فى عام 1979 قام عمر الشريف بدور قصير فى فيلم « أشانتى » مع الممثل مايكل كين ، وكان هذا الفيلم يهاجم العرب ويصفهم بالجهل والتخلف ، إضافة إلى أن الجزء الكبير منه صور فى صحراء النقب بفلسطين المحتلة ، ومثل فيه بعض الممثلين الإسرائيليين . وعلى هذا الأساس وقعت المقاطعة العربية على عمر الشريف بتهمة تعاونه مع الصهاينة ، بعد أن شنت الصحافة العربية حملة على الفيلم ، وطالبت بمقاطعة عمر الشريف وجميع أعماله . عرض هذا الفيلم على عمر الشريف وقام بأداء الدور الرئيسى الثانى ، على أساس أن الفيلم سيصور فى المغرب ، وفى آخر لحظة قال المنتج إنه سيصور فى إسرائيل ، فرفض عمر الشريف أن يذهب إلى إسرائيل ، لعدم رغبته فى أن يصور فى إسرائيل ، فأعطى الدور إلى ممثل آخر ، ولكنه قال : عليك أن تقوم بدور صغير حتى أستطيع أن أضع اسمك على ملصقات الفيلم ، فاقترح أن يتم التصوير في مدينة « بالرمو » فى صقلية ، ودفع مبلغ مائة ألف دولار مقابل التصوير لمدة أسبوع . أنتونى كوين فى مشهد من فيلم الرسالة وعندما أرادت السينما العربية إستثمار أموالها فى السينما العالمية ، بإنتاج فيلم « الرسالة » للمخرج مصطفى العقاد ، لم تفكر فيه تماماً ، واستعانت بالممثل « أنتونى كوين » ، وهو كان في حالة مادية سيئة ، ولم يعمل فى أى فيلم خلال الأربع سنوات التى سبقت إنتاج هذا الفيلم . كانت هذه المقاطعة العربية ظالمة بالنسبة لعمر الشريف ، وهو الذى عانى الأمرين .. فبالإضافة إلى الحرب العربية ضده على صفحات المجلات والصحف العربية ، كان هناك بالمقابل سطوة رأس المال الصهيونى على السينما الأمريكية .. فعندما بدأ عمر الشريف مشواره نحو العالمية ، وأصبح أحد خمسة كبار فى السينما العالمية ، شنت الصهيونية حملة ضده لأن عمر كان طياراً سابقاً أغار على إسرائيل وقتل بنى إسرائيل . وبالرغم من كل هذه العقبات والمشاكل التى صادفها عمر الشريف فى مشوار حياته ، إلا أنه لم يتوقف ، وواصل مسيرته السينمائية وحياته الخاصة كذلك ، والتى إقتصرت – فى أكثر الأحيان – على ممارسة هواياته وإهتماماته فى لعب البريدج والسكربل وتربية الخيول ، واستمر فى تنقله من لندن إلى باريس إلى هوليوود وغيرها ، حتى استقر به المقام فى باريس فى بداية الثمانينات ، وأصبحت السينما بالنسبة إليه مجرد أكل عيش فلم يكن يشارك فى أى فيلم إلا إذا أحس بضائقة مالية . فيلم الدكتور زيفاجو إنغمس عمر الشريف فى مباريات البريدج والسهر ومراهنات سبق الخيل ، وانشغل عن تقديم الفن الحقيقى والجاد ، ولهذا إنحسر نجمه لفترة طويلة ، غير إنه – فى نفس الوقت – كان يعانى وحيداً ، ويشعر دائماً بأن عليه أن يجتاز مرحلة حساسة من مراحل التحدى الشخصى ، وضرورة إثبات الوجود .. ذلك لأنه يريد أن يبرهن لنفسه وللسينما العالمية التى خذلته ، أن بإمكانه النهوض من كبوته الفنية ، وإن النجاح بالنسبة إليه لم ينته مع فيلم « الدكتور زيفاجو » . فى هذه الفترة ، أى فى العام 1983 ، اختار عمر الشريف العودة إلى القاهرة ، وإلى الفن المصرى أيضاً ، وذلك ليقوم بدور المليونير المصرى المشلول فى فيلم « أيوب » التليفزيونى ، واختار هو قصته بعد أن أعدها نجيب محفوظ ، ومن ثم أخرجها المصرى