تعد قضية مناهضة العنف ضد المرأة من أهم قضايا المرأة على الأجندة الدولية. وتتبنى الأممالمتحدة تعريفا موسعا للعنف ضد المرأة نص عليه إعلان القضاء على العنف ضد المرأة الصادر عام 1993 ، والذي عرفه بأنه "أي فعل عنيف تدفع إليه عصبية الجنس ويترتب عليه، أو يُرجح أن يترتب عليه، أذى أو معاناة للمرأة، سواء من الناحية الجسمانية أو الجنسية أو النفسية، بما في ذلك التهديد بأفعالٍ من هذا القبيل أو القسر أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء حدث ذلك في الحياة العامة أوالخاصة"، وكانت الجمعية العامة قد قامت في ديسمبر من عام 1999 بتحديد يوم 25 نوفمبر يوما دوليا للقضاء على العنف ضد المرأة، ودعت الحكومات والمنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية إلى تنظيم أنشطة في ذلك اليوم تهدف إلى زيادة الوعي العام بتلك المشكلة، كما أطلق الأمين العام للأمم المتحدة عام 2008 حملة بعنوان "اتحدوا لإنهاء العنف ضد المرأة"، لتمتد من ذلك العام (2008) إلى العام الحالي (2015) ، من أجل دعوة الحكومات والمجتمع المدني والمنظمات النسائية والشباب والقطاع الخاص ووسائط الإعلام ومنظومة الأممالمتحدة بأسرها إلى توحيد صفوفها في مواجهة العنف ضد النساء والفتيات. وفي عام 2013 صدر عن الدورة ال 57 لاجتماعات لجنة وضع المرأة بالأممالمتحدة، وبإجماع الدول المشاركة، وثيقة دولية لوقف العنف ضد المرأة.وفي العام الماضي (2014) أطلقت الأممالمتحدة بمناسبة اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة (25/11/2014) حملة بهذا الخصوص امتدت 16 يوما شهدت فعاليات وأنشطة على المستوى العالمي وشاركت فيها الآليات الوطنية المعنية بالمرأة على المستوى العربي وكذلك الآليات الاقليمية ممثلة في منظمة المرأة العربية وجامعة الدول العربية. إن العنف ضد المرأة له تكلفة باهظة، لا تقع على المرأة الضحية فحسب، إنما تقع بالمثل على المجتمع بأسره الذي يُحرم من المشاركة السوية الكاملة لنصف القوة الفاعلة فيه ألا وهي المرأة، والذي يتعرض في الوقت نفسه للتآكل من الداخل عندما يقوم على بنية أخلاقية وثقافية واجتماعية مشوهة تسمح بممارسة التمييز والاقصاء والعنف ضد نصف القوة الإنسانية المشكلة لهذا المجتمع. في ضوء هذا، وانطلاقًا من إدراك أن قضية العنف ضد المرأة هي قضية ثقافية في جوهرها، وإيمانًا بأهمية الدور الذي يلعبه الإعلام في تشكيل الأفكار والتأثير في الثقافة الاجتماعية ، ومن ثمّ قدرته على خلق ثقافة اجتماعية مناهضة للعنف ضد المرأة داخل المجتمعات العربية، جاءت هذه المبادرة لعقد ملتقى "دور الإعلام في مناهضة العنف ضد المرأة" والذي تعاون في تنظيمه كل من منظمة المرأة العربية ، وقطاع الإعلام بجامعة الدول العربية، وانعقد في مقر جامعة الدول العربية بالقاهرة يوم 9/2/2015. ينشد الملتقى إلى تعزيز مساهمة الإعلام في التوعية بموضوع العنف ضد المرأة وسبل مواجهته والتصدي له، ويهدف تحديدا إلى : * مناقشة الخطاب الإعلامي المتعلق بموضوع العنف ضد المرأة. * مناقشة دور الإعلام في التوعية بقضية العنف ضد المرأة وآلية التصدي له. * مناقشة حاجات الإعلاميين لتمكنيهم من تناول قضايا العنف ضد المرأة بفاعلية أكبر. وشارك في الملتقى لفيف من الخبراء العرب في مجال الإعلام وإعلاميون من سائر الوسائط الاعلامية العربية. وفي كلمتها الترحيبية بالتعاون من منظمة المرأة العربية خلال الجلسة الافتتاحية للملتقى، أكدت السفيرة هيفاء أبو غزالة الامين العام المساعد رئيس قطاع الاعلام والاتصال بجامعة الدول العربية على أن العنف ضد المرأة لا يشكل انتهاكاً جسيماً لحقوق الإنسان فحسب، لكنه أيضاً تترتب عليه تكاليف اجتماعية واقتصادية هائلة، كما أنه يقوِّض مساهمة المرأة في التنمية والسلام والأمن. وهو يشكل أيضاً تهديداً خطيراً بالنسبة لتحقيق الأهداف الإنمائية المتفق عليها دولياً، وأضافت