتحتاج إلى الحنان لا الخبرة حين تحكى له مشكلتها، الحديث المتصل عندها ليس دعوة للبحث عن حل ولكنه بحث دائم عن التعاطف والقرب والود، وأيضًا لا تكلف المرأة نفسها عناء البحث فى سبب عزلة الرجل الذى يتلمس كثيرًا الاعتكاف فى كهفه الخاص. قصة كهف الرجل الخاص لها علاقة وثيقة بكيفية تعامل آدم وحواء مع الضغوط، وحتى لا تتفاقم الخلافات علينا أن نفهم الاختلافات الجذرية بين الرجل والمرأة فى التعامل مع التوتر والضغط والاحتقان.. إلخ. يتعامل الرجل عادة مع الضغوط المحيطة بالتركيز والانصراف، أما المرأة فتواجه بالارتباك والانفصال، يذهب الرجل إلى كهفه الخاص لتحقيق عزلته ولذلك نرى كثيرًا المشهد الأثير والمفضل لدى الرجال وهو الانغماس بعدها فى قراءة الجرائد، وارتباك المرأة يجعلها تلجأ إلى الحديث والفضفضة، وعندما يتصادم الاثنان لعدم فهم كل منهما لطبيعة الآخر يتهم الرجل محاولة حديث المرأة بأنها «رغاية»، وتتهم المرأة الرجل بأنه «مطنّش»!!، وبين اتهامات الرغى والطناش تتوه الحقيقة، وهى حقيقة الاختلاف الذى لا يعنى أبدًا التنافر، إن الرجل عادة ما يريد خلاصة الموضوع، والمرأة تريد التفاصيل، والحل هو أن يتعلم الرجل فن الإنصات وأن تتعلم المرأة فن الانسحاب فى الوقت المناسب، والإيمان بأن الحب ليس لعبة تنس لابد أن يكسب فيها طرف على حساب خسارة الآخر، إنه لعبة جديدة شعارها «أكسب أنا عندما تكسب أنت أيضًا». يتحمس الرجل إذا شعر أن هناك من يحتاج إليه، أما المرأة فتتحمس إذا شعرت أن هناك من يهتم بها، والموت البطىء للرجل هو ألا يكون هناك من يحتاج إليه، والمرأة عندما تكون محبطة ومرتبكة ويائسة فإن أكثر ما تحتاجه هو مجرد الصحبة و«الونس»، فالونس هو أوكسجين المرأة، والتجاهل هو أول رصاصة تطلق على قلب وعقل الحب، فبالنسبة للمرأة فإن اللامبالاة تقتلها وتستفزها وتخنقها، وتسبب لها الإحباط وخيبة الأمل، وتكون المرأة فى غاية الإحباط وقمة الاكتئاب إذا أحست أن تعبيرها عن احتياجها تحول إلى توسّل، هنا تترجم المشاعر إلى مهانة، فتفقد الثقة فى آدم وفى نفسها أيضًا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.