الشاب هانى لاشين فى أولى تجاربه الإخراجية الروائية . إذاً يعود عمر الشريف للتمثيل فى مصر ، بعد كل هذه القطيعة التى طالت لسنوات ، منذ آخر أفلامه المصرية « المماليك » عام 1965 . علماً بأن الكثيرين قد إعتبروا هذه العودة بمثابة تأكيداً للإفلاس الفنى الذى يعيشه هذا الفنان العالمى ، ولكن عمر الشريف يرفض هذا الإتهام بشدة ويعتبره مجرد دعاية مغرضة . عاد عمر الشريف من خلال التليفزيون وليس من خلال السينما ، كما كان متوقعاً ، كان يرى أن التليفزيون يحظى بأغلبية ساحقة ، فضلاً عن إنه يجمع العائلات فى المنازل ، ويقدم مستوى أرقى من المستوى السينمائى . أما مسألة إسناد الإخراج لفنان مبتدئ ، فقد كان يعتبرها البعض مغامرة محفوفة بالمخاطر ، إلا أن عمر الشريف استنكر هذا الأمر لأنه كان يرى أن الشباب لابد أن يأخذ فرصته ويثبت وجوده ، وأخرج هانى لاشين ثلاثة أفلام تسجيلية لعمر الشريف تتناول السياحة والآثار فى مصر . عمر الشريف ومصطفى فهمى فى مشهد من فيلم أيوب بعد فيلم « أيوب » ، جعلت المصادفة من أحلام عمر فى إثبات وجوده عالمياً ، واقعاً ملموساً ، وذلك عندما تلقى عرضاً مغرياً للقيام ببطولة المسرحية الإنجليزية « الأمير النائم » ، على مسرح هاى ماركت الذى يعد من أجمل مسارح العاصمة البريطانية ، وقد قدمت هذه المسرحية من قبل ، حيث قام ببطولتها إمبراطور المسرح البريطانى الممثل الراحل « لورنس أوليفيه « ، واستكمالاً لنجاح المسرحية ، تم إنتاجها فى فيلم لعب فيه « أوليفيه » دور البطولة أمام فاتنة السينما العالمية « مارلين مونرو » ، لقد تردد عمر الشريف فى البداية بقبول هذا الدور ، إلا أنه تراجع تحت إصرار المخرج ، ورصده لتجربة زميليه يول براينر فى مسرحيته « الملك وأنا » ، وأنتونى كوين فى تجربته المسرحية « زوربا اليونانى » ، عندها أدرك عمر بأن هذه الفرصة مثالية ، لكى يثبت للجمهور كفاءته كممثل من جهة ، ومن جهة أخرى ينقذ نفسه من الإنهيار ويتخطى مرحلة الضياع والوحدة . نجح عمر الشريف ونجحت المسرحية ، فلا يكاد يمر يوم إلا ويكون الحديث عن الإثنين حافلاً بالإعجاب والتقدير من قبل المتفرجين ، كما إن الصحافة البريطانية والعالمية والعربية أيضاً قد أنصفت عمر الشريف فى النجاح الذى حققه فى هذه المسرحية ، فكتبت عنه الكثير وأضاءت له شموعاً جديدة فى عالم الشهرة والنجومية . وقد استمر عرض المسرحية أكثر من ستة أشهر ، كانت بمثابة عودة الروح لهذا الفنان ، بعد قيامه بالتمثيل فى العديد من الأفلام الغير ناجحة ، بإعتبارها جاءت عن غير إقتناع تام . بعد ذلك ، أى فى النصف الثانى من عقد الثمانينات ، اشترك عمر الشريف فى عدة أعمال فنية ، مثل قيامه بدور آخر قياصرة روسيا في الفيلم التليفزيونى « ناتاشيا » ، ثم قيامه بدور أحد الكهنة المقربين لأحد قياصرة روسيا فى فيلم « بطرس الأكبر » الذى أنتجته محطة التليفزيون الأمريكى « إن بى سى » وتكلف إنتاجه 36 مليون دولار . وفى عام 1989 ، عاد عمر الشريف إلى السينما المصرية ليقوم ببطولة فيلم « الأراجوز » ، الذى أثبت أنه مازال النجم عمر الشريف . فقد لاقى هذا الفيلم نجاحاً فنياً وجماهيرياً ، وشاركته البطولة الفنانة الكبيرة ميرفت أمين