… على نفس خطّ عرض النّقطة التى ولدتْ فيها.. عدّتُ بعد حين من الزّمان مولع بالأصالة، والشّوق للتّزود بالطّاقة الجبارة للعادات والتّقاليد القويمة الّتي نشأت عليها، والضّاربة في جذور التّاريخ التّليد.. حيث الأهل والأحباب . ما إنْ حطّت رحالى، وفككتُ حقائبي، وبعدت عن صلاة القصر، حاولت التّوغل في كلّ القضايا بصدر رحب.. هالني ما رأيت ! صراعاتٌ بين الجميع على ترسيم حدود الأراضي الزّراعيّة، والتّناحر على أتفه الأشياء، وكأن الأرض ضاقتْ بمن فيها. صار الصّوت الزّاعق السّمة الغالبة، وإحتراف الصّبية والأطفال شقّوا عصا الطّاعة على الآباء والأمهات. أنا الهارب من قطار المدينة المتراجع نحو الزّمن المنحل، والعواصم المتبرّجة. دخلت في غيبوبة السّكر.لم ينقضِ شهر العسل حتّى أغلقت علىّ باب دار أبي الطّينيّة القديمة.. خشية سلاطة اللّسان الّتي تجرّعتُ منها الكثير والكثير في شوارع المدن المكتظّة بكلّ ألوان السِّباب والخطايا، وتتبّع عورات الرجال قبل النساء . من بعد مرور حولٍ كامل. دقّ أحدهم عليّ باب الدّار بعد ما فرغت من الآباء والأجداد هامساً : أما آن لك أن تشاركنا الحياة ؟. رددت: لقد زهدت دنيا الأحياء !. قال : دنيا بلا ناس لاتوطأ بمداس ؟. تعجّبت !!. قلت والدمع المتحجر في العيون ينوح : منطق غريب.. ! ألم تغرق زراعة أخيك بالأمس، ورفعتَ عليه فأس أبيك، وحاولتَ خنقه بشال أمك ؟ حاولت طرح كلّ الحلول . أجاب والبلاهة تتقاطر من مقلتيه : هذا يا ابن العم.. ملح الحياة : فدَعك منه!. تخيّرت مكان قبرى على أطراف المدافن. شيَدته بمفردي وانطويتُ ألعق ما بقي لي من طعام..! منتظراً ساعة الرّحيل بلا عودة .