بأنه إدراكا من جامعة الدول العربية لأهمية الإعلام ووسائل الاتصال الجماهيري والتي تمتلك قدرة هائلة على التأثير في السياسات الاجتماعية والثقافية والمعرفية فقد أولت هذا القطاع أهمية خاصة من خلال قطاع الاعلام والاتصال الذي أكد على أهمية الاتصال المستمر مع وسائل الاعلام في المنطقة العربية لتعزيز دور الاعلام في التأثير في التوجهات العامة تجاه قضايا المرأة . كما أكدت السفيرة مرفت تلاوي المديرة العامة لمنظمة المرأة العربية خلال الجلسة الافتتاحية للملتقى أن العنف ضد المرأة قضية لها أبعادها الإنسانية والأخلاقية والدينية والاجتماعية والسياسية، وأن مواجهتها تتطلب تكاتفا اجتماعيا يشمل أطرافا عدة منها الإعلام الذي يضطلع بمسئولية كبيرة في تشكيل الثقافة وتغيير التوجهات الاجتماعية إزاء المرأة وصورتها وحقوقها . وأضافت أن المنظمة وعت هذا الدور المهم للإعلام منذ بداية نشاطها وتبنت برنامجًا بعنوان (الإعلام ودعم المرأة) عقدت في إطاره أنشطة عدة، وأصدرت الاستراتيجية الإعلامية للمرأة العربية بهدف تعزيز الوعي الثقافي والاجتماعي للمؤسسة الإعلامية بما يخدم تقديم رسالة إعلامية تدعم صورة إيجابية عن المرأة العربية، وكذا بناء وتعزيز القدرات الفكرية والمهنية للإعلاميين والإعلاميات بما يمكنهم من التفاعل الايجابي مع قضايا المرأة. وأضافت أن المنظمة لا زالت تتطلع إلى التعاون المثمر مع قطاع الإعلام العربي بما يدعم رسالتها نحو نهوض المرأة العربية. وفي مداخلته في الندوة، أكد معالي الدكتور نبيل العربي الأمين العام لجامعة الدول العربية على تأييده الكبير للمرأة العربية وضرورة حصولها على حقوقها كاملة ، وأوضح أن جامعة الدول العربية تولي قضايا المرأة أهمية قصوى وتعمل من خلال نشاط لجنة المرأة ومن خلال منظمة المرأة العربية على تغيير السياسات الخاصة بالمرأة ورفع الوعي بقضاياها في المجتمعات العربية . وأضاف أن المرأة العربية تقلدت مناصب رفيعة في عدد من الدول العربية وأنها تحتل نسبة 45% من المناصب القيادية بالأمانة العامة لجامعة الدول العربية. وشدد معاليه على دور الإعلام في إبراز النماذج المضيئة للمرأة العربية وهي كثيرة، وعلى دوره في تحسين صورة المرأة بوجه عام، كما أشار للأهمية التي يمثلها دور المجتمع المدني في مناهضة العنف ضد المرأة، وأكد ضرورة تعديل القوانين الخاصة بمناهضة العنف ضد المرأة والعمل على إنفاذها. كذلك أشار معاليه إلى ضرورة لفت الانتباه إلى معاناة المرأة العربية تحت نير النزاعات المسلحة . وتناول النقاش في الملتقى عدة قضايا شملت: - كيفية معالجة قضايا المرأة بطريقة لا تجعلها مجرد قضايا فئوية معزولة عن قضايا المجتمع أو قضايا أقل أهمية من غيرها من القضايا التي تتصدر الاهتمام الاعلامي العربي. - صورة المرأة في الخطاب الإعلامي وما تتعرض له من تشويه بدوافع تجارية أو أيديولوجية وأثر هذه الصورة المشوهة في تغذية العنف ضد المرأة في المجتمع. - تقييم تناول الإعلام العربي لحضور المرأة خلال أحداث الربيع العربي وما بعدها، خاصة ما يتعلق بدورها الكبير خلال الثورات ، وكذا ما تعرضت له من عنف مختلف الأشكال تراوح بين الاعتداء والعنف الجنسي والقتل. - دور الإعلام في تغيير الثقافة المجتمعية المتحيزة ضد المرأة وفي مناهضة كل التيارات التي تنتهك كرامتها الإنسانية. - دور الإعلام في إبراز صورة المرأة كمواطنة مهتمة بالشأن العام وبقضايا وطنها الحيوية وكمساهمة في مواجهة هذه القضايا وإيجاد حلول لها. -دور الإعلام في دعم حقوق المرأة ومكانتها في المجتمعات العربية لاسيما في مواجهة الثقافة التقليدية والأعراف والعادات المناهضة للمرأة والتي تعتبر من أهم مصادر العنف ضدها، ودور الإعلام في ابراز الخطابات الإيجابية بشأن المرأة ودورها ومنها الخطاب الديني المستنير . -دور الإعلام في التناول الايجابي الجاد لمشكلات المرأة وأزماتها والحشد