كلاهما الفنان القدير /محمد طوسون ، والكاتب العراقي والقاص الشهير / عيد السادة جبار " يكتب ثانيهما عن الأول ، وهو حين يكتب ونحن ندرك مصداقية حرفه وعمق درايته أنه لا يبالغ ، فقط يرصد ويحلل ، ويمتعنا ويفتح لنا بابا لرؤية جديدة جديرة بالوقوف عندها " . " س ج " مقالة للكاتب القدير / عبد السادة جبار "" محمد طوسون فنان يجسد جمال الحرف المقدس في لوحات مبهرة يشكل الحرف العربي بتنوع خطوطه ومدارسه شكلا جماليا جاذبا اضافة لمعانيه ودلالاته ،وقد تطور الحرف العربي على مر القرون ليصل الى عصرنا هذا وهو باجمل اشكاله ،وقد وظف الكثير من التشكيليين العرب الحرف العربي في اعمالهم الفنية ليقدم دلالات رائعة ومهمة نافست بقوة الاعمال العالمية وزينت تلك الاعمال جدران وقاعات المحافل الدولية ، وقد تصدرت الايات القرانية والاحاديث النبوية تلك الاعمال في لوحات دخلت المنازل وعلت واجهات العمارات وكانت جزء مهم من الهندسة المعمارية الفنان محمد طوسون تشكيلي معاصر يخوض هذا المجال الصعب في الفن التشكيلي ليقدم لنا لوحات مبهرة ، ويتعامل طوسون مع الايات المباركة والاحاديث باشكال جمالية وخطوط والوان مميزة ،في الواقع الفنان طوسون لم يلتزم باشكال محددة او مدرسة خط محددة بل يرسم حرفة ضمن رؤيا جمالية تتناغم مع معان لوحاته بالوان مدهشة وتدرجات غيرمحسوسة كانها تتناسخ من بعضها وتتوالد بانسيابية معبرا من خلالها عن المعنى المقدس الذي تحمله تلك الحروف ، ففي لوحة " الله لا الله الا هو " نحلق بألوان وأجنحة في ملكوت الخالق في السماء بين الكواكب ليدفعنا الى التسبيح والتامل بألوان تنبثق من ضوء ساطع ومشرق تحتوي النهار والليل بتدرج بطيء تحيط الكواكب بالشكل المركزي الذي يحمل لفظ الجلالة اذ تسهم تلك الاشكال الكروية بتوازن اللوحة وكانها تعني توازن كوني ، ويوظف طوسون القصص القراني ويستفيد من "سورة يوسف " ويشكل لوحة تحمل الآية الكريمة " فصبر جميل والله المستعان على ماتصفون" عنوانا يجعل منها مركزا لرموز تفاصيل القصة لنشاهد جبا ينطلق منه ضوء ليوحي بالنبي يوسف ع وعين دامعة وفي اعلى اللوحي نشاهد ذراعين يحملان قميص يوسف وهما يحملان عبارة الله المستعان ينبثق من خلفها ضوء ساطع ،اما في لوحة لا حول ولا قوة الا بالله فيرحل بنا الفنان المبدع محمد طوسون الى اعماق اليم وكأنه يريد أن يرينا جماليات الاعماق التي لا نراها من خلال الحوقلة التي رسمها ببراعة متناهية محولا تلك الاعماق الى تجسيد لقوة الخالق الجبار ، الحديث عن لوحات طوسون طويل حين نحلل جميع لوحاته ، إلا اننا لابد أن نشير الى اهم الملاحظات في اعماله : اولا : ان طوسون اختار منهجا واسلوبا اختص به اذ وظف الكلام المقدس الى جماليات في مشهد بصري تحتم على المشاهد ان يقوم بجهد يكتشف فيه الحرف المرسوم والمعانق للشكل المجاور متآلفا مع اللون ليجعل من الكتلة الفنية كيانا متكاملا ، ثانيا : مزج طوسون بين المدرسة التجريدية والتعبيرية والسوريالية في اعماله ليرحل بالمشاهد عبر احلام تعبيرية مشكلة من معنى الكلمة متاملا تجسيدها التعبيري والتجريدي ، ثالثا : تشكل اعمال طوسون منجزا عمليا وحضاريا اذ طور الاسلوب التقليدي للكلام المقدس في الخط العربي وليبدع لوحات فنية رائعة يمكن ان تحتل جدران بيوتنا وابنيتنا كعبارات قابلة للتامل اليومي المستمر تثير الدهشة وتدفع المتامل للبحث بدلا من القراءة العابرة ،محمد طوسون فنان سيجعل من الكلام المقدس ايقونات دائمة قابلة للانتشار في العالم لن يتردد أي انسان في اقتناءها والتبحر في معانيها المفعمة بالجمال والامل والابداع الخلاق .