والممثل هشام سليم ، وإستقبلته المهرجانات بشكل يليق به ، حيث حصل على الجائزة الثالثة مع شهادة تقدير لعمر الشريف فى مهرجان فالنسيا الدولى فى إسبانيا ، كما حصل على الجائزة الأولى مناصفة مع جائزة خاصة لعمر الشريف فى مهرجان الإسكندرية السينمائى . كان فيلم « الأراجوز » هو فيلمه المصرى الثانى منذ أن غادر بلاده فى العام 1961 ، والذى مثل حدثاً استثنائياً بإمتياز على الصعيدين الفنى والاجتماعى ، وكان من أقل أفلام عمر الشريف كلفة على مدى سنوات كثيرة فموازنة « الأراجوز » لم تتجاوز 300 ألف دولار ، وكان الفيلم مناسبة أتاحت للجمهور رؤية النجم ممثلاً ومطرباً وراقصاً يرتدى « جلابية » الفلاح المصرى المألوفة . وتدور أحداث الفيلم حول سيرة الشخصية المحورية « الأراجوز » صاحب الدمى الذى احترف تحريك خيوطها فى براعة ، خلال عروض عامة غايتها إمتاع الجمهور من ناحية وتذكيره بالقيم الأخلاقية والعادات الكريمة من ناحية ثانية . ينتقل هذا الفلاح « عمر الشريف » من قرية إلى أخرى ليصبح بفضل شعبيته قائداً لحملة يشنها الفلاحون ضد التجار والساسة والبيروقراطيين الفاسدين الساعين إلى إقامة مجمع تجارى على أرض زراعية خصبة . عمر الشريف فى مشهد من فيلم الأراجوز صاحب هذا الفيلم اشتراك الفنان العالمى « عمر الشريف » فى أداء أغنية « الأراجوز » من ألحان عمار الشريعى . أدهش اجتهاد الفنان العاملين فى الفيلم ، الذين وجدوا فى هذا المشروع فرصة ثمينة هيأت لهم أن ينهلوا من خبرة فنان متمرس ذى تجربة شديدة الثراء فى السينما العالمية ، إلا أنهم لاحظوا بشئ من التعجب تحمسه للعمل الذى جعله سباقا فى القدوم إلى موقع التصوير كل صباح وقد حفظ دوره عن ظهر قلب ، وأضفى حضوره على الجو نوعاً من الألفه ، إذ لم تفارقه البسمة وكان على الدوام مستعد لتقديم المشورة والنصح إذا طلب منه . وبعدما فرغ من « الأراجوز » عاود « عمر الشريف » الحنين إلى المسرح الذى هجره منذ زمن طويل فقدم عرضاً فى باريس لمسرحية كتبها الإسبانى « إدوارد ألبى » ثم إلتقى بصديقه « بيتر أوتول » فى فيلم جديد قبل أن يصور عملاً سينمائياً آخر فى هنغاريا مع الممثلة المعروفة ونائبة حزب العمال فى مجلس العموم « غليندا جاكسون » . الأصالة المصرية : كان هذا الفنان الكبير هو بمثابة السفير الفخرى لمصر والوطن العربى فى محافل السينما العالمية ، فقد قدم النجم العالمى « عمر الشريف » بعض الأفلام الجيدة للسينما المصرية مثل الفيلم الإنسانى الاجتماعى « أيوب » ، وكذلك الفيلم السياسى « المواطن مصرى » ، وفيلم « الأراجوز » ، ثم فيلم « ضحك ولعب وجد وحب » . عمرو دياب ويسرا فى فيلم ضحك ولعب وجد وحب تعلم « عمر الشريف » التسامح ، وحب الناس ، وعدم كراهيتهم لإعتبارات دينية ، وعلم أحفاده منذ الصغر قيمة التسامح وأهميتها فى بناء إنسان سوى ، وغرس فيهم ألا يكرهوا أحداً بسبب لونه أو دينه ، وهؤلاء الأحفاد هم سنده فى كبره وهم سر سعادته ، فهو جد لثلاثة أحفاد أمهاتهم مسلمة ومسيحية ويهودية ، فقد تزوج إبنه الوحيد « طارق » من أربع سيدات مختلفات الجنسية والديانة ، وهو رجل أعمال ناجح ، ومتفوق فى مجاله ، ولو كانت لديه موهبة التمثيل لإستمر فى هذا المجال .