والتعبئة الاجتماعية من أجل إيجاد حلول عملية لهذه المشكلات التي رغم كونها مشكلات اجتماعية عامة إنما يقع عبئها الأكبر على المرأة لكونها الأقل في امتلاك الموارد الاجتماعية الرمزية والمادية، وذلك مثل مشكلات الفقر (تأنيث الفقر) والأمية ونقص الرعاية الصحية والخدمة التعليمية خاصة في البيئات العربية الريفية وغير الحضرية بوجه عام. -أهمية تفعيل دور الإعلام في التوعية بالحاجة إلى تحسين البنية القانونية العربية بما يجعلها أكثر إنصافًا للمرأة كإنسان وأكثر حماية لها من كل أشكال العنف، وأكثر تشجيعا لدورها الاجتماعي وانخراطها بشكل متساو في سائر أوجه النشاط والفعالية الاجتماعية. - كيفية تأهيل الإعلاميين وبناء قدراتهم من أجل تمكينهم من التناول المنصف والمتزن لقضايا المرأة. التوصيات الختامية : في ختام الملتقى أكد المشاركون في الملتقى على : -ضرورة التوقف عن معالجة قضايا المرأة على أنها قضايا فئوية معزولة عن قضايا المجتمع ، والتوقف عن تجهيل قضايا الإصلاح الاجتماعي بوجه عام واعتبارها أقل أهمية من القضايا السياسية وغيرها، بل تقديم ملفات الإصلاح الاجتماعي شاملة إصلاح وضع المرأة والأسرة واصلاح منظومة العلاقة بين الرجل والمرأة بوجه عام وإدراكها على أنها قضية استراتيجية أساسية ومحورية لابد من خوضها بشكل جاد وعميق إذا أُريد للمجتمعات العربية أن تنهض أو تتقدم. - ضرورة إدراك المفهوم الواسع للعنف ضد المرأة، وعدم قصر العنف على مسألة الإيذاء البدني إنما مده لجميع مظاهر حرمان المرأة من حقوقها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية ..الخ. - ضرورة التوقف عن معالجة قضية المرأة عبر منظور تجاري أو ايديولوجي يبخس قضاياها حقها ويظهرها بشكل منفصل عن القضايا الاجتماعية الأكبر، وفي هذا الإطار فإن العنف ضد المرأة يجب أن يعالج في إطار قضية العنف المستشري في المجتمعات العربية ككل. - مطالبة الجهات الإعلامية بتطوير خطاب إعلامي ينطلق من رسالة الاصلاح الاجتماعي بوجه عام ويأخذ في الاعتبار أهمية إعادة بناء مفهوم الإنسان ، وإعادة النظر للمرأة كإنسان كامل. - التأكيد على ضرورة الاهتمام بالتربية والتعليم للمجتمع ككل وللمرأة على الخصوص لكونه أهم مداخل الاصلاح والنهضة. - التأكيد على أهمية الدور الذي يلعبه المجتمع المدني والجمعيات الأهلية في خدمة قضايا المرأة وقضايا الاصلاح الاجتماعي العام. - ضرورة تفعيل القوانين المتعلقة بمناهضة العنف ضد المرأة وتوافر الإرادة السياسية القادرة على إنفاذ التشريعات بهذا الخصوص. -ضرورة العمل على تحسين صورة المرأة في وسائل الإعلام المختلفة وحماية حقوقها وحمايتها من العنف بمعناه الواسع وبسائر أنماطه، بما فيها الصور الجديدة للعنف التي تطل برأسها الآن، خاصة العنف المتمثل في الإرهاب، وذلك من خلال: * إعداد برامج تثقيفية توضح ضرورة إلغاء التمييز الممارس ضد المرأة وأثره السلبي على الأسرة والمجتمع. * مراعاة تنزيه الدراما العربية وكافة الأعمال الاعلامية عما يشوه صورة المرأة ويحط منها. * الاستفادة الدائمة من الخبراء والمختصين في مجال المرأة وقضاياها عند اعداد المحتوى الاعلامي. * مراعاة تضمين النوع الاجتماعي في المضمون الإعلامي بوجه عام. * بناء قدرات الاعلاميين والاعلاميات في موضوع المقاربة الحقوقية لقضايا المرأة والتوعية بمفاهيم النوع الاجتماعي. * تفعيل المواثيق الأخلاقية الإعلامية في مقاربة قضايا المرأة. * حث رجال الأعمال على تمويل حملات إعلامية لتغيير الموروث الثقافي المناهض للمرأة. * حث الفنانات وسيدات المجتمع والشخصيات العامة على المساهمة في حملات توعية لمناهضة العنف ضد المرأة. * توجيه الاهتمام الاعلامي لتغطية أحوال المرأة العربية تحت الاحتلال وفي ظل النزاعات المسلحة. وقد أشاد المشاركون بنضال المرأة الفلسطينية وصمود المرأة السورية والعراقية ضد موجة الإرهاب التي تتعرضن لها.