السلام عليكم وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته يبحر في أعماق الكتابة، بين القلم و الكلمة نرقب أنفاسه، يتصفّح إحساس الحرف و يسافر بنا عبر دواخل المعنى، يضعنا قبالة الكاتب لنغرف من وجدانه، و نشاركه خلجات نفسه، نرحل معه إلى هناك، أين نعيش الحكاية الساكنة في شرايين ألمه و فرحه، هو العازف على أوتار الروح، يقطفها أنشودة نجالسها و تجالسنا، فنعبر من خلال وصفه و تفسيره و تعليله إلى الذات الخفية لكل حامل مرقم و حائك لفظ، هو الناقد الأدبي المصري محمد عجور. مرحبا بك سيدي مرحبا بكم س بماذا تتميز العلاقة الرابطة بين الناقد و الأديب؟ ج تتميز هذه العلاقة بالجدلية الدائمة أو التأثير والتأثر الدائمين، فالناقد يعد بمثابة كشاف ينير للأديب الطريق ويربطه بالمتلقي، فالناقد جسر بين الأديب وجمهوره إن صح التعبير. س في رأيه في النقد يقول الشاعر المصري "محمد المخزنجي" "هناك أسلوب نقدي لا يفيد القارئ ولا الشاعر وهناك من يجتهد بعلمه ويتعامل مع النص بمنهجية وعلمية لها قبول بين طرفي الإبداع بل تعد طرف ثالث إن جاز التعبير"، إلى أي مدى تعتقد أنه أصاب في نظرته؟ ج هو يقصد النظريات النقدية الصعبة المستوردة مثل البنيوية والتفكيكية والسريالية وغيرها، فهذه النظريات العميقة في النقد لا يفيد منها قراء العامية ولا شعراؤها لكن تفيد النقاد أنفسهم في سبر أغوار النصوص. س كيف يتجلى دور النقد في النهوض بالأدب؟ ج أتمنى أن نؤسس لنظرية عربية جديدة تخص أدبنا العربي فقط ولا نستورد القوالب الجاهزة من الغرب لأن تلك الأزياء صنعت لقوالب أخرى تختلف عن قوالبنا العربية، والشعوب لا تنسجم إلا مع فنونها وتراثها. س نسمع كثيرا عن الأدب المقارن، كيف يقيم الناقد "محمد عجور" هذه التعاريف و هل يعتقد في ايجابياتها؟ ج مقارنة الآداب تشبه مقارنة الأديان، لكن هل هناك مقارنة شعوب؟ لها بعض الجدوى في فهم خصائص الشعوب وكيفية تعاطيها للتجارب النفسية والأدبية، و يمكن لأجهزة المخابرات أن تفيد من ذلك في التخطيط لهزيمة شعب أو إيقاعه في فخ معين أو السيطرة عليه. س كيف يتفاعل "محمد عجور" القارئ، الباحث عن الإبداع مع الناقد الأدبي "محمد عجور" النافذ عبر أغوار المعنى؟ ج حين أتناول عملا للاستمتاع يغيب الناقد حتى لا يطفئ المتعة، أما حين ينتقد يتحول إلى آلة تشبه الحاسوب في نقد اللغة والتراكيب والصور وكل شيء وتتحول المتعة إلى نوع آخر هو عد المشكلات و الأخطاء في النص ومحاولة تحديد جيده من رديئه. س عندما يقرأ الحرف دواخل "محمد عجور"، كيف يراوح بينه و بين الناقد الأدبي "محمد عجور"؟ ج دائما الأديب الحقيقي يبحث عن نص معجز، وأنا معه أبحث وسنظل حتى ننتهي ولا ينتهي الحلم، لذلك اعتزل الشاعر الجاهلي لبيد بن ربيعة الشعر حينما سمع القرآن الكريم. س عندما يسمى الأدب فن، ماذا يسمى النقد الأدبي؟ ج يسمى النقد الطبيب المعالج والخاص لذلك الفن والهادي له سواء السبيل. س ما هي خصائص النقد بين الرواية و الشعر؟ ج الرواية تحتاج لنقد مختلف عن القصيدة، فنقد الرواية نقد روائي يهتم بنقد الأدب والمنطق و تفلسفة وتوزيع الأدوار.. إضافة إلى اللغة والشاعرية التي هي مادة مشتركة بين الأدب كله. س كيف يرى الناقد الأدبي "محمد عجور" تتلمذ الحرف بين الشعر العمودي و الشعر الحديث؟ ج امتداد طبيعي ولعل القصيدة الحديثة تمرح في بستان العمودية لكنها تزدري ثوبها القديم بسبب عقدة الخواجة، فيجب ألا نزدري العمودية بل تظل بجانب كل القوالب لأنها العمود الفقري للشعر العربي حتى تقوم الساعة. س أيضا بين السينما و الأدب يرى الناقد الأدبي "محمد عجور" قيام علاقة وطيدة بينهما، فإلى أي حد تؤمن بمتانة هذه العلاقة؟ ج الشاعر الحديث تأثر بالصورة فعلا، فالشاعر الحديث تأثر بالسينما والمسرح والدراما والصورة عموما حتى وإن لم يع ذلك، فالسينما والدراما غزت القصيدة الحديثة بشكل كبير وصارت في كل ديوان أكثر من قصيدة سينمائية أو درامية. س رحلة الناقد الأدبي "محمد عجور" بين القصيدة و السيناريو، أين تحط رحالها؟ ج لقد تعرضت لكتابة الكثير والكثير من الدراسات حول هذه الظاهرة، ورصدت منها قصائد كثيرة لعمالقة الشعر الحديث، مثل أمل دنقل واحمد عبد المعطي حجازي وعفيفي مطر وعنتر مصطفى وحتى نزار قباني واد ونيس، وكثير من رواد المدارس الحديثة في الشعر وظفوا السيناريو في قصائدهم، فهي تقنية شائعة في القصيدة الحديثة. س "محمد عجور ينمو كشجرة"، أين أرض هذه الشجرة؟ ج ينمو حيث التجربة الحقيفية التي تنفرد بجماليات آسرة تستحق القراءة والتمثل والكثافة التي تؤثر بالوجدان وتعلق بالذاكرة وتسكن الروح بصرف النظر عن القالب التي صيغت فيه. س إذا ما أخذنا بقول الكاتب البلجيكي "موريس ماترلينك" بأن "جرعتك من الماء دائما تساوي سعة فمك"، متى يقف بنا الناقد الأدبي "محمد عجور" على هذه الجماليات؟ ج رصدت منها الكثير في سفر ضخم نحو خمسمائة صفحة أصدرته دائرة الثقافة والإعلام بحكومة الشارقة في عام 2010، وأعيد طبع الجزء الخاص بالتجارب السينمائية في كتاب أخر صدر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة سلسلة كتابات نقدية بالقاهرة عام2011 وما زلت أتابع تلك التجارب الرائعة التي تهزني، لكنني حينما اقرأ ألف تجربة تهزني منها واحدة أو اثنتين فقط، فقد أصبحت ذائقتي مركبة لا تهزها أنصاف المواهب. س "فقد أصبحت ذائقتي مركبة و لا تهزها أنصاف المواهب"، هل نفهم من معتقدك هذا مناصرة أو جدال لرأي الكاتب الفرنسي "ألبير كامو" عندما قال "لكل الأعمال العظيمة و الأفكار العظيمة بدايات سخيفة"؟ ج نعم فالاسكندر الأكبر نصرته نملة حينما تعلم منها الصبر وعدم اليأس، وقتلته بعوضة حيث أصابته بالملاريا فمات في عز شبابه وقوته، فالبدايات البسيطة قد تؤدي إلى نتائج باذخة، فالذوق الفردي يتدخل أيضاً في تقويم التجربة ورصد قيمتها. س يقول الأديب الروسي "مكسيم غوركي" " الرجل الحي هو الذي يبحث دائما عن شيء"، ما الذي يبحث عنه الناقد الأدبي "محمد عجور" و لم يجده بعد في دواخل الإنسان "محمد عجور"؟ ج سؤال قدري يطارد كياني، أعلم جيدا أنني خلقت من أجل شيء ما، لكنني ما بلورته جيدا، حتى الآن أصارع الأولويات حتى أصل إلى ما أريد، فربما تحصلين على فيلسوف أو حتى طبيب نفسي أو باحث عن فائدة قسرية ضرورية لدراسة الآداب ومجيبا عن السؤال الضخم: هل تستطيع الأمم أن تعيش دون أدب ؟ س يقول الطبيب النمساوي "سيغموند فرويد" "حيثما ذهبت وجدت أن شاعرا سبقني"، هل يحمل هذا الاعتراف شيئا من الإجابة على استفهامك؟ ج لقد سبق شعراء الجاهلية ذاك الفرويد حيث قال أحدهم: ما أرانا نقول إلا معادا أو معارا من قولنا مكرورا، وقال عنترة: هل غادر الشعراء من متردم أم هل عرفت الدار بعد توهم؟ وهذا يدل على وعي الشعراء العرب بهذه القضية قبل فرويد بأكثر من عشرين قرنا، أما أنا فيقتلني ذلك السؤال: هل الأمة تكرر نفسها؟ والأدباء يكررون أنفسهم؟ ولا جديد تحت الشمس؟ س أتذكر قولا للأديبة الأمريكية "هيلين كيلر" حيث تقول "أفضل طريق للخروج من شيء يكون من خلال الشيء"، ألا تعتقد في رأيها هذا و بأنه من خلال التكرار يمكن أن ينفجر التجديد؟ ج الأدب كائن حي، لو لم يتجدد سيموت، وبالفعل من قلب التكرار والجمود يحدث التجديد في كل شيء في القوالب والاتجاهات والنظريات، لكنني كإنسان العصر الحديث متعجل جدا للأحداث وأستبطئ كل حركة، أريد إعصارا في التغيير وليس هذا التغيير الهزيل الضعيف. س و لكن و كما يقال "من تأنى نال ما تمنى"، ألا ترى في ذلك حكمة؟ ج نعم، لكن ذلك ممكن أن يكون على مستوى الأفراد، لكن الأمم غير ذلك، فالإعصار حينما يهدأ يمت كما قال الفارس القديم الشاعر صلاح عبد الصبور. س لكن ألا تشاطرني الرأي بأن الشاعر "صلاح عبد الصبور" قد ركّز رؤيته من ناحية واحدة فقط خاصة و أنه يقول "هذا زمن لا يصلح أن نكتب فيه أو نتأمل أو نغني أو حتى أن نوجد"، ألا ترى في معتقده استسلام و رضوخ؟ ج الشاعر له رؤية خاصة للعالم، فأبو العلاء وتلميذه المتنبي كانا من أشد السوداويين والمتشائمين ومع ذلك شغل شعرهم الناس منذ القرن الثالث الهجري، فهي مجرد كلمات قالها إنسان في لحظة يأس وليست هي صلاح عبد الصبور، وإلا لماذا هذا الإنتاج الأدبي الكبير له ؟ ولماذا قبل كثيرا من المناصب الأدبية والفنية بمصر؟ لماذا لم ينفذ هذا الرضوخ علة نفسه وحياته؟ س الشاعر إنسان، و الإنسان هو من كل شيء شيئا و له بكل شيء تعلقا، هو بين اليأس و الأمل، بين الحب و الكره، بين الصديق و العدو، بين الواقع و الحلم، فأين الإنسان "محمد عجور" من كل هذا؟ ج أصبت كبد الحقيقة، أنا بالفعل متأرجح بين كل هذه الأمور، لكن أحلامي باذخة، أنوء بحملها من كثرتها وضخامتها وتلاحقها وتضاربها وتنوعها على كافة المستويات والأصعدة الفردي والأسري والإقليمي والأممي بل والعالمي، ثم الحلم المستحيل غير الخاضع لقوانين الواقع. مستحيل اليوم يمكن أن يكون واقع الغد، أرجو أن تتحقق كل أحلامك و أن لا تبقى في طي التمني، شكرا لك الناقد الأدبي "محمد عجور" على حسن تواصلك و رقي كلمتك، و إلى لقاء آخر إن شاء الله. بارك الله فيكم.