كُنّا نجلس أصحاباً وجماعات كالعادة ، نحمل هماً كبيراً ، لا يدخل في قاع ضميرنا غير مبررات الدفاع عن هذه القرية الآمنة ، كثيراً ما تغفو على عطش مزمن وتترع كأساً من مرارات الأيّام ، تسرّبت الأيّام سريعاً ، سمعنا دويّاً كأنّه دوي أفيال مرعوبة تطاردها أشباح خرافية ، ظهر ثعبان حيث لا شفاء لمن يلدغ ، لازم ظهوره خوف عميق لم نعرفه من قبل ، ترعرع داخل أجسادنا ، كلما ظهر الثعبان ، الرؤوس تنحني ، الألسن تنعقد ، والقلوب ترتجف …
آه .. مازال أهل قريتي واضعين سكاكينهم تحت الوسادة ، منتظرين أن يغرسوها في أحشائه ، كانت الريح تصفق النوافذ ، وأوراق الأشجار تتساقط بحزن وفي الأعماق شيء يريد الخروج ، شيء يريد الانفجار …
نادى المنادي ، أحذروا .. أحذروا ، ابتعدوا فلن ينجوَ أحدٌ من أنياب هذا الثعبان .. صار الحزن عناقيد تتدلى كالأغصان وتدثّر أهل القرية بمخاوفهم وراء الصخور الناتئة ، استرجعوا ذكرياتهم واستمرَّ انزلاقهم في مستنقعات التخلّف والانسحاق …
وذات ليلة ظهر قمرٌ بلوريٌ .. ينير الظلمة ، سرعان ما خلع الثعبان جلده ، الرؤوس التي كانت محنية ارتفعت ، الألسن التي كانت معقودة تحرّكتْ ، الأيدي التي كانت مغلولة مسكتْ السكاكينَ وراحتْ تغرسها في جسد الثعبان … وعند الانتهاء من تمزيقه لم يجدوا ثوب الثعبان أمامهم ، لكنهم تفاجئوا عندما شاهدوا مجموعة تقاسمتْ ثوب الثعبان وفصلوّه على أجسادهم .
حبس الجميع أنفاسهم في الصدور.. يترعون كؤوساً من مرارات الأيّام ..